ربط النظام العسكري في مصر، والذي جاء بانقلاب عسكري دموي في 3 تموز/ يوليو 2013، وجوده بمحاربة الإرهاب المحتمل، كما جاء على لسان قائده عبد الفتاح السيسي، وكما يردد دائما في كل خطاباته وأحاديثه في الداخل والخارج، لذا فإن بقاء هذا النظام العسكري مرتبط بوجود الإرهاب الذي يتغذى ويقتات عليه، فإذا غاب الإرهاب المحتمل سقط هذا النظام وانتهى..
بقراءة التاريخ، وكما جاء في مذكرات خالد محي الدين عضو مجلس قيادة انقلاب تموز/ يوليو 1952 فـ"إن جمال عبد الناصر كان ضد الديمقراطية على طول الخط، وإنه هو الذي دبر التفجيرات الستة التي حدثت في الجامعة وجروبي وفي مخزن الصحافة وفي محطة سكة حديد القاهرة، وإنه اعترف لعبد اللطيف البغدادي وكمال الدين حسين أنه هو من دبر التفجيرات لإثارة مخاوف الناس من الديمقراطية، وللإيحاء بأن الأمن سيهتز وأن الفوضى ستسود إذا مضوا في طريق الديمقراطية، وإن جمال عبد الناصر هو الذي نظم إضراب العمال الشهير في آذار/ مارس 1954، وأنه هو الذي أنفق عليه وموله، وذكر خالد محي الدين أن عبد الناصر قال له بالحرف: هذا الإضراب كلفني 4 آلاف جنيه".
عندما نتحدث عن التفجير الآثم الذي حدث في الكنيسة البطرسية بالعباسية في القاهرة صباح الأحد (11 كانون الأول/ ديسمبر 2016) وراح ضحيته 25 قتيلا من الأبرياء، بالإضافة إلى 49 مصابا، علينا أن نسترجع تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية بداية كانون الثاني/ يناير 2011، والتي أظهرت التحقيقات التي أُجريت بعد الثورة ضلوع حبيب العادلي وزير داخلية مبارك فيه، حيث صرح ممدوح رمزي المحامي القبطي لموقع "الأقباط متحدون" قائلا: "إن حبيب العادلي أعطى أمرا بالتفجير لتأديب الأقباط؛ لأنهم يتظاهرون لأتفه الأسباب ويجب تقليم أظافرهم".
القاعدة القانونية تقول: "لمعرفة الفاعل في أي عمل إجرامي فتش عن المستفيد؟". والسؤال هنا: من المستفيد من هذا العمل الإجرامي الذي تم تنفيذه في الكنسية البطرسية بالقاهرة؟
المشهد يبدو مربكا، فالنظام العسكري لديه مشاكل اقتصادية كبيرة وانقطاع في الدعم الخليجي "الرز"، وهو مقبل على رفع كامل عن الدعم وتسريح ملايين من العاملين في الجهاز الإداري للدولة، وبيع لمقدرات الوطن بما فيها المرافق العامة التي لم يجرؤ أي حاكم من الاقتراب منها، وهو يحتاج لحدث كبير يحول من خلاله الرأي العام عن كل هذه الكوارث، وليؤهل الشعب لتقبل ما هو أقسى وأصعب من هذه الإجراءات، وربما يشيطن الإخوان أكثر وأكثر والإسلام ككل، ويتخذ من هذا الحادث الإجرامي ذريعة لمزيد من القمع والإرهاب بحق الشعب المصري.
النظام العسكري في مصر يعلم أن هناك تململا غربيا من سياساته القمعية، وأن هناك مشروع قرار في الكونجرس من أجل وقف المساعدات العسكرية لمصر، والكل يعلم أن أقوى ورقة لتسويق السيسي لدى الغرب أنه جاء لحماية المسيحيين في مصر من اضطهاد الأغلبية المسلمة، وهو يعلم حساسية هذا الملف بالنسبة للغرب، لذلك فهو يلعب عليه جيدا من أجل نيل دعم الغرب، وعمل إجرامي مثل هذا يمكن أن يجعل الغرب يتغافل عن قمع السيسي ونظامه العسكري.
من ناحية أخرى، الكنيسة القبطية تعلم أنها شكلت الكتلة الصلبة في انقلاب 30 حزيران/ يونيو 2013، وهناك مطالب لها لا بد من تحقيقها، وربما نجد عناصر من الشركات الخاصة التي أسسها نجيب ساويرس بملايين الدولارات تتحول إلى مليشيات داخل الدولة بذريعة حماية الكنائس التي عجزت الدولة عن تأمينها.
ولتفكيك المشهد هناك عدد من الأسئلة لا بد من الإجابة عليها
أولا- هذه الكنيسة في قلب القاهرة وعليها التأمين على أعلى مستوى من الخارج، بمدرعات الجيش والشرطة ومن الداخل هناك شركات أمن خاصة تابعة لنجيب ساويرس، فكيف يدخل هذا الكم من المتفجرات إلى داخل الكنيسة في ظل هذا التأمين والحراسة المشددة والكاميرات المنتشرة في كل مكان؟
ثانيا- هل كانت تصريحات الصحفي المسيحي مفيد فوزي، المعروف بعدائه الشديد للإسلام، والمسيئة للشيخ الشعراوي رحمه الله، قبل التفجير بعدة أيام؛ مجرد مصادفة؟
ثالثا- هل دعوة السيسي لتجديد الخطاب الديني، والتأكيد عليه قبل التفجير بثلاثة أيام؛ مجرد صدفة؟
رابعا- وقوع التفجيرات في ذكرى مولد سيد المرسلين مجرد صدفة أيضا؟
خامسا- سرعة استضافة الخبراء الأمنيين في كل القنوات الإعلامية، واتفاقهم على اتهام الإخوان وشيطنتهم قبل إجراء أي تحقيق، هل هي صدفة هي الأخرى؟
وفقا لمنطق الغاية تبرر الوسيلة، لا شك أن النظام العسكري ومن ساندوه، سواء كان رأس الكنيسة أو رجل الأعمال نجيب ساويرس، لديهم مصالح مشتركة ومكاسب يريدون تحقيقها، فهل اتفقت مصالح السيسي وتواضروس وساويرس حتى لو كان ثمن تحقيقها هو دماء الأبرياء وأشلاء الضحايا!
أضف تعليقك