بعد الانتهاكات الفاضحة التي قامت بها قوات أمن الانقلاب داخل سجن برج العرب، صباح اليوم، الأربعاء، والتي وصلت إلى إلقاء الغاز المسيل للدموع داخل إحدى الزنازين وتعرض المساجين إلى حالات اختناق واغماء.
بدأت القصة بعدما توجه أهالي المحبوسين على ذمة قضايا سياسية إلى السجن لزيارة ذوييهم ليفاجأوا بمنح الزيارة، ما أثار حالة من الهياج والقلق، لتتضح الرؤية بعد ساعات، حيث روى الأهالي أن المعتقلين السياسيين أعلنوا الإضراب بعد معرفتهم بتعذيب أحد المعتقلين بعنبر 21 الذي يضم المساجين الذين ينتظرون حكم الإعدام، لتدخل قوات الأمن وتلقي قنابل الغاز للدموع داخل العنبر لإخماء غضب المساجين وإجبارهم على فتح العنابر.
ودخل عدد من أهالي في اعتصام أمام بوابات السجن، احتجاجًا على تعرض ذويهم لـ "التعذيب"، فضلاً عن تغريب 100 منهم إلى سجن جمصه وترحيل 148 لسجن المنيا الجديد.
في سياقٍ متصل طالب مركز "الشهاب لحقوق الإنسان"، بفتح تحقيق عاجل عما اقترف من جرائم بحق المحبوسين داخل السجن، ووقف الانتهاكات بحقه ومحاسبة المتورطين.
وذكر المركز في بيان نشره عبر حسابه على المواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، إنه يتابع عن كثب ما يحدث داخل سجن برج العرب، ويؤكد على أن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم وأنه مهما مر الزمن سوف يحاسب هؤلاء القتلة على جرائمهم.
وقال المركز في بيانه: "القائمين على السجون من ضباط الداخلية يقومون بالقتل والتعذيب تسلية لهم بلا رقيب ولا محاسبة" معتبرًا أن ما يحدث يكشف "دولة اللا قانون في مصر"، مؤكدًا أن القتل والتعذيب يتم بضوء أخضر من قيادات الداخلية.
من جانبها كشف محمد حافظ المحامي الحقوقي بمؤسسة حرية الفكر والتعبير إن عدد المسجونين الذين صدر قرار بنقلهم إلى سجن "جمصة" 148 سجينا.
فيما قالت الناشطة السياسية ماهينور المصري، إن وضعية التعامل مع المحبوسين في سجن برج العرب غير آدمية، مضيفة: "الداخلية مش بلطجية .. البلطجي ممكن في مرحلة يبقى عنده إنسانية شوية.. دول قتالين قتلة وسفاحين ومش بشر أساساً".
وأعاد مشهد "برج العرب"، المشهد الديكتاتوري في مصر في عهد جمال عبد الناصر، بعد انقلاب 1952، الذي كتب أولى فصول "عسكرة الدولة المصرية"، حيث شهد انتشار المعتقلات والسجون السياسية ومحاكم التفتيش، وتكميم الأفواه، ومصادرة الحريات، وإعدام كل المعارضين، فضلاً عن الانتهاكات والتعذيب داخل السجون.
وكشفت مذكرات وزير الحربية المصري الأسبق شمس بدران, الذي كان يعتبر خزانة أسرار "عبدالناصر" الذي أكد خلالها أن التعذيب حينها لم يكن قاصرا على السجن الحربي, بل كان أيضا في المباحث العامة في وزارة الداخلية, وكذلك في جهاز المخابرات العامة التابعة لرئيس الدولة، مشيراً إلى أن عبد الناصر كان يشهد بعض حالات التعذيب للمعتقلين السياسيين الذي كان معظمهم من جماعة الإخوان المسلمين حينها.
ويعتبر ما حدث في "برج العرب" تواصلاً للانتهاكات المستمرة الذي يقوم بها الحكم العسكري منذ الانقلاب منتصف 2013، والذي أوردت عنه صحيفة "ميدل إيست آي" البريطانية تقريرا، كشفت فيه عن معلومات تتعلق بالسجناء السياسين في السجون المصرية والمعاناة التي يعيشونها والتي وصفتها بـ"محاولة قتلهم ببطء".
وكشف التقارير عن بعض الشكوات التي أكدت أن سلطات السجون لا تسمح بإدخال الأدوية إلى المعتقلين إلا بعد تفتيشها، وهو ما يؤدي غالبا إلى اختلاط الأدوية.
وفي نفس الشأن، كشف تقرير أعدته "التنسيقية المصرية للحقوق والحريات"، عن انتهاكات حقوق الإنسان الجارية في السجون السياسية، بدايةً من التعذيب الجسدي والنفسي إلى الحرمان من الوصول إلى الغذاء والماء والتهوية والأدوية.
واختص التقرير سجن العقرب ومجمع سجن وادي النطرون،والذي أكد أنه تم فيه منع السجناء من الحصول على الدواء لعدة أشهر،فضلاً عن وصول الغذاء والماء لهم بشكل محدود للغاية، كما تفتقر الزنزانات للتهوية وللكهرباء.
وكشفت إحصائية كشف عنها المرصد المصري للحقوق والحريات، أن عدد مرضى السرطان المسجونين في مصر منذ الانقلاب، يبلغ 790 مريضاً، يتوزعون على كافة محافظات الجمهورية، ووفقاً لتوثيق المرصد المصري، فإن "نصف عدد مرضى السرطان داخل السجون المصرية، اكتشفوا إصابتهم بالمرض خلال فترة احتجازهم، بعد ظهور أعراض المرض عليهم، بينما النصف الآخر جرى حبسه وهو مريض". وبحسب الإحصائية وتوثيق معد التحقيق بوساطة بيانات معلنة للمنظمات الحقوقية، فإن 491 مريضاً توفى بسبب الإهمال الطبي داخل السجون المصرية منذ يوليو 2013.
وشهد عهد قائد الانقلاب العسكري انشاء 16 سجناً جديداً خلال عامين ونصف، افتتح بعضها رسمياً، فيما يزال بعضها قيد الإنشاء، وكشف تقرير حقوقي أن عدد السجناء السياسيين في السجون، تجاوز عدد السجناء الجنائيين لأول مرة، ما يشير لتغليب الأمن السياسي لنظام الانقلاب على الجنائي.
وأشار تقرير أعدته "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان إلى أن "التوسع الهائل في بناء السجون لم يكن بالضرورة بسبب الزيادة السكانية، بل لتنامي القضايا السياسية وقمع المعارضين وأن زيادة عدد السجون هو رسالة مفادها توافر أماكن خلف الأسوار للمنتقدين والمعارضين للنظام الحالي"
كما ألقى التقرير الضوء على أنه رغم الأزمة الاقتصادية في مصر، فإن الدولة لم تدخر جهدًا في بناء سجوناً جديدة تتسع لهذه الأعداد الهائلة، وأن بعضها أصبح من الأضخم في مصر، مثل سجني جمصة والمنيا، الذي يتسع كل منها لنحو 15 ألف سجين ومحتجز.
أضف تعليقك