لم أستطع يوما ما أن أصدق ما كنت أقرأه دوما فى تاريخ الثورات فى العالم ولا كنت معتقدا ولو شبه اعتقاد بكل ما كتب عن الثورات العالمية، لكننى اصطدمت بواقع مؤلم للغاية ليس غريبا علي، فلقد اطلعت على تفاصيل السيناريو قبل ذلك، لكن الآن الوضع مختلف تماما، فطالما كنت أنادى دوما فى كل مكان بالشعب المصرى دون أن أحدد ما هو الشعب وما هى الفصيلة التى أتحدث عنها وأتوجه لها بكل تلك النداءات من الطبيعى جدا أن يثور الفقراء، لكن من الغريب فى مصر أن الفقراء فى سبات عميق.. لم أعرف لماذا وصلنا إلى هذا الحد، لكنها هى الحقيقة المرة التى لا بد أن أنوه عليها بعد أن استمعت إلى تلك النداءات والادعاءات والافتراضات التى تطلق ونسمعها كل يوم عن (ثورة الجياع).
لكن السؤال الأهم الآن من هم الجياع حتى يقوموا بعمل ثورة وما هو مصطلح الثورة عند الجياع لو فصلنا هذين المصطلحين على حده.. لوجدنا تناقضا شديدا بين اللفظين، فالثورة مصطلح يعرفه الجياع بأنه (عدم الاستقرار, توقف عجلة الإنتاج, تعطيل مرافق الدولة, ضرب الاقتصاد, تخريب المنشآت, هدم الجيش حامى الوطن, الانفلات الأمنى), أما الجياع فهم طبقة لا تثور للحرية أو الكرامة، فالحرية والكرامة أوسع وأشمل بكثير وكافيه لإشباع حاملها دائما.
فالحرية دائما هى العامل المحرك لأى ثورة ناجحة, إذا فالجياع بالمفهوم التقليدى مجموعة من الشعب، بل إن شئنا لسميناهم بالطبقة الصلبة أو الكتلة الحقيقية.. ويتخطون 70% من الشعب المصرى، أما النسبة المتبقية فهم الثوار الحقيقيون، سواء قلت تلك النسب أو كثرت بشكل أو بآخر لا يتعارض مع النسبة الأصلية التى وضحتها, إن انصياعنا وراء تلك الدعوات وإيهام البعض بثورة جياع لهى دعوات واهية لا قيمة لها، فالجياع لا يثورون إلا إذا جاعوا، فإن ألقى لهم الطواغيت بكسرة خبز عادوا إلى ما كانوا عليه من سكون وصمت دائم, لكن الأحرى بنا أن نتهيأ للتوعية الشاملة بأهداف الثورة الحقيقية وتحويل هؤلاء الثوار أصحاب الثورة الواهية إلى ثوار حقيقيين أصحاب مطالب حقيقية ليست مطالب مؤقتة يستطيع الطواغيت أن يفضوا جموعها بكسرة خبز.
إن الثورة الحقيقية لن تبدأ إلا إذا تم تحويل الثوار غير الحقيقيين إلى ثوار حقيقيين يصنعون الحدث، فما أحلاها ثورة يصطف فيها الجميع جنبا إلى جنب يصطفون لوطن كثرت فيه الأوجاع وزادت طعناته، فى وطن شرف جسده على الموت لا ينبغى أن نترك الوطن هكذا، لا بد من إسعافه على الفور وإعطائه قبلة حياة كى يستعيد روحه التى انتزعها الطغاة عنوة ورغما عنا جميعا.
الوضع الآن فى الشارع ظاهرة غليان شديد وصل إلى حد يوحى بوجود ثورة إن لم نستطع أن نحولها إلى ثورة حقيقية ضد الظلم والطغيان واسترداد للحريات المسلوبة وللثروات المنهوبة لتغير مسارها فورًا لتأخذ منحنا آخر وهو (ثورة الجياع) الثورة الكاذبة, الثورة التى ستأكل الثورة الحقيقية, إلا أنى محذركم جميعا من السير قدما فى هذا الطريق والتعريض له والتسويق لجياع الثورة الذين سيأكلون الثورة.
دعونا نصارح أنفسنا أكثر من ذلك ونعلن فشلنا فى التفاف الشارع حولنا بمطالبنا الحقيقية الآن الشارع بدأ يلتف حول مطالب أخرى لكنها إن لم تستغل بشكل جيد ستكون عبئا على ثورتنا ومدادا للظلم داخل أوطاننا، فجهل الشعوب بالثورات الحقيقية وأهدافها دائما يكون المقصلة التى تقصل عليها الثورة.
فالثورة الحقيقية لن تنجح بالسلاح أو بالمال وإنما نجاحها الحقيقى يكمن فى شعب الثورة الواعى، الذى يتمسك بحقه الأصيل فى حرية العيش الآدمى والحياة الكريمة داخل وطن حر يحكمه قانون ومؤسسات.
أضف تعليقك