كشفت وكالة "تسنيم" الإيرانية -المقربة من الحرس الثوري- عن مصادر صحفية خبر قيام حكومة الانقلاب بإيفاد قوات عسكرية إلى سوريا، في إطار التعاون والتنسيق العسكري مع ميليشيا بشار الأسد وحزب الله اللبناني، والعناصر الإيرانية.
بحسب الوكالة، قالت المصادر "إن مصر أصبحت حريصة على تقديم المساعدات العسكرية وإرسال القوات إلى سوريا للمشاركة في معارك سوريا ضد المعارضة، بعد أن ظهرت شروخ كبيرة بينها مع المملكة السعودية التي تقدم المساعدات لـ(لإرهابيين) في العراق وسوريا، بالإضافة إلى حرب قد شنتها ضد الأبرياء العزل في اليمن".
زيارات علنيه
ما صرّحت به وكالة "تسنيم" الإيرانية، جاء بعد زيارة علي المملوك، رئيس مكتب الأمن الوطني مصر، الشهر الماضي، في أول زيارة معلنة لمسؤول سوري بارز، وأجرى لقاءات مع كبار المسؤوليين المصريين، وقالت الوكالة، إن الزيارة تمت بناء على دعوة من الجانب المصري واستمرت يومًا واحدًا، والتقى خلالها باللواء خالد فوزي، نائب رئيس جهاز الأمن القومي في مصر وكبار المسؤولين الأمنيين.
واتفق الطرفان، على تنسيق المواقف سياسيًا بين سوريا ومصر وكذلك تعزيز التنسيق في مكافحة الإرهاب الذي يتعرض له البلدان، وقال مصدر سياسي سوري، إن الزيارة ليست الأولى للمملوك إلى القاهرة، إلا أنها أول زيارة معلنة.
واعتاد مملوك، أن تكون زيارته سرية غير معلنة فآخر ظهور علني له كان في مايو 2015، لكن فيما يخص زيارته لمصر أعلنت الوكالة الرسمية السورية "سانا" نبأ زيارة مملوك، وعلّقت "تسنيم" على الزيارة قائلة: "ويبدو أن السعودية هي المقصودة من الإعلان عن الزيارة وخاصة أنه جاء فيها، أنها بهدف التنسيق الأمني بين سوريا ومصر".
دعم سري
في سبتمبر 2015، قال عبد الفتاح السيسي لـ شبكة CNN الأميركية إن "انهيار" الجيش السوري وسقوط بعض أسلحته في يد "تنظيم الدولة"، أو جبهة النصرة قد يشكل خطرا على مصر، جاء هذا الرد تزامنا مع كشف الأسد أن التواصل بين بلاده ومصر لم ينقطع، وأكد في حوار تليفزوني حدوث تواصل مباشر بين الجانبين على مستوى مسؤولين أمنيين مهمين.
ولا يوجد خبر رسمي يفيد بالتعاون العسكري بين البلدين، لكن تفيد تقارير صحفية من آن لآخر بهذا التعاون، حيث أكد موقع "ديبكا فايل" الإسرائيلي في 2015، أن السيسي بدأ في إمداد بشار الأسد بالسلاح، بما في ذلك الصواريخ، بعد عقد اتفاق سري مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقبول الأخير بدفع تكاليف الأسلحة.
ويشير التقرير إلى أن الدفعة الأولى من الصواريخ الأرضية قصيرة المدى مصرية الصنع، وصلت إلى القوات السورية لاستعادة مدينة الزبداني الاستراتيجية، وقال الموقع، إن شحنات الأسلحة المصرية يتم شحنها من ميناء بورسعيد إلى ميناء طرطوس السوري عن طريق سفن بضائع أوكرانية.
مواقف مصر من الأزمة السورية
المجلس العسكري
منذ ما يقرب من 5 سنوات، عندما اندلعت الثورة السورية، وتحديدًا في 18 مارس 2011، كانت مصر في خضم أحداث ثورتها، التي انتهت مرحلتها الأولى بتنحي مبارك عن السلطة في 11 فبراير 2011، لتتسلم المؤسسة العسكرية تحت قيادة المشير محمد حسين طنطاوي حكم البلاد، ريثما تُجرى الانتخابات.
وفي منتصف سبتمبر من العام نفسه، قبلت القاهرة المبادرة العربية الأولى، التي دعت إلى سحب الجيش من المدن ووقف العنف، وإجراء حوار مع المعارضة، ثم جاء قرار الجامعة في 12 نوفمبر من العام نفسه، ليقضي بتعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، وسحب السفراء العرب من دمشق، وهو الموقف الذي اكتفت مصر بالاعتراض عليه، بينما قبلت بعد 4 أيام قرار الجامعة إرسال بعثة مراقبين عربية، من أجل تقصي الحقائق.
ومع تتطور الأحداث في سوريا وازدياد عدد الضحايا، أعلن المجلس العسكري رفضه للحلول الأمنية، وتأكيد ضرورة إيجاد مخرج سياسي، يتأسس على حوار وطني يشمل جميع القوى السياسية، ورفض تفاقم الأزمة.
الرئيس محمد مرسي ضد القمع السوري
في 23 مايو 2012، انتخب محمد مرسي كـ"أول رئيس مدني منتخب بإرادة شعبية"، وأصبحت الرئاسة هي المرجع الرئيسي للسياسة الخارجية، مع اكتمال النصاب القانوني للنظام السياسي، ولم يخرج موقف الرئيس الجديد وقتها عن الإطار العام للموقف المصري منذ البداية، وهذا ما أكده تصريح الرئيس مرسي في 26 يوليو 2012 بـ"دعمه" لتطلعات الشعب السوري في نيل حريته وفق اختياراته، لكنه رفض أي تدخل عسكري خارجي.
بعد ذلك، رفع مرسي مستوى الخطاب السياسي عبر وصفه النظام السوري بالديكتاتوري، ومسألة إسقاطه واجب أخلاقي، قبل أن تكون واجبًا سياسيًا، في المقابل شهدت العلاقات المصرية-الإيرانية تقدمًا ملحوظًا، تُوج بزيارة أحمدي نجاد القاهرة بداية فبراير 2013، واعتبار مصر إيران جزءًا من الحل في سوريا، وإصرارها أن تكون ضمن مجموعة الرباعية لحل الأزمة السورية.
وفي 15 يونيو 2013، كانت الأزمة السورية على موعد جديد مع موقف مصري مُتغير، فقد أعلن الرئيس مرسي قطع العلاقات نهائيًا مع دمشق، وسحب القائم بالأعمال المصري وإغلاق السفارة، ومطالبته مجلس الأمن بفرض منطقة حظر جوي فوق سوريا، وبذلك تكون القاهرة وضعت في الصف السعودي القطري التركي.
وشكلت هذه المرحلة دعمًا واضحًا للمعارضة السورية، وكانت القاهرة ملاذًا آمنًا، ليس فقط لشخصيات المعارضة، بل لكثير من السوريين الذين وجدوا في مصر أكثر الأماكن راحة، بسبب التسهيلات الممنوحة للسوريين من جهة، ولتقارب البيئتين المصرية والسورية في مستوى المعيشة من جهة ثانية.
جاء ذلك بعد يومين من استضافة القاهرة مؤتمرًا لعلماء ودعاة بارزين حملوا على النظام السوري، وأكدوا ضرورة الجهاد ضده، وخصوصًا أن الصراع بين الثورة والنظام أخذ منحى طائفيًا، بالمساندة التي يلقاها النظام من إيران وحزب الله اللبناني الشيعيين.
عودة الأوضاع بعد الانقلاب
في تحليله للأزمة السورية، قال الكاتب الصحفي، حسين عبدالعزيز، "مع الانقلاب الذي قام به عبدالفتاح السيسي في الثالث من يوليو 2013 ، وإطاحته بأول رئيس منتخب بعد الثورة، انتهت مرحلة الدعم المصري للمعارضة السورية، وبدأت مرحلة دعم النظام بشكل غير مباشر، تحت عنوان ظاهري هو المصلحة القومية العليا لمصر، وآخر مضمر هو العداء للإخوان المسلمين".
وأضاف عبدالعزيز في مقاله المنشور على موقع "الجزيرة نت" تحت عنوان: "السياسية المصرية تجاه الأزمة السورية": "لم يكن السيسي قادرًا على إعلان دعمه دمشق بشكل صريح، بسبب مسؤولية النظام المباشرة عن الأزمة السورية من جهة، ولأن موقفًا صريحًا كهذا سيبدو خارج المألوف عربيًا ودوليًا ثانيًا، ولتحاشيه إغضاب دول الخليج، التي يحتاج إلى دعمها المالي من جهة ثالثة، وخصوصًا السعودية والإمارات، لذلك اتبع السيسي تكتيكًا معاكسًا، تمثل في تطويق المعارضة السورية الراديكالية، بما فيها الإخوان خدمة للنظام، وبدأت عملية خنق واضحة للمعارضة التي لم تجد بُدًا من ترك البلاد".
وتابع: "ظهر الموقف المصري واضحًا من الائتلاف الوطني، عندما لم يوجه له الدعوة لحضور أعمال القمة العربية، واجتماعي القاهرة الأول والثاني، في محاولة لتعويم هيئة التنسيق الوطنية في مواجهة الائتلاف، وهذا ما عبر عنه السيسي صراحة، حين أكد ضرورة دعم معارضة معتدلة"، وأضاف: "وفي مقابل تطويق مصري للمعارضة الراديكالية، جرى انفتاح نحو النظام تمثل في استقبال القاهرة وفدا سوريا رسميا في 17 ديسمبر من العام الماضي، برئاسة عماد الأسد، رئيس الأكاديمية البحرية في اللاذقية، في خطوة تحمل من الدلالات السياسية ما يكفي، رغم وصف إعلام القاهرة لها بأنها زيارة روتينية".
وقال: "بدأ التكتيك الثاني للسيسي باختزال أزمات العالم العربي عامة، وسوريا خاصة، في الإرهاب والإخوان وبدأ يدعو إلى حل سياسي في سوريا يبدأ بمكافحة الإرهاب، وهي الرؤية التي يتبناها النظام وحلفاؤه في إيران وروسيا، ثم خطى خطوة أخرى في تعميم رؤية النظام السوري للحل السياسي، فأعلن في 20 يناير الماضي، خلال مقابلة أجرتها معه صحيفة الاتحاد الإماراتية، أن الرئيس السوري بشار الأسد سيكون جزءًا من عملية التفاوض، في حال إجراء حوار بين النظام والمعارضة".
وأنهى عبدالعزيز مقاله قائلًا: "وبهذا الموقف الأخير يكون السيسي عبر صراحة عن مواقفه السياسية، المتماهية مع الموقف الروسي، ووقف على مسافة من حلفائه الخليجيين، الذين يعتبرون الأسد جزءا من المشكلة لا الحل، ليتشكل بذلك حلف يمتد من القاهرة إلى موسكو مرورًا بطهران وبغداد، مقابل الحلف المضاد الذي يضم أنقرة والدوحة والرياض، التي تربطها علاقات خاصة مع القاهرة".
أضف تعليقك