لا يبدو أن السلطة الحالية في مصر قادرة على وقف عملية الاغتيالات التي تجري كل فترة، وذلك بافتراض أنها بعيدة عنها، وغير متورّطة فيها مثلما يدّعي بعضهم. وهو ما يكشف الفشل الذريع لهذه السلطة.
يفتح اغتيال قائد الفرقة التاسعة المدرعة في الجيش المصري، العميد عادل رجائي، أمام منزله الأسبوع الماضي، الباب أمام تساؤلاتٍ كثيرة حول مسألة الاغتيالات السياسية في مصر، وملابساتها والأطراف المتورطة فيها، والتي زادت وتيرتها بشكل ملحوظ في الفترة الماضية. وعلى الرغم من فداحة ما حدث، سواء من حيث طريقة التنفيذ ومكانه، أو من حيث طبيعة الشخص المستهدَف، لم يصدر أي بيان رسمي حتى الآن كي يفسر ويوضح حقيقة ما حدث، أو لكي يلقي بالمسؤولية علي أي طرف، مثلما يحدث في حالات مشابهة.
فتح لغز اغتيال العميد رجائي باب التكهنات أمام احتمالاتٍ عديدة، يتناقلها الشارع المصري، وجميعها لا يصب في مصلحة النظام الحالي. فمن جهة أولى، أصدرت جماعة مسلحة تطلق على نفسها اسم “لواء الثورة” تصريحاً مقتضباً علي “تويتر”، تعلن فيه مسؤوليتها عن عملية الاغتيال، وذلك قبل أن تغلق حسابها وتحذفه من على الموقع. ومن جهة أخرى، تداول كثيرون مقطع فيديو يجلس أحدهم في سيارة، ويتحدّث عن أن عملية اغتيال العميد رجائي يقف وراءها ضباط آخرون مدعومون ببعض المسؤولين السوريين، وذلك في سيناريو غير مفهوم. ولكن هذه الرواية زادت الشكوك حول عمليات التصفية التي تجري داخل مراكز القوى في النظام الحالي. خصوصاً في ظل حديثٍ عن وجود انقسامات وخلافات عميقة بين الأجهزة السيادية، ما يوفر غطاءً مهماً لأي عملية اغتيال أو تصفية سياسية قد تحدث. في حين يرى آخرون أن ثمّة اختراقاً حدث لبعض الجماعات والشبكات المسلحة الصغيرة، بحيث تستخدمها أطراف معينة بشكل مباشر لتنفيذ عمليات الاغتيال والتصفية.
ولو صحت الرواية الأخيرة، فإننا سنكون أمام سيناريو مرعب، يتعلق بطبيعة الصراعات داخل أهم مؤسسةٍ في مصر، وهي المؤسسة العسكرية، والتي وصلت إلى درجةٍ غير مسبوقة من التوتر والعنف، وهو ما لا يريده أحدٌ حريص علي الوطن، وتماسك مؤسساته. يتماشي هذا الكلام مع ما يُشاع بشأن عمليات القتل والتصفية التي تجري لمسؤولين عسكريين في سيناء،
مثلما حدث قبل يومين مع العقيد رامي حسنين، قائد الكتيبة 103 صاعقة، والذي تم اغتياله بعبوة ناسفة في منطقة شمال سيناء. وكذلك ما يحدث مع جنود وضباط آخرين، يبدو أنهم وقعوا ضحية للصراعات الداخلية.
وللحق، لا يمكن استبعاد أي من السيناريوهات السابقة، خصوصاً في ظل حالة الفشل التام التي يمر بها النظام الحالي، والذي لا يبدو أنه مسيطر بأي حال على مؤسساته وأجهزته الأمنية التي تفيد مؤشرات كثيرة بأنها ليست على درجة عاليةٍ من التفاهم والوئام. والأدلة على ذلك كثيرة، ليس أقلها التسريبات التي خرجت، قبل أيام، لمحادثات واجتماعات لقيادات عسكرية كبيرة، تثير شكوكاً كثيرة بشأن الأطراف التي تقف خلف التسريب ومصلحتها من ذلك.
وقد وصلت عمليات الاغتيالات السياسية، سواء الناجحة أو الفاشلة، إلى مستوى مقلق خلال الشهور القليلة الماضية، سواء العملية التي قُتل فيها النائب العام المصري السابق، هشام بركات، ولم يتم العثور علي منفذي العملية الحقيقيين حتى الآن، أو محاولة اغتيال النائب العام المساعد، المستشار زكريا عبد العزيز قبل أسابيع، انتهاءً بما حدث، أخيراً، مع العميد رجائي. كما كانت هناك عمليات أخرى، أشهرها ما حدث مع المقدم محمد مبروك أبو خطاب الذي تم اغتياله، باستهدافه عن طريق إطلاق الرصاص عليه من أسلحة نارية في أثناء قيادته سيارته الخاصة أمام مول “السراج” في حي مدينة نصر، ما أدى إلى مقتله فوراً. وكذلك عملية اغتيال الضابط محمد أبوشقرة الذي كان يعمل في قوة مكافحة الإرهاب الدولي في جهاز الأمن الوطني في شمال سيناء، لقي مصرعه إثر إطلاق النار عليه من مسلحين في أثناء قيادته سيارته في أحد الشوارع الرئيسية في مدينة العريش، وذلك في يونيو/ حزيران 2013.
ولا يبدو أن السلطة الحالية قادرة على وقف عملية الاغتيالات التي تجري كل فترة، وذلك بافتراض أنها بعيدة عنها، وغير متورّطة فيها مثلما يدّعي بعضهم. وهو ما يكشف الفشل الذريع لهذه السلطة، ليس فقط في محاربة التنظيمات والجماعات المسلحة، بافتراض تورطها في هذه الاغتيالات، وإنما في حماية كبار مسؤوليها من القتل والاغتيال.
ولعل ما يقلق في مسألة الاغتيالات هو صمت الحكومة عليها باعتبارها أمراً عادياً، وهو ما يبدو واضحاً من رد فعل الحكومة التي يبدو أنها لم تكترث أو تتوقف عند دلالات اغتيال العميد رجائي أمام منزله في مدينة العبور القريبة من مدينة القاهرة في وضح النهار. ولا ندري هل فتحت الحكومة تحقيقاً جاداً في هذه المسألة أم تجاهلتها، لكي لا تفتح على نفسها باباً كبيراً من الأسئلة.
ويظل الأسوأ هو متاجرة الجنرال عبد الفتاح السيسي بمسألة الاغتيالات، واتخاذها ذريعة لتبرير سياساته القمعية، واستمرار قبضته الحديدية تجاه كل المعارضين سياسياً، فالرجل يستغل كل حادثةٍ إرهابيةٍ، من أجل تصدير مقولته التي تقوم على مبدأ “إما أنا أو الفوضى”، من دون أن يدري أنه هو السبب الرئيسي لهذه الفوضى، وأن فشل سياساته هو الذي أوصل البلاد إلى ما هي عليه الآن.
أضف تعليقك