منذ ثانية واحدة
العقل الثوري المأزوم، هو الذي جعل من "صراع الأجهزة" في مصر، صراعا على السلطة، وليس على النفوذ!
فالصراع بين الأجهزة الأمنية، ليس على من يحكم مصر، ولكن على من يكون له النفوذ على الأرض ليخدم من يحكم مصر، بيد أن العقل المأزوم ذهب بعيداً إلى حد اعتبار أن جهاز ما هو الأكثر انحيازاً للثورة، والبعض انطلق به الخيال إلى حد الظن أن أحد هذه الأجهزة مع الشرعية، وإن لم ينجح في إعادة الرئيس المنتخب للحكم، فلن تقر له عين، إلا بالإطاحة بعبد الفتاح السيسي!
هذا الخيال قديم، لكنه سقط بقيام الثورة، باصطدامه بأرض الواقع، فقد كنا نعتقد أنه رغم التخريب الذي يقوم به نظام مبارك، فإن هناك من الأجهزة من لن يسمح بسقوط مصر تماما، وسيتدخل في الوقت المناسب ليضرب سلطة التخريب في البلاد بيد من حديد. وفي الواقع أننا كنا نعتقد أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لن يسمح بأن يصل التخريب لحد معين، وقد تم الترويج على نطاق واسع لواقعة غير صحيحة، وهى أن مجلس الوزراء في عهد مبارك كان يناقش بيع بنك القاهرة، لكن المشير طنطاوي وزير الدفاع، ضرب بيده على طاولة الاجتماع وهو يهتف: كفى، فأرتج على المجتمعين، وعندما فاقوا من هول الهتاف المصحوب بالضرب على الطاولة، انتقلوا لجدول الأعمال!
وكان سؤالنا حينئذ: ولماذا لم يضرب هذه الضربة ويهتف هذا الهتاف، عندما بيع القطاع العام "بتراب الفلوس"، وعندما باع مبارك بنك الإسكندرية وكان في بيعه من الزاهدين، فلم تكن هناك حاجة اقتصادية لذلك!
العجز عن الفعل هو الذي أوهم البعض أن هناك عينا ساهرة تحمي الأمن القومي المصري، ومهما كان حجم المؤامرة فإن هناك من سيتدخل في الوقت المناسب، ليمنع مبارك من أن يورد البلاد مورد التهلكة. وهذه النظرة هي المسؤولة عن عملية تقديس المجلس الأعلى للقوات المسلحة والنظر إليه باعتباره يقود الجيش المقدس، وعندما جاءت المدرعات في ليلة 28 يناير 2011 أخذناها بالأحضان، وعندما تنحى مبارك وسلم السلطة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، اعتبرنا هذا إنجازاً ثورياً بامتياز، قام به الثائر محمد حسني مبارك!
أحد الأصدقاء الذين ينتمون للتيار الإسلامي أخبرني أنه استقبل في غربته بعد الثورة أحد رموز العمل الإسلامي، والذي أخبره بثقة أن خمسة من بين أعضاء المجلس العسكري ينتمون للمشروع الإسلامي، ويتبنون الفكرة الإسلامية، وأوشك أن يقول.. إنهم يحلمون بعودة الخلافة!
الجيش المصري ليس مؤسسة مستقلة، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة لم يأت بالانتخابات، ليكون مستقلاً في قراره وإرادته عن رئيس الدولة، فهو جزء من السلطة التنفيذية التي يترأسها وزير الدفاع، الذي هو في النهاية معين من قبل الرئيس، والذي بجرة قلم أقال أبو غزالة، وهو أعظم مكانة من كل وزراء الدفاع الذين جاءوا من بعده، وأعز نفرا، كما أن كل أعضاء المجلس العسكري هم من الاختيار الحر المباشر لحسني مبارك، وفق قواعده هو في الاختيار والترقي، وكانت التقارير المعتمدة لديه هى التي تكتبها في العنصر العسكري مباحث أمن الدولة، وهذا هو بيت القصيد!
فبهزيمة جهاز الشرطة في ليلة جمعة الغضب (28 يناير 2011)، انتهى دور هذا الجهاز في الحكم، وكان صاحب القول الفصل، والكلمة التي لا ترد، والنفوذ العابر للأجهزة، وإذ كان المعارضون قد مسهم قرح منه، فقد مس الأجهزة الأخرى قرح مثله، يكفي أن نعلم أن هواتف أعضاء المجلس الأعلى كانت تحت مراقبتهم بأمر من مبارك، وكانوا يعلمون ذلك، ولهذا فإن فتح مقار أمن الدولة، كان قرار من العسكر، للانتقام، وتم استدعاء الثوار، ليمثلوا غطاء ثورياً في معركة الأجهزة!
كنتُ في وسط القاهرة عندما علمت بمداهمة مقار الجهاز في مدينة نصر، والسادس من أكتوبر، وإذ ذهبت إلى المقر التاريخي للجهاز في لاظوغلي، فوجدت المبنى تحت حماية دبابات الجيش، واقترب مجموعة من الصبية منه، فلم يكن الأمر يستلزم سوى أن يشير لهم الجنود بالذهاب بعيداً فيذهبوا بدون عودة، مع أن هذا المقر بالذات له رمزية لا تتوفر في أي من المقار الأخرى على مستوى الجمهورية!
لقد حمل الحكام الجدد الملفات المهمة، وتعاملوا معها على أنها غنيمة حرب، وبدت حالة الانتقام من ضباط الجهاز لا تخطئها عين، ومثلي لا يجد مبرراً لما رواه لي صديق ذهب إلى مقر الجهاز بالسادس من أكتوبر، ليحصل على ملفه (استجابة للنداء الذي أعلن: تعالي خد ملفك)، من عملية تكدير ضابط أمن الدولة (أ، س) على يد زميل له بالجيش، عندما أمره بصوت شق عنان السماء: "ازحف"، فانصاع للأمر العسكري، ولم يكن في حالة مقاومة أو رفض لهذه الغزوة ليحمل على هذه المهانة، وقد جرى التعامل مع هذه العقوبة على أنها دليل على أن الجيش قد حمى الثورة فعلاً، ولم نكن نعلم أن النفوس معبأة، وأن ساعة الانتقام قد حانت، وأن الثورة في هذه الليلة ليست سوى غطاء لصراع الأجهزة!
وهذا الصراع وإن ظل مكتوما في عهد مبارك، فهو الذي يحدد الاختصاص، وهو الذي يصطفي ويختار، فإنه كشف عن نفسه بقيام الثورة، وتقدم عبد الفتاح السيسي بجهازه لوراثة دور أمن الدولة متخطياً بذلك الرقاب، وكان صراع بينه وبين عمر سليمان وجهاز المخابرات العامة الذي صار زعيمه ريشة في مهب الريح بعد تنحي مبارك، ولم تكن العلاقة بينه وبين المشير طنطاوي على ما يرام، وكانت هذه فلسفة مبارك في الحكم، فلا بد من تبادل الكراهية بين أركان حكمه، فيتصور طنطاوي العمى ولا يتصور عمر سليمان، ويكره سامي عنان طنطاوي كراهية التحريم!
وفي لحظة الصراع الأولى، استفاد جهاز المخابرات الحربية، من أن مديره هو الابن المدلل للمشير محمد حسين طنطاوي، كما أنه بحكم كونه عضواً بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة فقد كان حضوره واضحاً، سواء وهو يتزعم محاولة لإخلاء ميدان التحرير في عهد لمبارك، أو في دوره في فيلم الجيش الذي حمى الثورة، عندما صار سلطة حكم، ثم اكتمل نفوذه بتنصيبه وزيراً للدفاع في عهد الرئيس محمد مرسي، وقيادته للمشهد برمته بعد انقلاب (3 يوليو 2013)!
وعندما يقوم السيسي بين الحين والآخر، بإقالة قيادات في المخابرات العامة، فإن هذا يأتي في ضوء هذا الصراع على وراثة نفوذ جهاز مباحث أمن الدولة، وهو ينحاز لجهازه، وكما لو كان لا يزال مديراً للمخابرات الحربية، فضلاً عن أن المخابرات العامة ورثة حالة الكراهية التي حكمت علاقة عمرو سليمان وحسين طنطاوي، والجهاز ليس من مكونات الجيش، ولكنه يخضع مباشرة لرئيس الجمهورية!
وهذا التدخل من قبل السيسي لتصفية جهاز المخابرات ليس لأنه ضبط بداخله خلايا نائمة مؤيدة للشرعية، أو منحازة للثورة، وإلا كنا سمعنا عن محاكمات لهذه القيادات وليس الاكتفاء بالإحالة للتقاعد!
البعض معذور عندما يعتقد أن الصراع بين الأجهزة الأمنية هو صراع على الحكم، فالجائع يحلم بسوق الخبز، وقد تحولت مقولة "صراع الأجهزة" إلى أفيون للثوار، فهناك من ينتظر أن تتم إزاحة السيسي بانقلاب مخابراتي!
إنهم النموذج للكفاح الفاشل!
فالصراع بين الأجهزة الأمنية، ليس على من يحكم مصر، ولكن على من يكون له النفوذ على الأرض ليخدم من يحكم مصر، بيد أن العقل المأزوم ذهب بعيداً إلى حد اعتبار أن جهاز ما هو الأكثر انحيازاً للثورة، والبعض انطلق به الخيال إلى حد الظن أن أحد هذه الأجهزة مع الشرعية، وإن لم ينجح في إعادة الرئيس المنتخب للحكم، فلن تقر له عين، إلا بالإطاحة بعبد الفتاح السيسي!
هذا الخيال قديم، لكنه سقط بقيام الثورة، باصطدامه بأرض الواقع، فقد كنا نعتقد أنه رغم التخريب الذي يقوم به نظام مبارك، فإن هناك من الأجهزة من لن يسمح بسقوط مصر تماما، وسيتدخل في الوقت المناسب ليضرب سلطة التخريب في البلاد بيد من حديد. وفي الواقع أننا كنا نعتقد أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لن يسمح بأن يصل التخريب لحد معين، وقد تم الترويج على نطاق واسع لواقعة غير صحيحة، وهى أن مجلس الوزراء في عهد مبارك كان يناقش بيع بنك القاهرة، لكن المشير طنطاوي وزير الدفاع، ضرب بيده على طاولة الاجتماع وهو يهتف: كفى، فأرتج على المجتمعين، وعندما فاقوا من هول الهتاف المصحوب بالضرب على الطاولة، انتقلوا لجدول الأعمال!
وكان سؤالنا حينئذ: ولماذا لم يضرب هذه الضربة ويهتف هذا الهتاف، عندما بيع القطاع العام "بتراب الفلوس"، وعندما باع مبارك بنك الإسكندرية وكان في بيعه من الزاهدين، فلم تكن هناك حاجة اقتصادية لذلك!
العجز عن الفعل هو الذي أوهم البعض أن هناك عينا ساهرة تحمي الأمن القومي المصري، ومهما كان حجم المؤامرة فإن هناك من سيتدخل في الوقت المناسب، ليمنع مبارك من أن يورد البلاد مورد التهلكة. وهذه النظرة هي المسؤولة عن عملية تقديس المجلس الأعلى للقوات المسلحة والنظر إليه باعتباره يقود الجيش المقدس، وعندما جاءت المدرعات في ليلة 28 يناير 2011 أخذناها بالأحضان، وعندما تنحى مبارك وسلم السلطة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، اعتبرنا هذا إنجازاً ثورياً بامتياز، قام به الثائر محمد حسني مبارك!
أحد الأصدقاء الذين ينتمون للتيار الإسلامي أخبرني أنه استقبل في غربته بعد الثورة أحد رموز العمل الإسلامي، والذي أخبره بثقة أن خمسة من بين أعضاء المجلس العسكري ينتمون للمشروع الإسلامي، ويتبنون الفكرة الإسلامية، وأوشك أن يقول.. إنهم يحلمون بعودة الخلافة!
الجيش المصري ليس مؤسسة مستقلة، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة لم يأت بالانتخابات، ليكون مستقلاً في قراره وإرادته عن رئيس الدولة، فهو جزء من السلطة التنفيذية التي يترأسها وزير الدفاع، الذي هو في النهاية معين من قبل الرئيس، والذي بجرة قلم أقال أبو غزالة، وهو أعظم مكانة من كل وزراء الدفاع الذين جاءوا من بعده، وأعز نفرا، كما أن كل أعضاء المجلس العسكري هم من الاختيار الحر المباشر لحسني مبارك، وفق قواعده هو في الاختيار والترقي، وكانت التقارير المعتمدة لديه هى التي تكتبها في العنصر العسكري مباحث أمن الدولة، وهذا هو بيت القصيد!
فبهزيمة جهاز الشرطة في ليلة جمعة الغضب (28 يناير 2011)، انتهى دور هذا الجهاز في الحكم، وكان صاحب القول الفصل، والكلمة التي لا ترد، والنفوذ العابر للأجهزة، وإذ كان المعارضون قد مسهم قرح منه، فقد مس الأجهزة الأخرى قرح مثله، يكفي أن نعلم أن هواتف أعضاء المجلس الأعلى كانت تحت مراقبتهم بأمر من مبارك، وكانوا يعلمون ذلك، ولهذا فإن فتح مقار أمن الدولة، كان قرار من العسكر، للانتقام، وتم استدعاء الثوار، ليمثلوا غطاء ثورياً في معركة الأجهزة!
كنتُ في وسط القاهرة عندما علمت بمداهمة مقار الجهاز في مدينة نصر، والسادس من أكتوبر، وإذ ذهبت إلى المقر التاريخي للجهاز في لاظوغلي، فوجدت المبنى تحت حماية دبابات الجيش، واقترب مجموعة من الصبية منه، فلم يكن الأمر يستلزم سوى أن يشير لهم الجنود بالذهاب بعيداً فيذهبوا بدون عودة، مع أن هذا المقر بالذات له رمزية لا تتوفر في أي من المقار الأخرى على مستوى الجمهورية!
لقد حمل الحكام الجدد الملفات المهمة، وتعاملوا معها على أنها غنيمة حرب، وبدت حالة الانتقام من ضباط الجهاز لا تخطئها عين، ومثلي لا يجد مبرراً لما رواه لي صديق ذهب إلى مقر الجهاز بالسادس من أكتوبر، ليحصل على ملفه (استجابة للنداء الذي أعلن: تعالي خد ملفك)، من عملية تكدير ضابط أمن الدولة (أ، س) على يد زميل له بالجيش، عندما أمره بصوت شق عنان السماء: "ازحف"، فانصاع للأمر العسكري، ولم يكن في حالة مقاومة أو رفض لهذه الغزوة ليحمل على هذه المهانة، وقد جرى التعامل مع هذه العقوبة على أنها دليل على أن الجيش قد حمى الثورة فعلاً، ولم نكن نعلم أن النفوس معبأة، وأن ساعة الانتقام قد حانت، وأن الثورة في هذه الليلة ليست سوى غطاء لصراع الأجهزة!
وهذا الصراع وإن ظل مكتوما في عهد مبارك، فهو الذي يحدد الاختصاص، وهو الذي يصطفي ويختار، فإنه كشف عن نفسه بقيام الثورة، وتقدم عبد الفتاح السيسي بجهازه لوراثة دور أمن الدولة متخطياً بذلك الرقاب، وكان صراع بينه وبين عمر سليمان وجهاز المخابرات العامة الذي صار زعيمه ريشة في مهب الريح بعد تنحي مبارك، ولم تكن العلاقة بينه وبين المشير طنطاوي على ما يرام، وكانت هذه فلسفة مبارك في الحكم، فلا بد من تبادل الكراهية بين أركان حكمه، فيتصور طنطاوي العمى ولا يتصور عمر سليمان، ويكره سامي عنان طنطاوي كراهية التحريم!
وفي لحظة الصراع الأولى، استفاد جهاز المخابرات الحربية، من أن مديره هو الابن المدلل للمشير محمد حسين طنطاوي، كما أنه بحكم كونه عضواً بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة فقد كان حضوره واضحاً، سواء وهو يتزعم محاولة لإخلاء ميدان التحرير في عهد لمبارك، أو في دوره في فيلم الجيش الذي حمى الثورة، عندما صار سلطة حكم، ثم اكتمل نفوذه بتنصيبه وزيراً للدفاع في عهد الرئيس محمد مرسي، وقيادته للمشهد برمته بعد انقلاب (3 يوليو 2013)!
وعندما يقوم السيسي بين الحين والآخر، بإقالة قيادات في المخابرات العامة، فإن هذا يأتي في ضوء هذا الصراع على وراثة نفوذ جهاز مباحث أمن الدولة، وهو ينحاز لجهازه، وكما لو كان لا يزال مديراً للمخابرات الحربية، فضلاً عن أن المخابرات العامة ورثة حالة الكراهية التي حكمت علاقة عمرو سليمان وحسين طنطاوي، والجهاز ليس من مكونات الجيش، ولكنه يخضع مباشرة لرئيس الجمهورية!
وهذا التدخل من قبل السيسي لتصفية جهاز المخابرات ليس لأنه ضبط بداخله خلايا نائمة مؤيدة للشرعية، أو منحازة للثورة، وإلا كنا سمعنا عن محاكمات لهذه القيادات وليس الاكتفاء بالإحالة للتقاعد!
البعض معذور عندما يعتقد أن الصراع بين الأجهزة الأمنية هو صراع على الحكم، فالجائع يحلم بسوق الخبز، وقد تحولت مقولة "صراع الأجهزة" إلى أفيون للثوار، فهناك من ينتظر أن تتم إزاحة السيسي بانقلاب مخابراتي!
إنهم النموذج للكفاح الفاشل!
أضف تعليقك