باتت مصر البلد الأشهر في القتل خارج القانون، والمسألة هنا لا تحتاج إلى أدلة.. فعندما وُجد طالب الدكتوراه الإيطالي مقتولا وملقى على جانب إحدى الطرق خارج القاهرة، وعليه آثار تعذيب مروعة، لم يجد الإيطاليون مشقة في تعزيز شكوكهم في الرواية المصرية.. فقد تطوع المصريون في تقديم كل ما يثبت بأنه ربما تورط في قتله مسؤولون أمنيون (فالروايات المصرية كانت مضحكة وساذجة، وثبت كذبها في كل مرة).. ولم تخلُ من أساليب تشير إلى الرغبة في "الطرمخة"، وبالطريقة المتبعة ذاتها في حال كان الضحية مواطنا مصريا.
أمس الأول 3/10/2016، قالت الداخلية -بحسب اليوم السابع الساعة العاشرة مساء- إنها ألقت القبض على القيادي الإخواني محمد كمال، وآخر يدعى ياسر شحاتة.. بعدها بساعتين وعشرين دقيقة، قالت الداخلية -وبحسب "اليوم السابع" أيضا- إن القيادي الإخواني و"حارسه" قُتلا في اشتباك مع الشرطة! وينبغي الإشارة إلى أن "اليوم السابع" باتت مع "أبو هشيمة" تحظى بثقة المؤسسة الأمنية المصرية، ولا يمكن أن تنشر خبرا منسوبا إلى الداخلية، إلا إذا كان صحيحا مئة في المئة.. فكيف نفسر الروايتين المتناقضتين: مرة أُلقي القبض على القيادي الإخواني.. وبعدها بثلاث ساعات تقريبا، تعلن عن مقتله في اشتباك مع الشرطة.. وفي الصحيفة ذاتها التي هي محل احترام وتقدير كل الأجهزة الأمنية على اتساعها وتنوعها؟!
ما يريب في الأمر أن الداخلية وصفت القتيل بـ"مسؤول الجناح المسلح" للإخوان المسلمين، ما يحلنا إلى التساؤل: لمَ تكتمت الداخلية على هذا السر الخطير ولم تعلن من قبل أن للجماعة "جناحا مسلحا" وأن المسئول عنه محمد كمال؟! وكيف تركته كل هذه المدة يرتع بحرية بطول مصر وعرضها.. ما يجعل صفة "مسئول الجناح المسلح" تعبيرا اُستدعي على عجل لتبرير تصفيته ورفيقه خارج القانون.
نريد تفسيرا للروايتين المتناقضتين في اليوم السابع بشأن الحادث.. لأن هذه الواقعة ليست الأولى، فقد تكررت عدة مرات، حيث أُثيرت "شبهات" حول حوادث مشابهة، تشكك في روايات الشرطة، ولم تراجع سلطات التحقيق الشكوك والروايات التي قالت إنهم كانوا في حوزة الشرطة، ثم تم تصفيتهم فيما بعد.
هذه الحوادث.. بالتراكم قد تترك انطباعا، بأن ثمة سياسة رسمية ممنهجة، لتصفية المواطنين على "الهوية السياسية" وتقسيمهم إلى فئات: منهم من يستحق القتل، ومنهم من يكفيه الحبس، ومنهم من يستحق فقط الخوض في عرضه والإساءة إليه على منصات فضائيات رجال أعمال فاسدين.. يرفلون في نعيم الدولة ويتفيؤون حمايتها.
وفي المحصلة، يتولد إحساس طاغ بأننا لسنا لا في دولة ولا شبه دولة.. لأنه عندما لا يتحكم القانون في السلاح الميري، فأنت إذن أمام مليشيا وليست شرطة.. وتتقدم خطوة بعد أخرى، صوب احتمال الانزلاق إلى النموذجين السوري والعراقي.
أضف تعليقك