يعتبر العرب من المؤسسين الأوائل للعلوم السياسية ونظم الحكم؛ حيث كونوا إمبراطورية كبيرة، تمتد من الأندلس وشواطئ المحيط الأطلنطي غربًا إلى الهند شرقًا، ومن بلاد القوقاز شمالاً إلى وسط إفريقيا جنوبًا، ومن أهم أدوات الحكم والسياسة التي ابتكرها العرب سياسة "العصى والجزرة"، وجوهر هذه السياسة هو أنك إذا أردت أن تروض الحصان أو تربى ابنك أو تسيطر على الشعب فيجب أن تستخدم الجزرة في الأوقات المناسبة وإذا فشلت الجزرة يمكنك استخدام العصا.
وقيل إن كلمة "سياسة أتت من ساس يسوس فهو سائس"، وتطلق على مروض الحصان، فالسائس يستخدم سياسة الثواب والعقاب حتى يطوع الحصان ويركبه ويكسب به السباق، فكلما كان الحصان أو ابنك أو شعبك متعاونا وينفذ الأوامر وينجز الأعمال التي تطلب منه فكافأه بالجزر أو الهدايا أو العطايا، أما إذا كان مقصرًا أو عاصيًا أو مارقًا فيمكن أن تستخدم العصا، ولا يمكن أن تستخدم العصا دائما أو الجزر دائمًا؛ لأن إستخدام الجزر دائما سيفسد ابنك أو زوجتك أو الرعية، وبالمثل.. لو استخدمت العصا دائما ستفقد ولدك أو تفسد زوجتك أو سيثور عليك شعبك ويصبحوا إرهابيين كما يسميهم أحفاد الاحتلال.. فلا بد أن توازن بين الاثنين.
حتى رمسيس الثانى استخدم ما يشبه العصا والجزرة؛ حيث كان يقدم منحًا دراسية لأبناء القبائل التي تغير على حدود مصر حتى تتوقف عن مهاجمة أطراف الدولة، فطالما أن أبناءهم فى العاصمة لن يجرؤا على الإغارة على الحدود، فتكلفة تعليم أبنائهم أقل من تكلفة محاربتهم وهذه هى السياسة.
السيسى يستخدم الجزر مع إسرائيل وإثيوبيا واليونان وفرنسا وروسيا وألمانيا (في شكل صفقات أسلحة ضخمة) والقضاة والجيش والشرطة والإعلام (في صورة زيادة مرتبات وحوافز) ولم يستخدم العصا حتى مع الفاسدين منهم والمجرمين الذين ينهبون المال العام، ومثال على ذلك وزير التموين السابق الذى نهب المليارت من صفقات القمح واكتفى النظام فقط بإقالته.
حتى سياسة التصالح مع الفسدة التي طبقها السيسى مع أركان نظام مبارك على أن يردوا بعض ما سرقوه من الدولة لم تطبق على وزير التموين المخلوع.
وعلى الجانب الآخر يستخدم العصا فقط مع الشعب ولا يوجد أمال أنه سيقدم لهم الجزر في يوم ما، الشعب المصرى يحتاج إلى مزيد من الجزر وقليل من العصا، فالعصى لا تؤتى أكلها مع مريض أو جائع، مع العلم أن 45 في المئة من الشعب مريض بأمراض مزمنة، و43 في مئة منه يقع تحت خط الفقر.. كما أن تكلفة الجزرة أقل بكثير من تكلفة العصا.
نقصد بالعصا السلاح الذى يستورد بالدولار من الخارج السجون التي بناها السيسى والغاز المسيل للدموع والعربات المصفحة التي اشتراها من الخارج، الجزرة التي يحتاج إليها الشعب هى عبارة عن تعليم أفضل ورعاية صحية ودعم الوقود ودعم المواد التموينية واستصلاح أراضي وتوفير فرص عمل وتشجيع الصناعات الصغيرة، من الواضح أن العصا تنتج محلياً ولا تستنزف العملة الصعبة وثمنها ينفق في الداخل وليس الخارج بعكس العصا.
تخيلوا لو الأموال التى أنفقت على السجون والسلاح والمعتقلين تم إنفاقها على التنمية!! توفير 3 وجبات لـ60 ألف معتقل يكلف الدولة 300 ألف جنيه فى اليوم الواحد على أساس 10 جنيه لكل 3 وجبات، كما اشترى أسلحة بنحو 100 مليار جنيه وأهدر 65 مليار جنيه في الحفر على الناشف واشترى مؤخرًا 4 طائرات رئاسية بـ4 مليارات جنيه، وبنى عشرات السجون التي كلفت المليارات، هذه هي تكاليف العصا التي يستخدمها مع الشعب.
لو استخدمت هذه الأموال في تعمير الصحراء وبناء جامعات ومستشفيات ومدن صناعية وتجارية وأودية تكنولوجيا لأصبحنا على خطى الدول العظمى الآن.. الكارثة أنه يستخدم العصا مع الشعب ويفرض عليه إتاوات لتمويل الجزر الذى يوزعه على الجيش والشرطة والقضاة وصفقات الأسلحة وبناء السجون وطائراته الرئاسية، فقد فرض 15 جنيها على المواطنين لمصلحة صندوق الرعاية الصحية للقضاة ونحو 200 جنيه على العاملين في الخارج لمصلحة ضباط الشرطة وأسرهم.
كما أن معونات أمريكا للعسكر هي عبارة عن عصى وليس جزر، فأمريكا تقدم للجيش السلاح والتدريب ولا تقدم التكنولوجيا ولا العلم ولا التجارة ولا الاستثمار ولا تدعم السياحة التي يستفيد منها الشعب، أمريكا تقدم للعسكر مليار وثلاثمئة مليون دولار كل عام منذ توقيع إتفاقة السلام مع إسرائيل وتخيل لو كانت هذه الأموال موجهة لمشاريع تنموية.
أضف تعليقك