مر خمسون عاما على استشهاد الأستاذ سيد قطب رحمه الله، الذي نفذ فيه حكم الإعدام في التاسع والعشرين من أغسطس سنة 1966م، وللأسف ما تم نشره من تراث الأستاذ سيد بداية من (في ظلال القرآن)، وانتهاء بكتيباته الصغيرة: (هذا الدين) و(المستقبل لهذا الدين)، يمثل نسبة عشرة أو عشرين بالمائة على الأكثر مما ترك الشهيد من تراث فكري وأدبي، رغم مرور (110) أعوام على ميلاده، و(50) عاما على استشهاده، إلا أن تراثه لم يلق اهتماما لائقا من حيث جمعه، وإخراجه إخراجا علميا يليق بمكانته، تحت باب: (الأعمال الكاملة للشهيد سيد قطب).
وآفة إهمال تراث المفكرين والعباقرة الإسلاميين، آفة كبرى لدى الإسلاميين، فترى التيارات الأخرى تجعل هالة من التقديس حول مفكريها، بينما نحن نتعمد غمط العالم والمفكر حقه، حتى يموت، وقتها نترحم عليه، ونتحسر على علمه وفكره، وهو ما حدث مع قامات كبرى، وعلى رأسها: حسن البنا وسيد قطب، لقد قام الشيوعيون بجمع مقالات لينين في المنفى، وجمعت في حوالي عشرة مجلدات، ولولا جهد فردي من الدكتور محمد عمارة في جمع الأعمال الكاملة لمفكرين في مصر والعالم الإسلامي، من أمثال: محمد عبده، ورفاعة الطهطاوي، وقاسم أمين، والكواكبي، وجمال الدين الأفغاني، لضاع هذا التراث.
وكنت قد نشطت في فترة لجمع تراث الإخوان المسلمين، وخاصة الرمزين الكبيرين: حسن البنا، وسيد قطب، رحمهما الله، وقد قمت بجمع جل مجلات الإخوان المسلمين، ووضعتها في ملفات بعد عمل اسكنر لها، لتكون صورة من الأصل، واكتشفت كما هائلا من تراث الرجلين العظيمين، للأسف لم يهتم وقتها أحد لإخراجه إخراجا علميا لائقا بهما، فجمعت أكثر من عشرين ألف صفحة، والعجيب أني وجدت أفكارا تنويرية إسلامية رائعة لكثير من رموز العمل الإسلامي، ولكنها للأسف غير معلومة، وغير منشورة، أو متاحة للقراء.
ووجدت أن أكثر من لهما تراث غير مجموع، هما الشهيدان: حسن البنا وسيد قطب، كان ذلك من عام 1995م، وحتى عام 1998م وسافرت بعدها في العام نفسه إلى قطر للعمل سكرتيرا خاصا للشيخ القرضاوي، وعرضت عليه بعض هذه الأعمال مجموعة ومحققة، فأثنى عليها، مع إبداء ملاحظات علمية مهمة روعيت فيما بعد، وقد كان وقتها في قطر المرحوم الأستاذ محمد قطب رحمه الله، شقيق الأستاذ سيد قطب، وكنت قد جمعت له مئات المقالات التي لم تجمع في كتب الأستاذ سيد، وكان وقتها محمد أستاذا زائرا في كلية الشريعة جامعة قطر لعام واحد، ولقيته في مكتبه، وتناولنا أمرين مهمين بالنسبة للشهيد سيد قطب، الأمر الأول: قضية التكفير التي تنسب إليه، ورويت له شهادة قالها لي مسجون جنائي مع الأستاذ سيد، وقد عرضتها في مقال من قبل على موقع "عربي21"، والأمر الآخر: طلب استئذانه في السماح لي بنشر تراث الأستاذ سيد الذي لم يجمع من قبل، وعرضت عليه ما قمت به في تراث الإمام البنا، ولكن الأستاذ محمد رفض، ولما سألته عن سبب رفضه، قال لي: سيد قطب جمع ما أراد جمعه من فكره، وما لم يجمعه فهذا معناه أن لا يرغب في إخراجه.
فقلت للأستاذ محمد قطب رحمه الله: لكن كتاب الأستاذ سيد (دراسات إسلامية)، هي مقالات له كتبها في عدة مجلات، وتحديدا في ثلاث مجلات: الرسالة، والكتاب، والدعوة، وله مقالات أخرى، في الخط الفكري نفسه له، وفي المجلات نفسها، ولا أعتقد أن ذلك مبني على رؤية عنده للرفض، لأن المفكر غالبا لا يتفرغ لجمع تراثه، بل غالبا ما يقوم غيره به، ولا أعلم في الكُتَّاب أحدا جمع تراثه، إلا العلامة الراحل محمد الغزالي، فمعظم كتبه مقالات يجمعها ليصنع منها كتابا، والعلامة الأديب الأستاذ علي الطنطاوي، ومع ذلك فقد فاتهما عشرات المقالات من تراثهما لم يجمع.
أحسست أن الأستاذ محمد يخشى من مقالات معينة، وقد كانت قامت وقتها موجة عاتية تهاجم الشهيد سيد في العقيدة، من بعض سلفيي الخليج، وخاصة المداخلة، وبعض سلفيات أسميها: السلفية المخابراتية، وخاصة مقال الأستاذ سيد التي دعا فيها للعري على الشواطئ، وهي مقالة لها قصة مهمة مع الإمام حسن البنا، لعلنا نتناولها في مقال مستقل، فقلت له: يا أستاذنا، إذا كنت تخشى من مقال: (الشواطئ الميتة)، فسيكون بعدها مقالات أخرى للأستاذ سيد تبين عدوله عن هذا الرأي، ولكن محاولاتي كانت بلا فائدة مع أستاذنا محمد قطب رحمه الله، ووقتها قال لي أحد أساتذتي احتفظ بما لديك، فلعل الزمن يتغير، ولا تفرط فيه، وعلمت ببعض إخواني من أهل البحث، قد قاموا بالجمع، لكن أيضا بلا نشر، أو خطة علمية عملية تخرج هذه الكنوز من روائع سيد قطب، فكثير من هذا التراث كفيل بالرد على ما يثار حول عملاق الفكر الإسلامي، وهذا ما نتمنى أن يقيض الله عز وجل له من يخرجه.
أضف تعليقك