الذين يصدقون أن العسكر يتركون الحكم لرغبات شعوبهم مخطئون، والذين يصدقون أن القاتل الخائن سوف يتنحى إن شعر أن الشعب قد ملّ منه مخطئون كذلك؛ لأن الشيطان لا يقول الصدق، ولا يسعى -أبدًا- لمصالح الناس، بل يكافح من أجل إتعاسهم وشقاوتهم.
والتاريخ خير شاهد على غباء تلك الفئة من البشر، الذين لا يملكون شيئًا سوى السلاح الثقيل الذى يحملونه، أما باقى المواهب والملكات التى للبشر فلا يعرفون عنها شيئًا، ولو كان لعسكرى واحد عقل ما سمعنا يومًا عن انقلاب، وما تدخلوا فى سياسة، بل لأنهم طائشون بلا عقول فقد جرى على أيديهم، فى شرق الدنيا وغربها، ما جرى من تدمير للبلاد وقتل للشعوب وتحطيم لكل أدوات الحرية والتقدم.
عندما يتحدث ذلك التافه المضطرب عن عدم ترشحه لفترة أخرى، فإنه لا يقول الحقيقة، بل يكذب ويخادع، كما فعلها عشرات المرات من قبل؛ استخفافًا بالشعب ولعبًا به، وهذا وأضرابه لن يعفيهم من الحكم إلا الموت، عرضًا أو قتلاً، فهم على استعداد لقتل الشعب من أجل البقاء فى المنصب، ويعتبرون من ينازعهم ملكهم محاربًا باغيًا ليس له جزاء إلا القتل، لا يؤمنون بشورى ولا ديمقراطية ولا حرية، ولا يعرفون شيئًا اسمه الإنسانية، بل غلبت عليهم شقوتهم فصاروا آلة الشيطان فى حصد الأرواح وشقاء النفوس.
ومشكلة إعلام اليوم أنه يجرى خلف التفاهات، ويرغى ويزبد، ويتابع ويحقق، لكنه لا يبحث فى لب المسألة وجوهر القضية، وهذا للأسف من مخلفات العسكر ونتاج حكمهم الأغبر، أقول ذلك بمناسبة هذا التصريح الذى أعلنه قائد الانقلاب الدموى وتلقفته الألسنة والأقلام وقد شرعوا فى التحليل والتفسير، وما وراء الخبر وما أمامه، وهذا كله يضيع الوقت ويستهلك التفكير، ومن المؤكد أنه وسيلة من وسائل الشئون المعنوية لشغل الرأى العام عن قضايا أكبر وكوارث أخطر، أما أنه حساس يشعر بنبض الشارع ومطالب الشعب، فهذا كمن قال إن إبليس قد سجد بعد امتناع، وأما أنه سوف يتنحى عن الحكم لأن هذه رغبة الشعب، فهذا كمن قال إن الشمس قد غربت فى المشرق، فلا هو حساس، ولا هو لديه أدنى رغبة فى التنحى، وإذا حصل -أى التنحى- فسوف يكون بعد إفناء البلاد وتقتيل العباد- لا سمح الله.
ما زلنا نذكر ما قاله هذا المضطرب من استحالة نزول الجيش إلى الشارع؛ لأنه -على حد قوله- آلة حرب، وقد نزل واستباح الدماء والأعراض والأموال، ومازلنا نذكر ما قاله من أنه لن يكون حكم عسكر -وأقسم على ذلك- وقد رأينا أن كل شىء قد تمت عسكرته، حتى بطاقات التموين، وكارتة الطرق، ومحلات الجزارة وصالات الأفراح، وما زلنا نذكر كذلك أنهم قالوا إنه لن يترشح للرئاسة، وقد رأينا ذلك اليوم المشئوم وقد أخرج زبانيته وأعوانه يرقصون أمام اللجان، وقد حفلت تلك الأحفال بالمومسات والمنفلتات والخارجين على القانون.. فهل نصدقه بعد ذلك؟ أبدًا والله.
لم نر حتى الآن عسكريًا واحدًا انقلب على اختيارات شعبه ثم ترك الحكم طواعية، بل رأيناهم قتلى مجندلين فى دمائهم، هذا بعد أن خربت بلادهم، ووطئها الفقر والمرض والتخلف، وإذا كان عالم الشمال قد حاز أعلى درجات التقدم والترقى فلأن بلاده لا تعرف هذا العار المسمى حكم العسكر، ولا تعرف هذه الانقلابات الكارثية المدمرة، ولا تعرف حكامًا على تلك الصورة من الجهل والرعونة والجنون، وعلى العكس فإن أمم الجنوب -التى نتبعها جغرافيًا- قد تقهقرت كثيرًا، وما زالت لا تعرف المدنية، ومازال بعض شعوبها يسكن الكهوف وينتقل بالدواب؛ هذا لأن عسكرهم اغتصبوا السلطة وقاتلوا من أجلها، وبدلا من الدفاع عن بلادهم وتطوير سبل هذا الدفاع، تحولوا إلى عصابات خطف وقنص، فصارت أحوال تلك البلاد كما نراها الآن، بؤسًا وضياعًا، رغم ما تملك من مواقع فريدة، وثروات وأراض وبحار وجبال.
لن يرحل العسكر إلا بالإكراه، بأن يخرج الشعب عن بكرة أبيه، وبكل فئاته، بحيث لا يتركون لهم مفرًا إلا الرحيل، وبحيث لا يكون أمامهم فرصة واحدة للبقاء، أقول خروج الشعب كله، كما خرج فى 28 يناير 2011؛ ففى هذا اليوم انكمش العسكر وصاروا كالعصفور المبتل، واستجابوا لمطالب الشعب فى تنحى كبيرهم، وفى فك الأغلال التى قيودنا بها لسنوات، فأسست الأحزاب، ودشنت الصحف والقنوات الفضائية، وعقدت الانتخابات النزيهة.. حتى التفوا على الشعب ثانية، وخدعوا قطاعًا كبيرًا منه، وعادوا لما كانوا عليه، بل أسوأ بكثير.
أضف تعليقك