يخطئ من يظن أن جماعة كولن ستعترف بالهزيمة لتتراجع عن خطة إسقاط الحكومة التركية المنتخبة، بعد فشل محاولة الانقلاب العسكري التي قامت بها مجموعة من الضباط الموالين للكيان الموازي، التنظيم السري للجماعة، لأن زعيمها فتح الله كولن، المقيم في مزرعة فاخرة بولاية بنسلفانيا الأمريكية لغته خالية من كلمة الاستسلام، وبالتالي سيواصل محاولاته بوسائل مختلفة حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة.
فتح الله كولن ما زال يدَّعي أن كل الأحداث التي شهدتها تركيا في الخامس عشر من الشهر الماضي ما هي إلا مسرحية، على الرغم من سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى، سواء من المدنيين أو من الجنود ورجال الشرطة، وعلى الرغم من اتفاق الحكومة والأحزاب المعارضة في استنكار ما جرى ووصفه بــ"محاولة الانقلاب". وما زال ينكر ارتباطه بالانقلابيين، ويدعو إلى إجراء تحقيق دولي لكشف ملابسات الأحداث، في محاولة لنقل القضية إلى تحكيم قوى داعمة لمحاولة الانقلاب إن لم تكن ضالعة فيها بشكل مباشر.
لم يعد الكيان الموازي اليوم قادرا على القيام بمحاولة انقلاب أخرى، بعد أن سطَّر الشعب التركي أروع أمثلة البطولات في مقاومة الانقلابيين وقدّمت الحكومة التركية خطوات عديدة لتطهير أجهزة الدولة من خلايا هذا التنظيم الإرهابي، إلا أن ذلك لا يعني أنه سيظل ساكنا بعد الآن ولن يقوم بأي مؤامرة تستهدف أمن تركيا واستقرارها.
موجة الاعتقالات التي جاءت بعد فشل محاولة الانقلاب طالت عددا كبيرا من أعضاء الكيان الموازي، إلا أن عددا غير قليل من أقطاب جماعة كولن نجحوا في الهروب إلى خارج تركيا، سواء قبيل الخامس عشر من تموز/يوليو أو بعده. ولجأ بعضهم إلى مصر ودول أفريقية وبعضهم إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ليواصلوا هناك أنشطتهم المعادية لتركيا ورئيسها وحكومتها وحتى شعبها.
زعيم الجماعة فتح الله كولن يسعى جاهدا للحيلولة دون تسليمه إلى تركيا التي تطلبه من أمريكا بإلحاح. وتقول الإدارة الأمريكية إنها ستدرس طلب أنقرة بشأن تسليم الرجل. ومهما زعمت واشنطن أن ملف إعادة كولن سيتم التعامل معه في إطار القوانين يعرف الجميع أن القضية سياسية، وأن هذا السؤال سيحدد مصير فتح الله كولن: "ألا يزال قادرا على خدمة مصالح الولايات المتحدة أم لا؟".
فتح الله كولن ما زال يدير عناصر الخلايا النائمة للكيان الموازي ورجال الجماعة الهاربين إلى خارج البلاد، ويبعث إليهم أوامره من مزرعته في ولاية بنسلفانيا الأمريكية من خلال رسائل مشفرة، ويجري بكل حرية اتصالات ومقابلات مع صحف وقنوات عالمية، على الرغم من قيام جماعته بمحاولة انقلاب دموية راح ضحيتها مئات القتلى والجرحى، ما يعني أن واشنطن ما زالت تعوِّل عليه وتراه أداة صالحة للاستخدام.
الحرب التي أعلنتها جماعة كولن ضد رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان لم تنتهِ بعد، وإن خسرت الجماعة معظم جولاتها حتى الآن. ومن المتوقع أن تركز الجماعة في الجولة القادمة على الحرب الإعلامية والدعاية السوداء لتشويه سمعة تركيا ورئيسها وإنهاك الحكومة التركية بموجة من التقارير الكاذبة. وهي تتمتع بخبرة واسعة في هذا المجال اكتسبتها خلال أربعة عقود.
كانت الجماعة تملك حتى وقت قريب وسائل إعلام مختلفة وأقلاما مأجورة في داخل تركيا، إلا أنها فقدت معظمها في الآونة الأخيرة، بعد أن قررت الحكومة التركية اجتثاث خلايا الكيان الموازي وإغلاق مؤسساته الاقتصادية والإعلامية، ولكن هناك عشرات الصحف والقنوات المعادية لتركيا في الدول الغربية والعربية مستعدة للتعاون مع الجماعة وتوفير جميع الخدمات الإعلامية لها مجانا للنيل من أردوغان. ولذلك لن يكون مفاجئا أن تقوم وسائل إعلام غربية وعربية في الأيام القادمة بحملة تشويه منظمة وبث تقارير كاذبة وتحليلات متحاملة تستهدف سمعة تركيا وتحاول إثارة الرأي العام العالمي ضدها.
أضف تعليقك