تحل اليوم الأحد، 14 أغسطس الذكرى الثالثة لمذبحة رابعة العدوية والنهضة، وهو اليوم الذي حفر في ذاكرة آلاف المصريين ممن فقدوا ذويهم عندما أقدمت قوات أمن الانقلاب على فض اعتصام سلمي، رفض الانقلاب على محمد مرسي كأول رئيس مدني منتخب للبلاد.
ففي الساعة السادسة والنصف صباحًا من هذا اليوم، قامت قوات الأمن والجيش مصحوبة بعدد كبير من الجرافات المجنزرة والآليات العسكرية المدرعة بالتوجه إلى ميدان رابعة العدوية وحاصرته من كافة الجهات، واعتلى القناصة أسطح البنايات المحيطة بالميدان، وأخذت الطائرات المروحية تطوف أعلى محيط الاعتصام، ثم بدأت الجرافات بالتقدم فتحرك المعتصمون وحاولوا إيقافها بوضع العوائق البسيطة أمامهم إلا أن قوات الجيش والشرطة أمطرتهم بطلقات الرصاص الحي والخرطوش والغاز المدمع بكثافة شديدة أوقعت الآلاف من القتلى والمصابين.
أشهر الشهداء :
أسماء البلتاجي
اختارت رصاصات الانقلاب العسكري وأسلحته الفتاكة خيرة شباب ورجال ونساء مصر في ميدان رابعة العدوية والنهضة، حين قامت شرطة وجيش الانقلاب العسكري بارتكاب أبشع مجزرة شهدتها مصر في العصر الحديث، وكان أشهر من استشهدوا في فض الاعتصام، الشهيدة أسماء "17 عام" ابنة القيادي البارز بجماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد البلتاجي، وتعتبر "أسماء" البنت الوحيدة للبلتاجي ولها 4 من الأشقاء، كانت تدرس في الصف الثالث علمي لحظة وفاتها، وذكرت أنها تحلم بدخول كلية الطب والإلتحاق بنشاطات الإغاثة العالمية، شاركت في ثورة 25 يناير، كما شاركت أيضًا في أحداث شارع محمد محمود، رغم أن جماعة الإخوان رفضت المشاركة في تلك الأحداث، لم تشارك أسماء في بداية اعتصام رابعة العدوية، لكنها شاركت فيه عقب عزل محمد مرسي، وكان آخر ما كتبته عبر صفحتها علي فيس بوك: "هم بَيَتونا بالوتير هجدًا، وقتلونا ركعًا وسجدًا، وهم أذل وأقل عددًا، فادع عباد الله يأتوا مددًا..في فيلق كالبحر يجري مزيدًا".
حبيبة عبد العزيز
وكانت من بين الشهداء أيضًا "حبيبة" ابنة أحمد عبد العزيز المستشار الإعلامي للرئيس محمد مرسي وهي صحفية ومراسلة لجريدة الجلف نيوز، وحكت والدتها عن اللحظات الأخيرة في حياتها بقولها : " عندما بدأت المجزرة كانت حبيبة تتواصل معى من خلال "فيس بوك"، حبيبة كانت مريضة جدًا، وتشعر برعشة فى جسمها، والأدوية التى تناولتها لم تخفف من آلامها، ومع ذلك أصرت أن تكون فى قلب الحدث لتنقله على الهواء بكاميرا البث المباشر، وأن تكون بين إخوانها لتقدم إليهم المساعدة إذا لزم الأمر، فى أثناء محادثتنا، أخبرتنى حبيبة أن ما يدور مجزرة حقيقية، وأن القتل والإصابات كثيرة جدا، وأن هناك قناصًا يشير إليها بيده لتغادر المكان وإلا سيقتلها، وأشار إليها بعلامة "الذبح" إلا أن حبيبة ـ كما أخبرتنى ـ ردت عليه بالإشارة أيضًا.. لا، لن أغادر، وسأبقى هنا لكى أنقل للعالم هذه المجزرة، وطلبت منى الدعاء، فدعوت لها بالثبات، وبعدها بقليل، أطلق عليها هذا القناص رصاصة واحدة فى الصدر مزقت قلبها، وحطمت عظام قفصها الصدري، وخرجت من ظهرها، كما جاء فى تقرير الطب الشرعي، لقد ضربت حبيبة أروع مثال فى الثبات والصمود حتى آخر لحظة فى حياتها على الأرض".
عمار بديع
فقد المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع، ابنه عمار "38 عاما"، وكان يعمل مهندسًا لعلوم الكمبيوتر وترك طفلتين رؤى "خمسة أعوام" ورغد "ثلاثة أعوام"، والذي استشهد بمنطقة غمرة، أثناء مشاركته في مظاهرة انطلقت من مسجد السلام بمدينة نصر يوم جمعة الغضب 16 أغسطس، وبعد أن طافت المسيرة مناطق مدينة نصر ومصر الجديدة، اتجهت إلى ميدان رمسيس، إلا أن قوات الجيش والشرطة وأعدادًا من الذين يوصفون بالبلطجية اعترضوا المظاهرة عند ميدان غمرة وأطلقوا الرصاص الحي على المتظاهرين، فكان عمار من بين الشهداء.
وحمل أصدقاء عمار جثمانه واتجهوا به لمستشفى غمرة العسكري الذي دون وفاته بثلاثة أعيرة نارية، بعدها ذهبوا به إلى مشرحة زينهم لاستكمال إجراءات تصريح الدفن، ليفاجؤوا بأن المشرحة ستدون أن سبب الوفاة الانتحار، ومع إصرار أسرة المرشد العام للجماعة على ذكر الحقيقية، خرج التصريح بأن سبب الوفاة طلق ناري.
أحمد ضياء فرحات
واستشهد بالمذبحة طالب الجامعة أحمد الذي يبلغ من العمر 19 عاما، وهو نجل الدكتور ضياء فرحات مسؤول قسم البر بجماعة الإخوان المسلمين، والذي استشهد بعد إصابته برصاصة في الرأس أثناء فض الاعتصام.
حسن البنا
استشهد الطالب بالمعهد العالي للهندسة حسن البنا، وهو نجل عيد حسن أحد قيادات الإخوان المسلمين بمحافظة الجيزة، والذي كان ينتظر التخرج عام 2013.
وروت أسرة حسن البنا، أنها بحثت كثيرًا عن جثمانه، حيث أنهم بحثوا عنه في جميع الأماكن المعروفة بوجود جثامين الشهداء دون جدوى، وكان رفقاءه قد أبلغوا أسرته بوفاته، هم من حملوه إلى المستشفى الميداني برابعة العدوية، وأنهم لم يغادروا المستشفى إلا بعد تأكدهم من مفارقته الحياة.
رجل الإسعاف
من شهداء المحلة الكبري في مجزرة رابعة العدوية، ﻣﺴﺎﻋﺪ ﺃﺧﺼﺎﺋﻲ "ﻣﺴﻌﻒ" ﺑﻬﻴﺌﺔ ﺍﻹﺳﻌﺎﻑ ﺍﻟﻤﺼﺮﻳﺔ، يدعى ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﻣﺼﻄﻔﻲ ﺍﻟﻌﺰﺏ "27 عام"، والذي ﺭﻓﺾﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻣﻦ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺭﺍﺑﻌﺔ، ﻭﺃﺻﺮ ﻋﻠﻲ اﺳﺘﻜﻤﺎﻝ ﺩﻭﺭه ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻧﻘﻞ ﻭﺇﺳﻌﺎﻑ ﺍﻟﺠﺮﺣﻲ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﺑﻴﻦ، ﻟﻴﺘﻠقى ﺃﺛﻨﺎء ﺫﻟﻚ ﺭﺻﺎﺻﺘﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺃﺱ ﻭﺍﻟﻈﻬر، ﻭﻟﻘﻲ ﺭﺑﻪ ﺷﻬﻴﺪًﺍ.
شهداء مجهولون
كانت الأعداد غفيرة، في اعتصام رابعة العدوية، لتستيقظ هذه الأعداد على مجزرة مخيفة ويوم دام عسير على الذاكرة أن تمحوه منها، وروى أحد الشهود على المذبحة أن أغلب ما رآه يومها داخل الميدان كانت إصابات حية في الرأس مباشرة، وتتنوع نوع الطلقات - بحسب علمه - إلى نصف بوصة مثل مواسير المياه الرفيعة أو في حجم أصبعين متلاصقين، وهذا يكون من الرشاشات الثقيلة "الجيرانوف" والتي تثبت فوق المدرعات، أو من الطائرات، وهذه الرصاصة تُفجر الرأس مباشرة أو تقطع العضو وتبتره تماما أيا ما كان ذراعًا أو قدمًا أو أي عضو آخر.
وقال أحد الأطباء عن مستشفى "رابعة العدوية"، أنها ظلت سليمة ويأيتها المصابون؛ وذلك حتى اكتمل للقوات إخلاء الميدان وإتمام المذبحة؛ حينها التفتوا إلى المستشفى، وأضاف أن الضرب كان شديدًا جدًا على أبواب المستشفى.
وتابع: "كنا يومها إذا احتجنا شيئًا من المستشفى الميداني، نرسل مثلا خمسة من الشباب، في حين لا يعود منهم سوى اثنين تقريبا أما البقية فيرتقوا شهداء على أبواب المستشفى".
كما روى أحد المشاركين بالاعتصام، أنه ورفقاؤه عند محاولتهم الخروج من الميدان لاحظوا وجود قوات متمركزة أعلى كوبري الجيزة، وقد ظلت ساكنة ما يقرب من نصف ساعة، ثم بدأت في الضرب، وعندها ركضوا في الاتجاه بالقرب من مسجد الاستقامة، وحينها تم قنص ثلاثة من بينهم على باب المسجد وارتقوا سريعًا إثر إصابات بالرصاص الحي في الرأس مباشرة.
تقرير "هيومن رايتس ووتش"
وأصدرت منظمة هيومان رايتش واتش تقريرًا بعد مرور عام كامل على المجزرة، وصفت المنظمة مجزرة رابعة العدوية والنهضة بأكبر مجزرة حدثت لمتظاهرين في التاريخ الحديث، وحملت المنظمة قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، ووزير داخليته محمد إبراهيم، وقائد القوات الخاصة في عملية رابعة مدحت المنشاوي مسئولية مجزرتي رابعة والنهضة.
وقالت المنظمة إن قوات الأمن سحقت اعتصام رابعة العدوية بالجرافات وقوات برية وقناصة؛ في تقرير ضم 148 صفحة، رصد جريمة فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة؛ حيث أكدت المنظمة في تقريرها أن قوات الشرطة والجيش قتلت أكثر من 1150 من مؤيدي مرسي في 5 وقائع منفصلة خلال عملية قتل جماعي للمتظاهرين.
وشددت المنظمة على أن رابعة والنهضة مذابح مخططة ومرتبة، ولم يتم إعطاء الفرصة للمعتصمين بالخروج الآمن.
وأعلن التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب عن رقم قريب من رقم منظمة "هيومن رايتس ووتش" حيث أكد تحالف دعم الشرعية أنه وثق مقتل 1282 شخصا وإصابة 5000 وفقدان 350 شخصا في مجزرة فض اعتصام رابعة العدوية منتصف أغسطس.
أضف تعليقك