على الرغم من إعلان الحكومة العراقية وميليشيا الحشد الشعبي الشيعي أن هدفهم من معركة الفلوجة الدائرة حاليا هو تحرير المدينة من قبضة تنظيم داعش، إلا أن استهداف القوات المشاركة في المعركة للمساجد السنية أظهر بعدا طائفيا للعملية العسكرية في المدينة ذات الغالبية السنية.
أخبار معركة الفلوجة التي يسعى الجيش العراقي بدعم من مليشيات الحشد الشعبي ومستشارين إيرانين كما يصفهم لاستعادة الفلوجة التي يسيطر عليها تنظيم داعش، لا تبشر بخير وسط الانتهاكات التي أكدت المخاوف التي سبقت المعركة.
المدينة التي لم يستسلم أبناؤها للقوات الأمريكية إلا بعد سير الدبابات على جثثهم، دخلت فى حربها الثالثة بعد إعلان رئيس الوزراء العراقي حيد العبادي الأسبوع الماضي من داخل مقر قيادة العمليات المشتركة بالمنطقة الخضراء في بغداد بدء عمليات تحرير من عصابات "داعش".
وتعتبر مدينة الفلوجة ثالث أكبر المدن العراقية السنية بعد الموصل والبصرة، وكان يقطنها حوالي مليون نسمة قبل الغزو الأمريكي، وهي ذات طبيعة خلابة، ويغلب على أهلها الطابع الديني القبلي، ويقطنها مسلمون وأقلية مسيحية وصابئة.
ضبابية المشهد
ويرى مراقبون أن اتجاه بوصلة الحكومة العراقية للفوجة يعكس ضبابية المشهد العراقي الذي تسارعت فيه فيه الأحداث في بغداد فمن اعتصام مطالبا بالإصلاح، إلى اقتحام متكرر للمنطقة الخضراء حيث مقر الحكومة العراقية والمؤسسات المهمة استهدف البرلمان، ثم تفجيرات متتالية ببغداد.
ولليوم الخامس على التوالي منذ بدء معركة تحرير الفلوجة تواصل ميليشيا الحشد الشعبي سلسلة من الانتهاكات أبرزها تفجير مسجد الكرمة الكبير شمال شرقي الفلوجة، كما أحرق جامع إبراهيم الحسون شرقي البلدة.
ولم يسلم الأهالي من عمليات القتل الممنهج ونهب وسلب ممتلكاتهم، كما شوهد فيديو نشرته إحدى الصفحات التابعة للحشد الشعبي على موقع التواصل الإجتماعي فيسبوك وهم يرفعون الأعلام الإيرانية وصور الخميني دون تدخل من القوات الحكومية العراقية.
دعوات تحريضية
وسبقت هذه الانتهاكات تصريحات ودعوات تحريضية ضد أهالي الفلوجة فقد بث ناشطون مقطع فيديو لقائد مليشيا أبي الفضل العباس، أوس الخفاجي، يقول فيه إن "الفلوجة هي منبع الإرهاب منذ 2004 وحتى يومنا هذا، ولا يوجد فيها شيخ عشيرة آدمي، ولا إنسان وطني ولا ملتزم دينيا، حتى في مذهب أهل السنة".
وشدد الخفاجي في كلمة له أمام أتباعه، على أن "هذه المعركة فرصة لتطهير العراق، لاستئصال ورم الفلوجة منه وتطهير الإسلام منها، فهذا شرف لا بد من المشاركة فيه وأن نناله، ويجب أن نكون من السباقين في هذه المدينة"، بحسب مقطع فيديو بثه الإعلام الحربي.
وفي تناقض للواقع الجاري في معركة الفلوجة قال سعد الحديثي المتحدث الإعلامي باسم العبادي في بيان له، إن الحكومة حريصة كل الحرص على سلامة المدنيين والأهالي في الفلوجة، ولن تسمح بأي تجاوز على أرواحهم أو ممتلكاتهم، لافتا إلى أن العبادي أصدر توجيهات مشددة بحماية المدنيين وتوفير الممرات والملاذات الآمنة لهم.
حرب طائفية وتطهير العرق السنى
فيما أثارت صور تم تداولها بشكل واسع لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني وهو يشارك في اجتماعات للإشراف على معركة الفلوجة، جدلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، كما أن بعض الصور أظهرت سليماني بلباس مدني في اجتماع مع قادة من ميليشيات الحشد الشعبي في العراق ويشرف على خرائط قيل: إنها خطط عسكرية لمعركة الفلوجة، في حين ظهر في صور أخرى بلباس مختلف (أشبه بالعسكري) مرتديًا قميصًا زيتي اللون.
وقال الدكتور أحمد بان، الباحث في شئون الحركات الإسلامية: إن وجود قوات الحشد الشعبي العراقي في الحرب التي يشنها الجيش العراقي لتحرير مدينة الفلوجة من تنظيم داعش الإرهابي يعطي الحرب نفَسًا طائفيًا، ويأتي بنتيجة عكسية لأنه يعزز من استمرار وجود ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في المدينة.
وأضاف "بان" في تصريح صحفى ، أن قوات الحشد الشعبي سبق وارتكبت مجازر ضد السنة في مدينة الأنبار وغيرها من المدن العراقية التي تم تحريرها من داعش، لافتًا إلى أن قوات الحشد كان مُخطط لها أن تحاصر الفلوجة فقط ولا تشترك في الاجتياح. وأشار إلى أن بعض القذائف التي تُرمى في الفلوجة تحمل صور نمر نمر الناشط الشيعي السعودي مما يسهم في تأجيج نار الطائفية ويوفر بيئة حاضنة لداعش لأنها تُعزز شعور السنة بالمظلومية وبالتالي يقتربوا أكثر من تنظيم داعش السني، مؤكدًا أهمية أن تُبنى العراق على أسس المواطنة وجيش موحد بعيد تمامًا عن أي شعارات طائفية.
وتوقع العميد حاتم صابر، خبير مكافحة الإرهاب الدولي والمحاضر بأكاديمية ناصر العسكرية، أن تقضي قوات الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي على وجود تنظيم داعش الإرهابي في مدينة الفلوجة، مشيرًا إلى أنها قوات نظامية ولها تكتيكات عسكرية قادرة على دحر التنظيم.
وأضاف "صابر" أن داعش بكل إمكاناته لا يستطيع مجابهة قوات جيش نظامية لها تدريب وتسليح وخطط موضوعة بشكل جيد ومُحكم.
وأكد أن الصراعات الطائفية بين السنة والشيعة ستظهر وتتأجج بشكل أكثر وضوحًا بعد انسحاب داعش من الفلوجة، مؤكدًا أن الولايات المتحدة تدعم وتُغذي الحروب الطائفية لاستنزاف مقدرات البلاد العربية.
بدوره قال الشيخ نبيل نعيم، الجهادي السابق والباحث في شئون الجماعات الإسلامية، إن توحد الهدف بين قوات الحشد الشعبي والجيش العراقي، في حربهم لتحرير مدينة الفلوجة من تنظيم "داعش" سيمكنهم من إضعاف التنظيم الإرهابي ولكنه لن ينهيه.
وأضاف "نعيم"، في تصريح صحفى"، أن قوات الحشد الشعبي تشارك في الحرب بهدف تنفيذ تطهير عرقي للسنة، مشيرًا إلى أن سكان مدينة الفلوجة من السنة يتكاسلون في محاربة داعش لأنها تمثل خط دفاع ضد القوات الشيعية. وأكد أن الحكومة العراقية ستسعى لنزع فتيل الفتنة الشيعية السنية حتى لا تتحول لاقتتال وحرب أهلية.
أضف تعليقك