ونكمل مع كتاب زاد على الطريق لفضيلة الأستاذ مصطفى مشهور – رحمه الله – حول المعاني والأعمال التي يتزود بها الداعية في طريقه حيث يقول:
إن اتباعنا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أمور حياتنا يجعلنا نحيا دائماً في حال من الوعي الداخلي و اليقظة الشديدة وضبط النفس ، فيصبح كل شيء نفعله أو نقوله مقدوراً بإرادتنا خاضعاً لمراقبتنا الروحية، نحاسب أنفسنا عليه قبل أن نحاسب يوم القيامة، وفي هذا زاد كبير .
كما أن لاتباع السنة نفعا اجتماعيا، فاختلاف الأمزجة و الميول في الأفراد يحمل الناس على عادات مختلفة، و بالمراس تتحول هذه العادات إلى حوافز بين الأفراد وتثير الخلافات و النزاعات، ولكن الإسلام الحنيف يحمل أفراد البيئة الاجتماعية بطريقة منظمة على أن تكون عاداتهم وطباعهم متماثلة مهما كانت أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية متنافرة؛ فيصير كل مسلم وكأنه لبنة شكلت في قالب معيَّن يتلاحم ويتلاءم مع إخوانه كأنهم بنيان مرصوص لا اعوجاج ولا نشوز .
إن اتباع المسلمين لسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم يغنيهم عن تقليد الغرب في أمور حياتهم ويشعرهم بتميزهم واستقلال شخصيتهم، وأنهم يستطيعون التطور نحو مستقبل حيّ في ثقة بالنفس وعدم شعور بالتبعية لشرق أو لغرب ولكن اتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
إن قضية تقليد التمدن الأجنبى في حياة المسلمين قضية لها آثارها العميقة والخطيرة؛ هى نتيجة شعور بالنقص ونتيجة تصور خاطىء بأن المسلمين لا يستطيعون أن يسايروا الرقيّ الموجود في بعض البلاد الغربية ما لم يقبلوا القواعد الاجتماعية والاقتصادية التى قبلها الغرب … فلا يمكن تقليد مدنية ما في مظاهرها الخارجية من غير التأثر في الوقت نفسه بروحها . فالمدنية ليست شكلاً أجوف ولكنها نشاط حيّ، وإذا تقبلنا شكلها سرت مجاريها الأساسية ومؤثراتها الفعالة تعمل فينا ثم تخلع على اتجاهنا شكلاًً معيناً ولكن ببطء من غير أن نلحظ ذلك، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يثبت هذا المعنى: ( من تشبَّه بقوم فهو منهم ) مسند ابن حنبل وسنن أبى داود .
يتصور البعض أن عادات وتقاليد الغرب في حياتهم سامية وقريبة من الكمال، وأن عاداتنا و تقاليدنا نحن المسلمين هابطة متخلفة، والحقيقة أن المسلمين هم الذين بعدوا فى حياتهم عن سنة نبيهم وتعاليم إسلامهم التى هى أفضل أسلوب للحياة وأرقى مستويات الذوق فى حياة البشر ، لأن رسولنا صلى الله عليه وسلم لاينطق عن الهوى ولكنه يستقى من المصدر الإلهى الذى يتصف بالكمال سبحانه ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير .
يعترض بعض النقاد من غير الموالين للإسلام عادة ويقولون أليس الإجبار على تقليد حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كل حياته افتئاتاً على الحرية الفردية فى الشخصية الإنسانية ، وهذا اعتراض باطل ، فالحرية الحقة فى التزام منهج الحياة الذى رسمه لنا الله الذى خلقنا وقد طبقه رسول الله على نفسه ,امرنا الله أن نقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال :{ لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر وذكر الله كثيراً } .
إن أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم تتصل بأمور تعبدية روحية خالصة وأخرى تتصل بقضايا المجتمع وقضايا حياتنا اليومية، والقول بأننا مجبرون على اتباع الأوامر المتعلقة بالنوع الأول ، ولكن لسنا مجبرين على أن نتبع الأوامر المتعلقة بالنوع الثانى ، إنما هو نظر سطحى وبخس شديد لقدر النور النبوى ، فهل هناك أفضل من هذا النموذج الربانى لكي نتبعه في كل أمور الحياة .
وهؤلاء الذين يشككون في السنة وفي صحة مصادرها تافهون وواهمون، فإن وعد الله بحفظ كتابه العزيز يمتد ويشمل سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فهي الشارحة و المبينة له : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } فقد قيض الله من الأئمة الفضلاء لجمع الأحاديث وتمحيصها وتصنيفها أمثال الإمامين البخارى ومسلم وغيرهما، وقد قاموا بكل ما في طاقة البشر عند عرض كل حديث على قواعد التحديث عرضاً أشد كثيراً من ذلك الذى يلجأ إليه المؤرخون الأوروبيون عادة عند النظر في مصادر التاريخ القديم … وقد وضعوا للرواة رجالاً كانوا أم نساءً تراجم خضعت لبحث دقيق يقوم على قواعد غاية في الدقة، فإذا لم تقم حجة معقولة أيّ علمية على الشك في المصدر نفسه أو في أحد رواته المتأخرين، وإذا لم يكن ثمة خبر آخر يناقضه كان حتماً علينا حينئذٍ أن نقبل الحديث على أنه صحيح ، وليس ثمة مبرر مطلقاً من الناحية العلمية أن يجرح أحد صحة مصدر تاريخيّ ما لم يكن باستطاعته أن يبرهن على أن هذا المصدر منقوص .
بعد كل ما تقدم على كل مسلم أن يعتز بدينه وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولا يقف موقف الذى يدفع التهم عن دينه وسنة نبيه، ولكن موقف الواثق من أنه على الدين الحق وأن سنة رسولنا هى أفضل منهج للحياة .
أضف تعليقك