ويتحدث العلامة الدكتور يوسف القرضاوي عن الحركة الإسلامية والعمل النِّسوي فيقول:
لقد اهتمت الحركة الإسلامية بالمرأة منذ فجر الدعوة، وأنشأ الإمام حسن البنا (قسم الأخوات المسلمات ) ليقوم بدوره في نشر الفكرة بين المسلمات، وتربية جيل منهن يحمل العبء مع الرجال من (الإخوان المسلمين ) في التمكين لدين الله في الأرض. وقد قام القسم بدوره إلى حد لا بأس به، وكان للأخوات نصيبهن في أيام المحن، وخصوصاً في رعاية أسر المسجونين والمعتقلين وإيصال المعونات إليها، على ما في ذلك من خطر يتهددهن من رجال (المباحث )، ومنهن من قاست ما قاست في سبيل الله مثل الأخت زينب الغزالي.
قصور العمل الإسلامي النِّسوي عن المستوى المنشود:
ولكن يجب أن نعترف بأن العمل النِّسوي لم يبلغ المستوى الذي ينبغي أن يصل إليه، وإن انتشرت الدعوة بين النساء، ولا سيما الطالبات في الجامعات والثانويات. فلم تظهر إلى اليوم- برغم مرور ستين عاما على الحركة- قيادات إسلامية نسائية قادرة -وحدها- على مواجهة التيارات العلمانية والماركسية بكفاية واقتدار. وذلك لأن الرجال يحاولون دائماً أن يسيطروا على توجيه النساء, ولا يدعون لهن الفرصة الكافية للتعبير عن أنفسهن، وبروز المواهب والقدرات النسائية الخاصة لتقود العمل بمعزل عن تحكم الرجال.
متى ينجح العمل الإسلامي في مجال المرأة؟
ورأيي أن العمل الإسلامي النسوي إنما ينجح، ويثبت وجوده في الساحة، يوم يفرز زعامات نسائية إسلامية، في ميادين الدعوة والفكر، والعلم والأدب والتربية. وما أحسب هذا بالأمر المتعسر و المتعذر، ففي الأخوات نوابغ وعبقريات مثل الرجال، وليس النبوغ من صفات الذكور وحدهم, وليس عبثًا أن يقص علينا القرآن قصة إمرة قادت الرجال بحكمة وشجاعة، انتهت بقومها إلى أفضل عاقبة، وتلك هي ملكة سبأ التي حدثتنا عنها سورة النمل في قصتها مع سليمان عليه السلام. وقد رأيت في جامعة قطر البنات أكثر تفوقاً من البنين، وهذا ما لاحظه غيري من أساتذة الجامعة, وبخاصة أن البنات أكثر تفرغاً للعلم من الذكور الذين تشغلهم أشياء كثيرة، وعندهم سياراتهم التي يستقلونها ليذهبوا بها هنا وهناك.
تسرب الأفكار المتشددة إلى هذا المجال:
وأود أن أقول هنا بصراحة: إن العمل الإسلامي قد تسربت إليه أفكار متشددة غدت هي التي تحكم العلاقة بين الرجال والنساء, وتأخذ بأشد الأقوال تضييقاً في هذه المسألة. وهذا ما لاحظته في كثير من المؤتمرات والندوات، حتى في أوروبا وأمريكا ففي أواسط السبعينيات ظللت أحضر لعدة سنوات المؤتمرات السنوية لاتحاد الطلبة المسلمين بالولايات المتحدة وكندا، وكان يحضر الإخوة والأخوات، ويشهد الجميع المحاضرات والندوات العامة, ويسمعن التعليقات والأسئلة والأجوبة والمناقشات حول القضايا الإسلامية الكبيرة: فكرية وعلمية واجتماعية وتربوية وسياسية إلا حلقات فقهية خاصة تعقد للنساء للإجابة عن تساؤلات خاصة عندهن. ولكني في الثمانينيات حضرت عددأ من المؤتمرات في أمريكا وأوروبا, فوجدت فصلاً تاما بين الجنسين, ووجدت الأخوات يحرمن من قسم كبير ومهم من المحاضرات والمناقشات والندوات التي تعقد عند الرجال, وقد شكا إلي بعض الأخوات مللهن من المحاضرات التي تدور كلها حول قضايا المرأة وحقوقها وواجباتها ومكانتها في الإسلام، وهي قضايا تكررت حتى أصبح الحضور لسماعها كأنه عقوبة!! وقد أنكرت هذا في أكثر من مؤتمر حضرته، وقلت: إن الأصل في العبادة ودروس العلم هو الاشتراك، ولم يعرف في تاريخ الإسلام مجد للنساء وحدهن مستقلاً عن الرجال.
وقد كان النساء يشهدن الدروس النبوية- كما يشهدن الجمعة والجماعة والعيدين- مع الرجال، ويسألن في أخص الأمور المتعلقة بالمرأة, ولم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين, كما قالت عائشة رضي الله عنها، وكتب السنة حافلة بكثير من الأسئلة التي وجهت من النساء إلى النبي-صلى الله عليه وسلم-, ومنهن من سألت عن نفسها ومنهن من سألت باسم بنات جنسها، قائلة: أنا وافدة النساء إليك يا رسول الله. وقد طلبن من الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يجعل لهن يوما خاصاً, ينفردن به دون الرجال, ليكون لهن فسحة من الوقت والحرية, ليسألن عما يشأن دون حرج من آبائهن و إخوانهن أو أزواجهن, و غيرهم من الرجال. وهذه مَزِيّة أضيفت لهن إلى جانب الدروس العامة التي يشتركن فيها مع الرجال.
مشكلة العمل الإسلامي النسوي وكيف تحل:
مشكلة العمل الإسلامي النسوي: أن الرجال هم الذين يقودونه، ويوجهونه، ويحرصون على أن يظل كذلك، ورأيي أن العمل الإسلامي النسوي إنما ينجح ويثبت وجوده في الساحة يوم يفرز زعامات نسائية إسلامية, في ميادين الدعوة والفكر, والعلم والأدب والتربية. وما أحسب هذا بالأمر المتعسر و المتعذر، ففي الأخوات نوابغ وعبقريات مثل الرجال، وليس النبوغ من صفات الذكور وحدهم, وليس عبثًا أن يقص علينا القرآن قصة إمرة قادت الرجال بحكمة وشجاعة، انتهت بقومها إلى أفضل عاقبة، وتلك هي ملكة سبأ التي حدثتنا عنها سورة النمل في قصتها مع سليمان عليه السلام. وقد رأيت في جامعة قطر البنات أكثر تفوقاً من البنين, وهذا ما لاحظه غيري من أساتذة الجامعة, وبخاصة أن البنات أكثر تفرغاً للعلم من الذكور الذين تشغلهم أشياء كثيرة, وعندهم سياراتهم التي يستقلونها ليذهبوا بها هنا وهناك.
و يظل جوابي لهؤلاء الإخوة الغيورين: أن آية الخطاب لنساء النبي, وهؤلاء لهن من الخصوصية ما ليس لغيرهن، وعليهن من التغليظ ما ليس على سائر النساء, وقد قال تعالى في خطابهن: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ) (الأحزاب : 72). ومع هذا لم تمنع هذه الآية عائشة أم المؤمنين من الخروج في معركة الجمل، تطالب بما تعتقده حقا في شئون السياسة، ومعها من كبار الصحابة رجلان رشحا للخلافة، وهما من العشرة المبشرين بالجنة. وما روي من ندمها على هذا الموقف, فليس لأن خروجها من بيتها لم يكن مشروعا, بل لأن رأيها في السياسة جانبه التوفيق، غفر الله لها ورضي عنها.
على أننا لو أخذنا بري من يقول: إن الآية لعموم النساء, فإنها لا تعني إمساكهن في البيوت لا يخرجن منها، فإن هذا الإمساك ذكره القرآن عقوبة لمن ترتكب الفاحشة، ويشهد عليها الشهود الأربعة، وذلك قبل استقرار التشريع على الحد المذكور في القرآن والسنة، قال تعالى:( واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم، فان شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً)(النساء: 15). ثم إن قوله تعالى في الآية: (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) يدل على مشروعية الخروج المحتشم غير المتبرج, فالمرأة لا تنهى عن التبرج داخل بيتها، فإن لها أن تلبس وتتزين فيه ما شاءت. إنما تنهى عنه إذا خرجت إلى الطريق و السوق و غير ذلك مما هو مظنة التبرج.
* منقول بتصرف من كتاب "أولويات الحركة الإسلامية" لفضيلة الشيخ حفظه الله.
أضف تعليقك