بقلم.. ممدوح الولي
مع تثبيت قيمة الدعم النقدي السلعي للفرد بالبطاقات التموينية منذ بداية تموز/ يوليو 2017 وحتى الآن، أدى رفع الحكومة المصرية سعر السلع المتاحة للشراء بقيمة الدعم النقدي للفرد، إلى تقليص الكميات التي يحصل عليها أصحاب البطاقات.
وكانت آخر زيادة منذ أيام قليلة لسعر الزيت التمويني بنسبة 19 في المائة، وقد سبقتها زيادة في سعر الزيت التمويني منذ خمسة أشهر بنسبة 23.5 في المائة، لتصل نسبة الزيادة في الزيت خلال الشهور الخمسة 47 في المائة.
وكان نظام الدعم الغذائي للمصريين من خلال توزيع سلع مدعمة والممتد منذ منتصف الأربعينيات من القرن الماضي، يأخذ شكل الدعم العيني السلعي، بالحصول على كمية محددة من السلع الغذائية مقابل دفع مبلغ مالي صغير. وتركزت تلك السلع في كمية من زيت الطعام والسكر والأرز إلى جانب سلع أخرى، لكن المؤسسات الدولية ظلت تضغط على مصر للتحول لنظام الدعم النقدي حتى تقلل الإنفاق على الدعم الغذائي؛ من خلال تخصيص مبلغ معين للدعم الغذائي بالموازنة، لا يتم تجاوزه في حالة ارتفاع أسعار تلك السلع بالأسواق الدولية خاصة وأن معظمها مستوردة، في حين أن نظام الدعم السلعي كان يلتزم بصرف كمية محددة للفرد من السلع الرئيسية الثلاث الزيت والسكر والأرز، بصرف النظر عن التغيرات السعرية لها داخليا وخارجيا.
ونجحت الضغوط الدولية في دفع الحكومة المصرية للإعلان عن التحول لنظام الدعم النقدي عام 2007 بوزارة الدكتور أحمد نظيف، ورغم اعتراضات الكثيرين من القوى الحزبية وغيرها، فقد أصرت الحكومة على المضي في التنفيذ، إلا أن أزمة الغذاء العالمي حينذاك، ومظاهرات الخبز التي انتشرت في أكثر من بلد منها مصر، وسقوط ضحايا في طوابير الخبز المصرية، أجبرت الحكومة على تأجيل التنفيذ، حتى سقوط نظام مبارك.
سبل متعددة لخفض الدعم الغذائي
وبعد تولي الجيش السلطة في تموز/ يوليو 2013 وإحكام السيطرة على الشارع بالقوة الأمنية ومنع التظاهر والبطش بالمعارضين، أعلنت الحكومة عن التحول إلى الدعم النقدي منذ تموز/ يوليو 2014، لكنه كان يمزج ما بين الدعم النقدي والسلعي في الوقت نفسه، بتحديد مبلغ 15 جنيها للفرد المقيد بالبطاقات التموينية، وأتاحت لأصحاب البطاقات التموينية شراء السلع التي يرغبون فيها، بقيمة الدعم المحدد لهم حسب عدد الأفراد المقيدين بالبطاقة الخاصة بالأسرة، من بين قائمة ضمت حوالي 20 سلعة بأسعار محددة.
ومع فشل الدولة في مواجهة ارتفاع الأسعار خلال السنوات التالية لتولي الجيش السلطة، قامت برفع قيمة الدعم النقدي للفرد بالبطاقات إلى 18 جنيها في حزيران/ يونيو 2016، ثم إلى 21 جنيها في الشهر الأخير من العام نفسه، بعد تحرير سعر الصرف وارتفاع الأسعار.
وفي محاولة لامتصاص الغضب الشعبي من الفشل في السيطرة على ارتفاعات الأسعار، تمت زيادة قيمة النقدي للفرد إلى خمسين جنيها حتى أربعة أفراد للأسرة، و25 جنيها فقط للأفراد المقيدين بالبطاقات لأكثر من أربعة أشخاص، بعد أن كانت قيمة الدعم النقدي واحدة لكل أفراد البطاقات مهما كان عددهم قبل ذلك، حتى تقلص الحكومة قيمة الدعم الغذائي التزاما بمطالب المؤسسات الدولية، خاصة أن هناك مراجعة سنوية من قبل ممثلي صندوق النقد الدولي، يترتب عليها الحصول على باقي أقساط قرض الصندوق التي تم الاتفاق عليه أواخر عام 2016، وما تلاه من قروض بعد ظهور فيروس كورونا.
ولذلك؛ فقد سارت السلطات في أكثر من طريق، منها تقليل عدد الأفراد بالبطاقات التموينية من خلال وضع شروط لاستحقاق السلع المدعمة، ومن لا تتوافر لديه تلك الشروط يتم إلغاء بطاقته التموينية. وبالفعل انخفض عدد الأفراد بالبطاقات من 66.9 مليون فرد بنهاية عام 2014، إلى 63.8 مليون فرد في حزيران/ يونيو 2020، وهي آخر بيانات رسمية متاحة.
منع قيد المواليد الجدد لأصحاب البطاقات
ويتوقع انخفاض الرقم عن ذلك حاليا في ضوء الاستمرار في استبعاد من لا تنطبق عليهم الشروط، التي أخذ تطبيقها عدة مراحل؛ بدأت بتحديد استهلاك ألف كيلو وات كهرباء شهريا فأكثر للاستبعاد من الاستمرار في الاحتفاظ بالبطاقة التموينية،
وتلاها استبعاد من يمتلكون سيارة موديل 2015 فأعلى، وكذلك من لديهم حيازة زراعية بعشرة أفدنة فأكثر، ومن تبلغ قيمة فاتورة استخدامهم للموبايل الشهرية 800 جنيه، إلى جانب وضع سقف منخفض للدخل الشهري للموظفين والحرفيين وأصحاب المعاشات، بحيث يتم استبعاد من يتجاوزه من الاستمرار داخل نظام البطاقات.
كذلك تم التوقف عن قيد المواليد الجدد لأصحاب البطاقات التموينية، بحيث لا يزيد عدد أفراد البطاقات من هذا الباب. وجرت عدة وعود لامتصاص الغضب الجماهيرى من إغلاق باب قيد المواليد الجدد، حدد خلالها وزير التموين بداية تموز/ يوليو 2017 لإدارج هؤلاء وكرر مواعيد أخرى متعددة، ثم تدخل رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بتحديد بداية تموز/ يوليو 2018 لقيد هؤلاء المواليد الجدد، لكنه حتى الآن لم يتم تنفيذ ذلك.
إلا أن العامل الأهم لدى الشرائح الفقيرة المستحقة للدعم الغذائي، هو ارتفاع قيمة السلع داخل سلة السلع المقررة لأصحاب البطاقات التموينية. ونظرا لتركيز الفقراء على ثلاث سلع رئيسية نظرا لأهميتها، هي: السكر والزيت والأرز، فقد ارتفع سعر السكر داخل منظومة البطاقات الجديدة من 4.25 جنيهات للكيلو في بداية التطبيق للنظام الجديد إلى 8.5 جنيهات حاليا.
كما ارتفع سعر الزيت من 12 جنيها للتر إلى 25 جنيها حاليا، والأرز من 3.75 جنيهات للكيلو إلى ثمانية جنيهات حاليا، وتكرر ذلك مع باقي السلع المتاحة مثل المسلي الصناعي والمكرونة.
كميات سلعية أقل مما قبل 2014
ومع توالي ارتفاع سعر سلع البطاقات، أخذ البعض يقارن بين الكميات التي كانوا يحصلون عليها قبل تولي الجيش السلطة، والكميات التي يحصلون عليها الآن، حيث كان الفرد يحصل على كيلوغرامين من السكر وكيلوغرامين أرز و1.5 كيلوغرام زيت طعام مقابل دفع عشر جنيهات، بينما تبلغ قيمة كمية تلك السلع نفسها حاليا 70.5 جنيها، بخلاف دفع جنيهين للبقال التمويني، وبما يعني أن الخمسين جنيها المقررة للفرد لا تكفي لشراء الكميات القديمة نفسها التي كانوا يحصلون عليها قبل تموز/ يوليو 2014.
وفي ضوء ربط السلطات المصرية سعر سلع البطاقات بأسعارها الدولية، ففي ضوء ارتفاع سعر السكر والقمح وغيرها، فإنه يتوقع رفع سعر السكر التمويني والدقيق والسمن الصناعي وسلع أخرى.
وتتعلل السلطات بأنها قد خصصت 36.6 مليار جنيه لدعم سلع البطاقات التموينية، بموازنة العام المالي الحالي 2021/ 2022، الذي يمتد حتى نهاية حزيران/ يونيو القادم، لكن تلك القيمة تمثل نسبة 2 في المائة فقط من مصروفات الموازنة البالغة 1838 مليار جنيه، بل إنها تمثل نسبة واحد ونصف في المائة من إجمالي الإنفاق في الموازنة البالغ 2461 مليار جنيه.
ورغم تباهي السلطات المصرية بقيمة الدعم الغذائي المسجل في الموازنة في تصريحاتها الإعلامية، فقد كشفت بيانات الحساب الختامي لموازنة العام المالي 2019/2020، عن نقص قيمة الدعم الغذائي التي تمت بالفعل خلال العام المالي، بنسبة عشرة في المائة عما كان يصرح به المسؤلون، وتكرر ذللك النقص في العام المالي الأخير بنسبة 2 في المائة.
وتنسى السلطات المصرية أن ذلك الدعم الغذائي يمثل صمام أمان اجتماعي لمحاربة الجوع وتحقيق الاستقرار الاجتماعي، في ظل ارتفاع نسبة الفقر والبطالة وتداعيات فيروس كورونا، وتقليل الإنفاق الصحي في ضوء انتشار أمراض سوء التغذية، كما يساعد على رفع معدلات الإنتاجية لدى العمال والفلاحين، ومستوى التحصيل الدراسي لدى التلاميذ البالغ عددهم 24 مليون تلميذ في مراحل التعليم قبل الجامعي.
وتزداد خطورة تقليص كميات السلع الغذائية المقررة لأصحاب البطاقات التموينية مع غلاء سعر البدائل، في ظل طفرة زيادات الأسعار الحالية بالأسواق المصرية، كما تزداد خطورتها من أنها تأتي متزامنة مع ما تم من تقليص لوزن الرغيف التمويني أكثر من مرة خلال فترة تولي الجيش السلطة، وتكرر تقلص وزن الخبز الذي ينتجه القطاع الخاص بمختلف نوعياته، ولجوء العديد من الشركات لتقليص وزن العبوات للسلع التي ينتجونها.
أضف تعليقك