بقلم.. عامر شماخ
من أجمل ما ورد فى مظاهر اتّباع النبى ﷺ، ما جاء فى سيرة سيدنا «عبد الله بن عمر»، رضى الله عنه؛ فما كان أحدٌ يتعقب آثاره وسنته ﷺ مثل هذا الصحابى الجليل. رُوى أنه كان فى طريق مكة يأخذ برأس راحلته يثنيها ويقول: (لعلَّ خُفًّا يقع على خُفٍّ)؛ يعنى خفّ راحلة النبى ﷺ. وقد جاء بنوه من بعده ففعلوا فعله. عن موسى بن عقبة [فى البخارى]: (رأيتُ سالم بن عبد الله بن عمر يتحرى أماكن من الطريق فيصلى فيها ويحدِّث أن أباه كان يصلى فيها، وأنه رأى النبى ﷺ يصلى فى تلك الأمكنة).
وفعلُ «ابن عمر» هو ما يجب أن يكون عليه سلوك المسلم تجاه نبيه وقدوته ﷺ. وفى شهر مولده نذكِّر بهذه الفضيلة التى لها أدلتها القاطعة من الكتاب والسنة، فضيلة اتباع النبى ﷺ والسير على منهجه، والتخلق بأخلاقه، وتعظيمه وتوقيره، ونصر سنته، والذبّ عن شريعته. ولِمَ لا وقد فشتْ الفتن وكثُر التهريج، وصارت قدوات المجتمع أجسادًا عارية وأدمغة تافهة، فوجب التذكير لئلا تذوب الطائفة المستمسكة بالحق الذين تلفُّهم من كل جهة موجات الفساد الكبير والإباحية الطائشة.
إن من كمال الإيمان: طاعة أمر النبى ﷺ واجتناب نواهيه، وتصديقه فيما جاء به؛ (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا…) [الحشر: 7]، وحبه والشوق إليه؛ (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 31، 32]، ولن يشعر بلذة الإيمان سوى من أحب الله ورسوله حبًّا خالصًا غير مشوب بتذبذب أو نفاق؛ تصديقًا لما ورد عنه ﷺ: «ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود فى الكفر كما يكره أن يُقذف فى النار».
ومن أركان الاقتداء بالنبى ﷺ وتمام اتباعه: تبليغ دعوته، ونشر سنته فى زمن سادت فيه البدعة وأحدث الناس فى دين الله ما ليس منه، وذلك يقتضى انتهاج الوسطية التى أُرسل بها النبى ﷺ، والسير على منهجه المعتدل الذى لا يعرف إفراطًا ولا تفريطًا ولا إعناتًا ولا مشقة، وقد تركنا ﷺ على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك؛ «.. فمن رغب عن سنتى فليس منى»، «عليكم بسنتى وسنة الخلفاء المهديين من بعدى، عضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة»، ومن استجاب فله الحسنى، ومن عصى فقد ضل وغوى؛ (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ) [آل عمران: 172]، (فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف: 157).
ولا تزال أمتنا بخير ما دامت على صراط الله المستقيم؛ ما يقيها الزيغ والهلكة، ويجنبها الهزائم والنكبات والفتن، وهذا لا يكون إلا بالاستسلام الكامل لله ولرسوله، وعدم مخالفتهما؛ (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63]، وتعظيمهما، وتوقيرهما فإنه لا دستور إلا دستورهما، ولا شرع إلا شرعهما ولا حكم إلا حكمهما؛ (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء: 65]، (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) [الأحزاب: 36].
إن الذى شرع لنا الإسلام لهو الرءوف الرحيم، الحنَّان المنَّان، العليم الخبير، وإن الذى بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة لهو الباكى لأجل أمته الحريص عليها، الجاثى على ركبتيه لئلا يُعذبوا؛ (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ…) [الأحزاب: 6]؛ (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة: 128].. ما جعل أصحابه يفدونه بأنفسهم وآبائهم وأمهاتهم، وأن ينفروا لأمره فلا يتخلف منهم رجل؛ (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ…) [التوبة: 120].. نسأل الله أن يثبتنا على طريقتهم، وألا يضلنا بعد هدى. آمين.
أضف تعليقك