بقلم.. عامر شماخ
المقصود بـ«جيل الإنترنت»، Net Generation، هم من وُلدوا بعد عام 1990 ليعاصروا حقبة الشبكة العنكبوتية التى يؤرخ لها من عام 1998 إلى الآن، ويُطلق عليهم أيضًا «جيل الألفية الثالثة» أو«جيل القرن الحادى والعشرين» أو«الجيل الرقمى»، والذى يشهد ويتفاعل مع تطورات هائلة فى وسائل الاتصال والمعلومات وتطبيقاتها، ولغته فى ذلك هى «اللغة الرقمية» بكل ما تحتويه هذه اللغة من مداخل ورموز صاروا يتقنونها.
وهناك فروقات جوهرية بين هذا الجيل ومن سبقه من الآباء والأجداد، جعلت بين الجيلين خلافات عميقة حتى أطلق بعض الباحثين لفظ «المهاجرين» على الأجيال السابقة؛ لما يشعرون به -حسب دراسات- بالغربة بين أبنائهم، وعجزهم عن التفاعل معهم مثلما كان حالهم مع آبائهم؛ ولمخاوفهم من تغير هوية الأبناء بعد الانفتاح الكبير على الثقافات الأخرى والتى صار بعضها نمطًا معيشيًّا وسلوكًا اجتماعيًّا لكثير منهم.
يتسم أبناء «جيل الإنترنت» بأنهم أكثر معرفة وإتقانًا من آبائهم فى التعامل مع التقنيات والمستحدثات العصرية والاختراعات شبه اليومية؛ ما جعل لهم قيمًا وأفكارًا وطرقًا مغايرة فى العمل والحياة والتعلم، وما خلق لديهم أيضًا «تركيبة دماغية» مختلفة فى ظل التعاطى المكثف مع التطبيقات الرقمية، وهذا ما يعمِّق الخلاف بين الآباء والأبناء خصوصًا أن الجيل السابق لا زال يفكر بـ«التتالى»، عكس هذا الجيل الذى يفكر بـ«التوازى»؛ أى لديه القدرة على الانخراط فى مهام متعددة فى آن واحد، كما لديه سرعة الاستجابة للمثيرات، وسرعة فى الأداء واتخاذ القرار.
وكما اتسم هذا الجيل بقدرات ميزته عن سابقه فإنه فى المقابل يحمل سلبيات تهدد مستقبله ومستقبل أمته، فهو جيل قليل الصبر، ضحل التفكير، أقل ذكاء ممن سبقوه، منعزل، قليل الحركة، لا يتحمل المسئولية ولا يكترث لشىء، نرجسى، متنمر. وقد أدى استخدامهم المفرط للتقنية إلى إصابتهم بما يشبه «اضطراب التشتت» فهم يعانون من قصور الانتباه والتركيز، وقصور فى القدرة على التخيل والإبداع.
أما أخطر السلبيات التى تميز هذا الجيل فهى اعتقادهم بأنهم ليسوا بحاجة إلى معلمين، وأنهم على قناعة بعدم جدوى العملية التعليمية برمتها؛ ذلك أنهم يستصعبون التعليم التقليدى بعدما درجوا على نمط «الإنترنت» فى تلقى المعلومة، وهو نمط لا يكلفهم جهدًا، لكنه فى المقابل يضعف قدراتهم اللغوية ويفضى بهم إلى عدم قراءة الكتب إلا نادرًا، وعدم إجادة التعامل مع النصوص، واقتصار تعاملهم على الصور والرسوم والأفلام.
ماذا نحن فاعلون إزاء هذا التحول الكبير والعالم من حولنا يكثِّف الدراسات والأبحاث ويتخذ الإجراءات للوقاية من المخاطر المتوقعة من تلك التطورات؟
العالم ينظر فى هذه الألفية إلى «المتعلم» باعتباره ركيزة النظام التعليمى المأمول، وفى حسبانه أنه من المستحيل منع «الإنترنت» بالكلية، بل تطويعه للنهوض بذلك «المتعلم» وتطوير المنظومة التعليمية بالأساس. فهل نحن، عربًا ومصريين، نواكب الآخرين أم لا زلنا نفكر فى «إعادة اختراع العجلة»؟الواقع يقول إننا لا ندرك حجم المعضلة رغم الإحصائيات التى تؤكد أن أبناءنا غرقى فى «الشبكة الدولية» ضحايا لمخاطرها ولا منقذ لهم.
لا بد أولًا من تفعيل دور المساجد فى توكيد الوازع الدينى في نفوس هذا الجيل الذى يخلط ولا يميز، وفك الحصار عنها لتبيان الحلال من الحرام ولترسيخ القيم ودعم منظومة الأخلاق. ولا بد من نظام تعليمى قائم على الإلزام ببذل الجهد وبالقراءة التقليدية وبالأنشطة العملية وبالحضور. ولا بد من نظام إعلامى يعزِّز الهوية ويبصِّر الشباب بمخاطر الانكباب على تلك الوسائل.
وهناك وسائل أخرى حمائية إن أردنا لأبنائنا خيرًا منها: الانفتاح السياسى والنقابى والمهنى بما يتيح قنوات للعمل الحركى والمجتمعى والمشاركات الواقعية بعيدًا عن العالم الافتراضى، والأمر نفسه ينسحب على المنظمات الأهلية والجمعيات الخيرية؛ لما توفره من أعمال مجتمعية تستوعب طاقات الشباب، وكذلك حجب المواقع الضارة التى تستهوى تلك الفئة التى استحلّت كل شىء وتسعى إلى التكسُّب من دون جهد. والأهم الاهتمام بالرياضة، ودمج الشباب فيها، وتحويل مسارهم من «هتِّيفة» للفرق والأندية إلى ممارسين للرياضة بكافة لُعُباتها وأنشطتها.
أضف تعليقك