تحت عنوان "أصداء حادث قطار سوهاج .. قراءة في مواقف السلطة" حذرت ورقة تحليلية من أن إنفاق قائد عصابة الانقلاب عبد الفتاح السيسي عشرات المليارات بدعوى التطوير والتحديث على هيئة السكة الحديد، ليست سوى شكل من أشكال الصيانة ليبقي مرفق السكة الحديد قديما بلا تحديث من أجل خصخصة القطاع خلال السنوات المقبلة.
وأوضحت الورقة التي نشرها موقع "الشارع السياسي" أن السيسي في مارس 2018 أعلن "ممعناش فلوس لتطوير السكة الحديد"، وبعد تصريحات السيسي بثلاثة أيام فقط وافق البرلمان في 4 مارس 2018م على تعديل بعض أحكام القانون رقم 152 لسنة 1980، الخاص بإنشاء الهيئة القومية لسكك حديد مصر، والذي يقضي بإشراك القطاع الخاص في إدارة وتشغيل وصيانة مشروعات البنية الأساسية، وشبكات هيئة السكك الحديدية على مستوى الجمهورية، إيذاناً بتحرير أسعار تذاكر القطارات من جهة، والدخول في مرحلة خصخصة المرفق من جهة ثانية. وأضافت أن أسعار تذاكر القطارات ارتفعت بنسبة تصل إلى 200%، ليتحمل الشعب وحده تكاليف صيانة المرفق وهو ما يتسق تماما مع توجهات السيسي بتحميل الفقراء النسبة الكبيرة من ميزانية الدولة.
وسجلت الورقة عدة ملاحظات عن مواقف سلطة الدكتاتور عبدالفتاح السيسي وحكومته إزاء حادث تصادم قطاري سوهاج، وكان من أبرز الملاحظات؛ توجَّه السيسي بإكمال ما أسماه بمخطط "التحديث الجذري الشامل" لمرفق السكة الحديد على مستوى الجمهورية. وتثنيه وزير النقل بحكومة الانقلاب كامل الوزير، بالقول: "استحملونا لحد ما نخلص التطوير عشان نوديكم أشغالكم وما نقفلش السكة الحديد"، مضيفًا أن الدولة رصدت 225 مليار جنيه لتطوير السكة الحديد في مصر.
لكن الورقة البحثية قالت إن "الربط بين عدم اكتمال تطوير مرفق السكك الحديد والحادث هو أمر يخالف الحقيقة"، مشيرة إلى تقرير لموقع "مدى مصر" قال إن جرار القطار المكيف رقم 2011، الذي اصطدم بالقطار الآخر هو جرار روسي دخل الخدمة قبل بضعة شهور، وبرج الإشارة الذي وقع الحادث بالقرب منه بمنطقة طهطا بمحافظة سوهاج، هو أيضا دخل الخدمة منذ شهور! وأوضحت أن "الخلل يكمن في الإدارة وليس في عناصر التشغيل الأخرى؛ الأمر الذي يستوجب محاسبة جميع المتسببين فيه بداية من سائق القطار وحتى وزير النقل ورئيس هيئة السكك الحديد ونائبه لشؤون التشغيل".
ولفتت الورقة إلى أن تصريحات السيسي حول التحديث والتطوير الوهمي "مثلت طوق نجاه للفسدة والمسئولين عن الحادث داخل هيئة السكة الحديد؛ ذلك أنه عقب الحادث مباشرة ترددت أنباء داخل الهيئة عن عزم رئيسها، أشرف رسلان، ونائبه لشؤون التشغيل، سامي عبدالتواب، التقدم باستقالتيهما"، لكنهما تراجعا في أعقاب تصريحات السيسي.
وبحسب الورقة البحثية، فإن الحادث أضاف مزيدا من الدلائل والبراهين والتجارب التي تؤكد فشل الإدارة العسكرية؛ فقد جيء بكامل الوزير وهو ضابط كبير بالجيش برتبة فريق، على رأس وزارة النقل خلفا لهشام عرفات الذي قدم استقالته من منصبه في فبراير 2019، إثر حادث قطار وقع بمحطة رمسيس الرئيسية في القاهرة، وأودى بحياة 21 شخصًا، وإصابة 52 آخرين، لكن تغيير الوزير لم يمنع تكرار الحوادث حتى وقعت الكارثة الأخيرة.
وخلصت إلى أن "فشل أكفأ ضباط المؤسسة العسكرية رغم ما منح له من مخصصات مالية ضخمة دون سابقيه من الوزراء المدنيين برهان ساطع على فشل الجنرالات في حكم البلاد".
وأضافت أن الفشل أمتد من الكوارث إلى الخسائر الضخمة لمرفق السكة الحديد؛ حيث بلغت خسائرها نحو 600 مليون دولار(نحو 10 مليارات جنيه) في السنة المالية 2017/2018م بحسب رئيس قطاع الحسابات الختامية بوزارة المالية عبدالنبي منصور؛ الأمر الذي دفع لجنة الخطة والموازنة في البرلمان نحو تشكيل لجنة تقصي حقائق لمراجعة خسائر الهيئة القومية للسكك الحديد. وأوضحت أن الأكثر دهشة أن معظم القيادات العسكرية في ديوان وزارة النقل تحظى بمرتبات ومكافآت ضخمة رغم هذا الفشل المتواصل، ورغم المخصصات الضخمة التي منحت لهم لتطوير المرفق.
وأضافت لذلك ملاحظة أن كارثة قطاري سوهاج تزامنت مع كارثة جنوح العبارة العملاقة “إيفر غريفين” وسد مجرى الملاحة بقناة السويس لأسبوع كامل فوزارة النقل جرى عسكرتها على نحو كامل؛ بما في ذلك الهيئة العامة للموانئ البرية والجافة وهيئة ميناء الإسكندرية وهيئة موانئ البحر الأحمروهيئة موانئ دمياط والهيئة العامة لسلامة الملاحة البحرية، وهيئة تخطيط مشروعات النقل والمعهد القومي للنقل والهيئة العامة للطرق والكباري والنقل البري والهيئة العامة للنقل النهري والهيئة القومية للأنفاق، كلهم لواءات.
وأشارت الورقة إلى أن حكومة السيسي تزعم أنها أنفقت أكثر من 45 مليار جنيه خلال الفترة بين 2014 – 2020، من أجل تطوير وتحسين مرفق السكك الحديدية، أحد أعرق المرافق في مصر، لكن الواقع يشير إلى أن ذلك لم يمنع من استمرار وقوع كوارث متتالية في هذا المرفق. وكان آخر الحوادث الكبيرة قبل حادث سوهاج في أواخر فبراير 2019 بعد اصطدام جرار أحد القطارات برصيف «محطة مصر» بميدان رمسيس في القاهرة وأسفر عن مقتل 22 شخصًا. واشارت إلى أنه بمراجعة الإحصاءات الرسمية عن حوادث القطارات على موقع الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإن أقل فترة شهدت حوادث قطارات هي الفترة ما بين 2006 و2016، حيث بلغت 12 ألفا و236 حادثا فقط، أقلها كان في 2012 بواقع 447 حادثا فقط!
واعتبرت الورقة أن ما يقوم به السيسي مع مرفق السكة الحديد مجرد شكل من أشكال الصيانة؛ بينما المفترض أن يتم تحديث المنظومة كلها؛ فالصيانة مثلاً تتعلق بتغيير قطع غيار بعينها، أو إحلال قضبان قطارات متهالكة بأخرى جديدة، أما التحديث فهو تغيير المنظومة التقنية بكاملها. ومع تتابع السنوات تخلفت مصرعن أجيال كاملة، من الأنظمة التقنية لتشغيل السكك الحديدية في العالم. وخلصت إلى أن أهم أسباب الفشل؛ الاعتماد على أهل الثقة على حساب أهل الخبرة والكفاءة؛ والبرهان على ذلك هو العسكرة الكاملة لوزارة النقل، بل إن العسكرة امتدت لكافة قطاعات الدولة دون استثناء.
أضف تعليقك