جاء في الأثر: «من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان غَدُهُ شَرَّ يوْميه فهو ملعونٌ، ومن لم يتفقد الزيادة من نفسه فهو في نقصان، ومن كان في نقصان فالموتُ خيرٌ له».
وأصل (الغبن): شراء سلعة بسعر عالٍ، وبيعها بسعر أقل، فهذا البائع خسر مرتين: في المرة الأولى حين اشترى بأغلى من الثمن، وفي المرة الثانية عندما باع بأقل من الثمن، فمن استوى عمله في يومين متتاليين فهو صاحب خسارة مضاعفة.
والوصية هنا: حاوِل دائما أن تتفوق على نفسك، وتتحدى إنجازاتك، وأن تكون كل يوم أفضل من الذي قبله، فلا سقف لتميز الأعمال وتسابق الأحوال.
قال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أوْ يَتَأَخَّرَ} [المدثر: 37]
وكلمة (شاء) في الآية معناها أن تقدمك أو تأخرك إنما هو (قرارك) الشخصي.
{أَنْ يَتَقَدَّمَ أوْ يَتَأَخَّرَ} معناه أن لا وقوف في الطريق إلى الله ألبتة، فإما تقدم وإما تأخر، ومن لم يتقدم بالحسنات سيتأخر بالسيئات؛ فإن لم تتقدم كل يوم فأنت (متأخِّر).
والآية فيها تهديد ووعيد يدفع كل واحد منا لمحاسبة نفسه باستمرار، خوفا من أن تتراجع أعماله الصالحة، فيحرص على اغتنام كل دقيقة من وقته آناء الليل وأطراف النهار.
يعاتب المؤمن نفسه قائلا:
- بالأمس لم أخشع جيدا في صلاتي، واليوم سأكون أكثر تركيزا وحرصا على ذلك لأتقدَّم.
- بالأمس أطلقت لساني في غيبة أحد زملائي، واليوم سأكون أطهر لسانا وألين كلاما لأتقدَّم.
- بالأمس لم أتصدَّق، واليوم سأغتنم أي فرصة كي أتصدَّق لأتقدَّم.
- بالأمس صليتُ الفجر في بيتي، واليوم سأصليه في المسجد، أو بالأمس صليت الفجر في المسجد، واليوم سأصليه في المسجد مع مكوثي حتى تشرق الشمس ثم أصلي ركعتين لأفوز بأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة؛ لأتقدَّم.
- بالأمس نسيت أن أستغفر مائة مرة في الصباح كما كان النبي ﷺ يفعل كل غداة، واليوم لن أنسى هذا الاستغفار، لأتقدَّم.
- بالأمس تصدَّقت مرة، واليوم سأتصدق مرتين، بل خمس مرات! فأبذل مع كل صلاة فرض صدقة، ولو كانت جنيها واحدا؛ لأتقدَّم.
- بالأمس ضاع وقتي في طريقي للعمل من غير فائدة، واليوم سأكون أفضل لأني سأشغله بالذِّكر والاستغفار ، لأتقدَّم.
المنافسة الدائمة بين الأيام ستضع بين يديك طريقة جديدة لاستغلال وقتك، لن تحتاج معها أن تقارِن نفسك بغيرك، بل سينافس عملُه عملَك، وستكون حريصا على أن تكون كل يوم أفضل من اليوم الذي سبقه.
وبالمثال يتضح المقال، والتطبيق العملي لهذه الطريقة ذات الإفادة العظيمة كان واضحا غاية الوضوح في سيرة الإمام أحمد بن حنبل، في ما نقله عنه إبراهيم الحربي في قوله:
«لقد صحِبتُ أحمد بن حنبل عشرين سنة: صيفا وشتاءً، حرًّا وبردا، ليلا ونهارا، فما لقيتُه في يوم إلا هو زائد عليه بالأمس».
أضف تعليقك