بقلم: وائل قنديل
أضاءت الخارجية المصرية مبناها الشاهق على النيل بأضواء باهرة، احتفالًا بيوم الدبلوماسي 15 مارس/آذار، لكن وزير الخارجية، شخصيًا، وفي اليوم نفسه، كان يقدّم صورة معتمة ومخجلة للدبلوماسية المصرية. كان الوزير سامح شكري يتحدّث أمام البرلمان، عن الإدانة الدولية الجماعية للنظام المصري في ملف حقوق الإنسان، مرجعًا الأمر إلى الفقر الإعلامي الذي تعاني منه السلطة، والذي جعل الملعب مفتوحًا أمام ما أسماه الإعلام المعادي، أو إعلام التنظيمات الإرهابية.
الهذيان الدبلوماسي هو الوصف الصحيح لكلام وزير الخارجية، فهو من ناحية يدين رأس النظام الذي يمثله، الجنرال عبد الفتاح السيسي، والذي يفخر، طوال الوقت، بأنه نجح في صناعة "الأذرع الإعلامية" التي تدافع عن النظام، ومن ناحية أخرى، يمنح إعلام الضفة الأخرى شهادة تفوّق وجدارة مهنية، لا أظن أن أحدًا كان يحلم بها.
الشاهد، أن وزير الخارجية اختار ألا يكون دبلوماسيًا، ولجأ إلى الكلام الأسهل، الذي يردّده أي مسؤول أمني أو بوق إعلامي يقتات مهنيًا على الحليب الصناعي الذي يضخّه الممسكون بجهاز "السامسونج" بدلًا من الرد على الأسئلة الحقيقية التي تضمنها بيان الإدانة الصادر من 31 دولة.
لا أظن أن وزير الخارجية في حاجة إلى من يذكّره بأن الإعلام لا يخترع الانتهاكات ضد حقوق الإنسان، ولا يمتلك من قوة التأثير والمهنية ما يتيح له التحكم والسيطرة في موقف 31 دولة أو في إرادة المنظمات الحقوقية الأممية المعتمدة، وإلا لكان هذا الإعلام قد نجح في جعل المذابح الجماعية التي نفّذها نظام سامح شكري في العام 2013 مادة صالحة لصناعة الحبل الذي يلفه المجتمع الدولي حول عنق مرتكبي هذه الجرائم.
يعلم سامح شكري، أيضًا، من الذي منع العلاج عن مواطن أميركي في السجون المصرية، اسمه مصطفى قاسم، وتركه مضربًا عن الطعام، احتجاجًا على حبسه ظلمًا، حتى لفظ أنفاسه، بعلم وتحت متابعة السفارة الأميركية .. كما يعلم أنه ليس الإعلام "المعادي" الذي صنع قصة الأميركيين المصريين، آية حجازي ومحمد سلطان، ولا الإيطالي، جوليو ريجيني، ومئات من الحالات الصارخة لتغييب المعايير الإنسانية في السجون ومقار الاحتجاز.
هل يحتاج السيد سامح شكري للفت انتباهه إلى أن رئيسه عبد الفتاح السيسي، شخصيًا، لا يعترف بحقوق الإنسان في مصر، كما حددتها المواثيق الدولية؟ السيسي، بلسانه، حينما حاصره صديقه الفرنسي المتواطئ، إيمانويل ماكرون، بملف حقوق الإنسان، رد عليه بأنه من الخطأ النظر إلى حقوق الإنسان المصري بالمعايير التي تعرفها فرنسا والعالم المتقدّم، وكأنه يقرّ بانتهاك هذه الحقوق، منكرًا على الإنسان المصري أن يُعامَل كما البشر في أوروبا والغرب.
القصة ليست إعلامًا عاجزًا أو ناجزًا، بل هي حكاية نظام لديه من الضحالة الفكرية والتفاهة السياسية ما يجعله مثل الغراب الذي يرى نفسه طاووسًا، لأنه يرتدي ريشًا ملوّنًا مستعارًا، ويقلد مشية الطاووس.
والأخطر أن تنسحب حالة الهزال السياسي على الدبلوماسية المصرية العريقة، التي لم تكن على هذه الحالة من الهشاشة والرداءة في الأداء، قبل انقلاب 2013، حتى أنه، وربما للمرّة الأولى في تاريخها، يخرج المتحدّث باسم الخارجية ليكذب تصريحًا على لسان وزير الخارجية .. نعم حدث ذلك في المهزلة التي كان بطلها نبيل فهمي، أول وزير خارجية لسلطة الانقلاب، حين ادّعى، كذبًا وتلفيقًا، أن تقريرًا لمنظمة العفو الدولية أثبت وجود أسلحة ثقيلة في اعتصام رابعة العدوية، وهو الكلام الذي استهجنته "العفو الدولية"، وسخرت منه، فخرج السفير بدر عبد العاطي، متحدّث الخارجية الرسمي، بتصريحات أكد فيها أن الوزير أخطأ.
التآكل في المعايير المهنية والأخلاقية بلغ حد أنهم زيفوا ترجمة إجابات كاترين آشتون، مسؤولة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، في مؤتمرها الصحافي الشهير مع نائب رئيس الانقلاب في ذلك الوقت، محمد البرادعي، ولم يعتذروا أو يخجلوا.
صحيحٌ أن الخارجية ليست مسؤولة عن صناعة انتهاكات حقوق الإنسان، لكن استبسالها في الدفاع عن هذا الملف الذي يرى العالم مأساويته بالعين المجرّدة يجعلها تنخفض بالأداء إلى مستوى ما تبثه اللجان الإلكترونية.
أضف تعليقك