قالت مجلة "فورين بوليسي" إن قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي تعلّم الدرس الخطأ من حسني مبارك، ذلك أن القمع الوحشي يزيد من درجة الغليان للانتفاضة التالية.
وأشارت في مقالا للمحلل فرانسيسكو سيرانو، إلى أن السيسي الذي حكم مصر منذ انقلابه عام 2013 على الرئيس المنتخب محمد مرسي، يبدو كتلميذ لمبارك الذي حكم مصر مدة ثلاثين عاما وانتهى حكمه بعد سنوات من الشلل السياسي والحنق الاقتصادي في انتفاضة عام 2011، والتي أطاحت به في 18 يوما.
وبالنظر لمستوى العنف الذي يمارسه السيسي ضد المصريين في السنوات الماضية، يبدو أن أكبر مخاوفه هي عودة المتظاهرين مرة أخرى إلى الشوارع.
وكان السيسي مثل مبارك نتاجا للجيش الذي كانت انتفاضة عام 2011، والفترة الديمقراطية المضطربة مجرد انقطاع قصير للحكم العسكري الطويل لمصر وشعبها. وتعلم الجيش جيدا في فترة حكم مبارك الحفاظ على ذلك الحكم.
ورغم حكمه المستبد، إلا أن مبارك ترك بعض المساحات للسيطرة على أشكال المعارضة. ولم يرحب مبارك بأي من المعارضة التي تعرض سيطرته للحكم، فيما قامت أجهزته الأمنية بتعذيب المشتبه بهم والتحرش بالمواطنين. ولكن نظام مبارك فهم رغم غياب الرؤية السياسية أهمية وجود صمامات ضغط.
وحفلت الصحف ووسائل الإعلام بالتقارير والمقالات عن المصاعب المعيشية التي تواجه الشعب. وكانت الأصوات المعارضة مفيدة للنظام طالما لم تستهدف النظام أو الرئيس مباشرة ولم تعرّض حكمه للخطر. وفي الوقت نفسه فرصة لمنح صورة عن السياسة الوطنية المغلفة بغلاف التعددية، وهذه الطبقة الرقيقة هي التي سمحت للرئيس البقاء في الحكم لعقود.
لكن السيسي حد من كل أشكال الخطاب العام والمعارضة، على اعتقاد أن هذه الأشكال مهما كان حجمها كانت الخطأ الفادح الذي ارتكبه مبارك. واختار الحاكم الديكتاتوري الحالي لمصر طريقا آخر، وهو محو أي مساحة للنقاش العام.
ومن خلال استخدام القدرات الكاملة لقوات الأمن وأجهزتها، يبدو أنه ماض في خلق مجتمع غير مسيس. وكانت بداية القمع هي ملاحقة الإخوان المسلمين وأنصارهم ثم امتد سريعا، ليشمل أي حركة سياسية تطرح أو تعارض الوضع السياسي والاقتصادي. وامتدت الذراع الأمنية لتطال المعارضين السياسيين والناشطين العلمانيين، والعاملين في مجال حقوق الإنسان، والفنانين والصحافيين والأكاديميين، وحتى الناشطين غير السياسيين على منصات التواصل الاجتماعي، والخائفين من قول أي شيء يعتبر معارضة للنظام. بل وشن النظام حربا ضد الأطباء المصريين الذين يحتاج إليهم لمواجهة كوفيد-19.
وبدلا من الأخذ والعطاء في تعامله مع منافسيه السياسيين والمصريين بشكل عام، قام السيسي بحقن الخطاب العام بحقنة متطرفة من القومية. وعادة ما يظهر هذا الشكل بطريقة شرسة من الطريقة التي تروج فيها الحكومة وأنصارها لإنجازات السيسي أو الطريقة التي تهاجم فيها من تعتبرهم أعداء له. وربط الرئيس الولاء له ولنظامه بالولاء لمصر.
ولكن نظام السيسي خلق وضعا صعبا لا تستطيع فيه اتخاذ الخطوة الثانية قبل أن تقدم على الأولى، والعكس صحيح، فلو استطاع البعض في مصر الشكوى من سوء الأوضاع في مصر، فالغالبية عند ذلك تعاني من رواتب متدنية وخدمات حكومية فقيرة وتدهور في القطاع الصحي، وبهذا المنطق فكلهم ضد مصر، ويجب قمعهم بناء على رؤية السيسي. وتبدو ديكتاتورية السيسي في إشعالها النيران الصغيرة دون محاولة إطفائها غير مستقرة أو واثقة من نفسها.
وتحفل السجون المصرية بعشرات الألاف من المعتقلين السياسيين، في وقت تشن فيه القاهرة حربا على الأطباء والعاملين في الصحة، ومات مئات الأطباء والعاملين في الطواقم الصحية منذ بداية فيروس كورونا. ويكشف النقص في المعدات الواقية وأجهزة التنفس التي يحتاجها الأطباء ومرضى كوفيد-19 عن المشاكل التي يعاني منها النظام الصحي. وأطلق السيسي في خطاباته وفي الأفلام الدعائية التي تبثها القنوات الحكومية على الطواقم الطبية "الجيش الأبيض"، مع أن الكثير من هؤلاء سجنوا وهددوا وتعرضوا للاضطهاد.
وكانت جريمتهم الوحيدة هي مطالبتهم بمزيد من المصادر لكي يستطيعوا مكافحة الوباء، أو لأنهم عبروا عن قلق من قدرة النظام الصحي على مواجهة الفيروس. ويعتقد الكاتب أن قمع السيسي للأطباء المصريين هو أبعد من كونه محاولة لإخفاء ضعفه وقصوره؛ فالحكومة تلاحق تحديدا الأطباء؛ لأنهم كشفوا للعالم عن عيوب الحكومة المصرية بشكل عام؛ فالمشاريع التي تعبر عن الغرور، مثل بناء عاصمة جديدة في الصحراء وبكلفة 66 مليار دولار، والتي أمر بها السيسي لن تساعد على تغيير حياة الناس العاديين في مصر.
ويكشف المشروع عن غياب القدرة وسوء توزيع المصادر المالية، ما يجعل نظام السيسي تكرارا، ولكن بشكل أعنف لسنوات مبارك. والغريب أن الرئيس المصري يرفض الاعتراف بأن الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بمبارك لم تكن نتيجة الاضطهاد، مع أنها كانت نتيجة لها. وكانت هناك قيود كثيرة على حرية التعبير في عهد مبارك. وكان سبب سقوطه هو تراجع الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمصري العادي مع الضغط المتزايد من الدولة البوليسية، التي فشلت في تقديم الحلول للمشاكل اليومية التي يواجهها المصريون؛ وعليه ففشل السيسي تحسين ظروف الحياة اليومية للمصريين وسجنهم حالة اشتكوا يسرع من حتمية زيادة الطاقة ضده.
أضف تعليقك