بقلم: ممدوح الوالي
قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، في حفل عام السبت؛ إن هناك أكثر من 31 ألف مشروع تم تنفيذها في المحافظات منذ عام 2014 بكلفة 5.8 تريليون جنيه، وأنه تم إنفاق حوالي ثلاثة تريليونات جنيه على تلك المشروعات، وسيجري إنفاق باقي التكلفة خلال السنوات الثلاث المقبلة.
وخلا موقع رئاسة الوزارة المصري من وجود بيان بتلك المشروعات، والأمر نفسه للموقع الإلكتروني لوزارة التخطيط المسؤولة عن الاستثمار الحكومي.
ونظرا لاستمرار تدني الخدمات التعليمية والصحية وخدمات النقل والمواصلات، فقد عمت الحيرة عموم المصريين عن نوعية تلك المشروعات التي لم يشعروا بأثرها، خاصة أن الحكومة قد عزفت منذ عام 1991، بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، عن الاستثمار الإنتاجي إلا في حالات قليلة.
وبالعودة إلى بيانات وزارة المالية حول الاستثمار الحكومي خلال الفترة من منتصف عام 2014 (مع تولي الجنرال منصب الرئاسة) وحتى نهاية العام الماضي، فقد بلغ إجمالي الاستثمار الحكومي خلال ست سنوات ونصف 787 مليار جنيه، وحتى بإضافة الاستثمارات التي تمت في عام تولي عدلي منصور، البالغة 53 مليار جنيه، يصل الإجمالي إلى 840 مليار جنيه.
فقد بلغت قيمة الاستثمارات في العام الأول لتولي الجنرال الرئاسة 62.5 مليار جنيه، وفي العام التالي 69 مليار جنيه، وفي العام 2016/2017 نحو 109 مليارات جنيه، وفي العام التالي 110 مليارات جنيه، وفي العام المالي 2018/2019 نحو 143 مليار جنيه، وفي العام المالي التالي 192 مليار جنيه، وفي النصف الأول من العام المالي الحالي (2020/2021) نحو 102 مليار جنيه.
أقل نصيب بالاستثمارات الحكومية للمحليات
ليظل السؤال: كيف يصل الإنفاق على المشروعات حسب رئيس الوزراء إلى ثلاثة تريليونات جنيه، وإجمالي الاستثمارات أقل من التريليون جنيه، مع الأخذ في الاعتبار أن تلك الاستثمارات الحكومية تتوزع بين ثلاث جهات هي: الجهاز الإداري المتمثل في الوزارات والهيئات الخدمية التابعة للوزارات، والمحليات والمتمثلة في دواوين عموم المحافظات ومديريات الخدمات في المحافظات.
وفي العام المالي الأخير (2019/2020) الذي شهد استثمارات حكومية بلغت قيمتها 191.6 مليار جنيه، حظيت الهيئات الخدمية منها بنحو 95.8 مليار جنيه، والجهاز الإدارى 74.6 مليار جنيه، ليتبقى للمحليات 21.2 مليار جنيه فقط.
ومما يدعو للتعجب من رقم قيمة المشروعات التي تحدث عنها رئيس الوزراء البالغ 5.8 تريليون جنيه، وذكر أنه تم إنفاق ثلاثة تريليونات منها، أن باب الاستثمارات الحكومية يحتل المركز الرابع في القيمة عادة بين أبواب مصروفات الموازنة المصرية الستة، أي إنه يأتي حسب القيمة بعد فوائد الديون الحكومية وأجور العاملين في الحكومة والدعم.
ويؤكد ذلك التوزيع النسبي لأبواب الإنفاق الستة من إجمالي المصروفات في موازنة العام المالي الأخير (2019/2020)، حيث حظيت الفوائد بنسبة 39.6 في المئة من الإجمالي، تليها الأجور 20 في المئة، والدعم 16 في المئة، ثم الاستثمارات بنسبة 13.4 في المئة، ثم المصروفات الأخرى ومعظمها للدفاع 6 في المئة، وشراء السلع والخدمات لإدارة دولاب العمل الحكومي 5 في المئة.
عدم تحقق أرقام الاستثمارات المعلنة
ومما يؤكد أن الاستثمارات ليست صاحبة الأولوية في الإنفاق الحكومي، أنه خلال السنوات الست والنصف التي أشار إليها رئيس الوزراء منذ تولي الجنرال الرئاسة، لم يحدث أن تم تنفيذ كامل ما أعلنت عنه الحكومة من قيمة للاستثمارات مع إعلان الموازنة، حيث كان الواقع يشير دائما مع انتهاء العام المالي إلى نقص قيمة الإنفاق الفعلي على الاستثمارات، بالمقارنة بما تم الإعلان عنه وتكرار تناوله في تصريحات المسؤولين خلال شهور العام.
ففي عام تولي عدلي منصور كانت نسبة التنفيذ 53 في المئة مما تم الإعلان عنه، وبلغت النسبة 74 في المئة بالعام المالي 2016/2017، كما بلغت 78 في المئة في العام المالي الأخير، وانخفضت إلى 73 في المئة بالنصف الأول من العام المالي الأخير.
وهو ما حدث نتيجة قرار رئيس الوزراء بخفض الإنفاق على الاستثمارات خلال النصف الأول من العام المالي الحالي، بنسبة مئة في المئة لاعتمادات وسائل النقل والانتقال، وبنسبة 50 في المئة على الأقل لكل من المباني غير السكنية والتجهيزات والأبحاث والدراسات، وفي ضوء العجز الكبير في الموازنة الذي بلغ 463 مليار جنيه في العام المالي الأخير، وارتفاع قيمة الدين الخارجي إلى 125 مليار دولار بنهاية أيلول/ سبتمبر الماضي، بخلاف 23 مليار دولار تمثل مشتريات الأجانب لأدوات الدين الحكومي المصري التي يتم اعتبارها استثمارات حافظة، لكنها في الحقيقة قروض خارجية، ومع بلوغ الدين العام المحلي 4.4 تريليون جنيه بنهاية عام 2019، حيث لم يعلن المصرف المركزي أية بيانات عن الدين الداخلي طوال العام الماضي، الذي ارتفع نتيجة الاستمرار في إصدار أذون وسندات الخزانة المصرية بشكل دوري نصف أسبوعي.
وإذا كانت نتائج العام المالي الأخير قد أشارت إلى نقص الإيرادات بنسبة 17 في المئة عما تم استهدافه، فقد استمر ذلك الانخفاض للإيرادات خلال النصف الأول من العام المالي الحالي بنسبة 30 في المئة، وهو ما يعني صعوبة تخصيص مبالغ مناسبة للاستثمار الحكومي.
ويؤكد ذلك تزايد المتأخرات لدى الحكومة لشركات المقاولات ولشركات المستلزمات الطبية، واضطرار الحكومة للاكتفاء بالسداد النقدي لنحو 82 مليار جنيه من ديونها لهيئية التأمينات الاجتماعية من إجمالي القسط السنوي الأول البالغ 160.5 مليار جنيه، وتوسع الحكومة في طبع النقود التي بلغت قيمتها حوالي 113 مليار جنيه خلال الشهور الثمانية الأولى من العام الماضي، كآخر بيانات متاحة.
وها هو وزير التعليم المصري يعلن في البرلمان الأربعاء الماضي عن تزايد كثافة التلاميذ في الفصول الدراسية، من 42 تلميذا في الفصل إلى 80 تلميذا وأكثر في بعض المناطق، وحاجته إلى 130 مليار جنيه لحل أزمة ارتفاع كثافات الفصول، بينما كانت قيمة الاستثمارات المخصصة لهيئة الأبنية التعليمية المسؤولة عن إنشاء المباني المدرسية خلال العام المالي الحالي 10 مليارات جنيه فقط.
وحسب بيانات مركز معلومات وزارة التعليم، فقد بلغت زيادة عدد المدارس الحكومية خلال السنوات المالية الست ما بين عامي 2013/2014 و2019/2020؛ نحو 5139 مدرسة، أي بمتوسط 857 مدرسة سنويا، منها مدارس مجتمعية يشتمل كل منها على فصل دراسي وحيد. كما بلغ عدد الفصول الدراسية التي تمت خلال السنوات الست 24 ألفا و503 فصول، أي بمتوسط سنوي 4084 فصلا دراسيا، رغم زيادة عدد التلاميذ خلال السنوات الست بنحو 4.236 مليون تلميذ، بمتوسط سنوي 706 ألف تلميذ. أي إن هناك 173 تلميذا جديدا لكل فصل دراسي جديد، مما يدفع مسؤولي المدارس لزيادة كثافة الفصول القديمة لاستيعاب هؤلاء.
والأمر نفسه للمستشفيات العامة في عواصم المحافظات، التي تم تخصيص استثمارات لها بقيمة 3.8 مليار جنيه فقط في العام المالي الحالي، وهيئة الطرق والكباري المسؤولة عن الطرق ما بين المحافظات والكباري في أنحاء البلاد، التي بلغت قيمة استثماراتها 19 مليار جنيه فقط في العام المالي الحالي، وبالطبع لن تتحقق قيمة تلك الاستثمارات لكل الجهات، في ضوء قرار رئيس الوزراء بخفض قيمة الاستثمارات وفي ضوء انخفاض الإيرادات.
وكان وزير النقل قد صرح مؤخرا لإحدى الفضائيات بأن كثافة الركاب بقطارات الصعيد - جنوب البلاد - تصل إلى ما بين 180 في المئة و200 في المئة، مما يضطر نصف الركاب للوقوف طوال الرحلات، ليظل السؤال: أين توجد تلك المشروعات التي تحدث عنها رئيس الوزراء، إذا كان هذا هو حال الفصول الدراسية والمستشفيات وعربات السكة الحديد؟
أضف تعليقك