• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
Jan 25 21 at 11:11 PM

بقلم: سليم عزوز

كما جاء في الأثر عن المصري القديم، وهو يتقرب من إلهه بحسن أعماله: "لم ألوث ماء النهر، ولم أظلم إنسانا، ولم أقتل، ولم أحرض على القتل، ولم أعذب أحداً.."، أصار واجباً على المصري الآن أن يضيف الى ذلك، أنه "شارك في ثورة يناير"؟ ليس فقط من باب الفخر، ولكن من باب الانتماء لهذه الثورة العظيمة، التي أسقطت رئيساً، مستبداً، وفاسداً، مارس فساده واستبداده في حماية كل مؤسسات القوة في الداخل، وكل الدول الكبرى في الخارج. ولم يكن للثائر من سلاح في ذلك سوى سلميته التي كان يهتف بها في مواجهة القوة الباطشة به!

 

وشعار "وأنا شاركت في ثورة يناير"، لم يكن على سبيل التفاخر بقدر ما هو رد على زعيم الانقلاب الذي لا يمل من إرجاع فشله في البر والبحر، سوى لهذه الثورة العظيمة، التي لولاها لانتهى به المطاف جنرالاً متقاعداً ينتظر "طلعة كل شهر" ليتقاضى معاشه، ولكان قبل ذلك يؤدي التحية العسكرية لجمال مبارك، ولكان حبيب العادلي لا يزال يضع هواتف قيادات الجيش تحت رقابته وبعلمهم، ولما أمكنهم استغلال الثورة والثوار في الحشد لاقتحام بعض مقار مباحث أمن الدولة، ليحصلوا من هناك على ما يخصهم، من تسجيلات وتقارير. فقد حررتهم الثورة، من الخوف من هذا الجهاز الأمني المرعب، الذي كان مبارك يستخدمه في الحكم، وكانت تقاريره تستخدم في ترقية ضباط الجيش، وإحالتهم للتقاعد، وعلى غير ما تقول به الأعراف والتقاليد، لكن من كان منهم يجرؤ على الرفض أو التململ، ورئيس الحكومة في عهد مبارك كمال الجنزوري كان يناديه باسمه مجرداً "يا حسين.."، الأمر الذي استخدمه مبارك نفسه في شغل أوقات فراغه، حيث كانت تستهويه "الوقيعة" بين رجالات نظامه، فقال له كيف تسمح له بأن يناديك "يا حسين" كما لو كنت بواباً تجلس أمام بيته؟!

 

    هو رد على زعيم الانقلاب الذي لا يمل من إرجاع فشله في البر والبحر، سوى لهذه الثورة العظيمة، التي لولاها لانتهى به المطاف جنرالاً متقاعداً ينتظر "طلعة كل شهر" ليتقاضى معاشه، ولكان قبل ذلك يؤدي التحية العسكرية لجمال مبارك

 

 

التحالف مع الشيطان:

 

"نعم أنا شاركت في ثورة يناير"، التي وإن منيت بهزيمة بالانقلاب العسكري في الثالث من شهر تموز/ يوليو 2013، فكان هذا بسبب غباء وسذاجة بعض الذين شاركوا في الثورة، فتحالفوا مع الشيطان، ليدخلوا كل زناة الليل إلى حجرتها، بعد أن غلبت عليهم شقوتهم. وقد خرجوا الآن من المولد بدون حمص، فلم يعين أحد منهم ولو في مجلسيه التشريعيين، وقد عين النطيحة، والمتردية، وما أكل السبع، وما أهلّ لغير الله به. وهذه من سنن الانقلابات العسكرية، وإن كان لا بد من محاكمة لهم، فلا بد وأن يحاكموا بتهمة الغباء السياسي، فلم تكن الانقلابات العسكرية اختراعاً يعرفه المصريون، فقد عشنا في كنف انقلاب عسكري على مدى ستين عاماً. خرجنا نطالب بإسقاط حكم العسكر، وهو الشعار الذي رفعناه في تجليات الثورة وفي مواجهة المجلس العسكري، فلما نسوا ما ذكروا به، كانت دعوتهم للجيش للنزول، بعد عدة أشهر من إزاحته عن الحكم، فأي درجة من الغباء يتصف بها القوم؟!

 

لا يكفي أن تقول إنك شاركت في ثورة يناير، إنما يكفي للتدليل على الفطنة، ورجاحة العقل، والبعد عن "كيد النساء"، أن تقول إنك أيضاً لم تشارك في انقلاب 30 حزيران/ يونيو، المنشئ لقرار 3 تموز/ يوليو باستيلاء شخص عبد الفتاح السيسي على الحكم، للتمييز بين الخبيث والطيب، وإن كانت التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب، فإن من غير أصحاب الأعذار أن يفخروا فهم بالإضافة إلى هتاف المصري القديم: "لم ألوث ماء النهر.."، يكون "وشاركت في ثورة يناير، ولم أشارك في انقلاب 30 يونيو"!

 

عندما خرجت في اليوم الأول للثورة.. 25 يناير. كان اليأس هو من يسيطر عليّ، فالثورة خرجت مدفوعة باليأس لا بالرجاء، فقد مررنا بموجات من الحراك انتهت وسلمتنا كل موجة للإحباط، فقد نشأت حركة كفاية ضد التوريث والتأبيد، ثم انتهت مظاهراتها إلى حضور عدد قليل من الأفراد على "سلالم نقابة الصحفيين"، ثم طوانا اليأس من جديد، وعاد إلينا الأمل مع انتفاضة القضاة، الذين طالبوا في جمعية عمومية حضرها تسعة آلاف قاض، بالإشراف الكامل على العملية الانتخابية، فكان الهتاف "يا قضاة خلصونا من الطغاة"، وكان هتافاً عاطفياً انطلق من حناجر مأزومة، فهذا ضد طبيعة الأشياء، فالقاضي ليس رجل ثورة ليواجه الطاغية. ومع هذا انتهى ذلك إلى هزيمة ماحقة، فنظام مبارك أنهى الإشراف المنقوص للقضاء على الانتخابات، وأعاد إشراف الموظفين، ثم انقلب على نادي القضاة فأوقع هزيمة بقضاة الاستقلال وأبعدهم عن مجلس الإدارة، بأن دفع بالمستشار أحمد الزند للمنافسة على رئاسته، وقدم له الرشاوى ليوزعها، وعاد اليأس يلفنا من جديد!

 

عودة البرادعي:

 

وعندما عاد الدكتور محمد البرادعي من الخارج، تمسكنا بهذا الأمل، لكنه كان كسراب بقيعة، يحسبه الظمآن ماء؛ لقد بدا "عنيناً"، يشتهي الحكم، ولا يملك القدرة على أن يقضي منه "وطراً"، وبدا نظام مبارك وكأنه لا يقدر عليه أحد فكانت الانتخابات البرلمانية في سنة 2010، بعد أن زور إرادة الناخبين تزويراً كاملاً!

 

    مصر خلاف تونس، لكن نذكر للثورة التونسية أنها أعطت المصريين الأمل في أنه بالحشود الجماهيرية السلمية يمكن أن نسقط النظام!

 

 

وعندما قامت الثورة التونسية، لم يكن الدكتور عبد المنعم سعيد هو وحده من كتب أن مصر تختلف عن تونس، وهو عضو لجنة السياسات المقرب من جمال مبارك، فقد كان هذا رأيي أيضاً، وكتبت مقالاً أتحدث فيه عن كيف أن مصر خلاف تونس، لكن نذكر للثورة التونسية أنها أعطت المصريين الأمل في أنه بالحشود الجماهيرية السلمية يمكن أن نسقط النظام!

 

لقد سبق للدكتور سعد الدين إبراهيم أن نقل لنا خلاصة حديث له في البيت الأبيض، في مرحلة ما قبل أوباما، بأنه لو نزل 100 ألف مصري في القاهرة فسوف يتحركون لإسقاط مبارك. ويبدو أنهم كانوا - بذلك - يضعون العقدة في المنشار، فكيف للمصريين أن يخرجوا للميادين بهذا العدد الكبير، في مواجهة نظام يمكن أن يفتك بهم؟!

 

وكان اليأس قد سيطر على الدكتور سعد الدين إبراهيم نفسه، وكانت هناك حملة استغلت هذا اليأس العظيم فخرجت تجهر بالمعصية وتجمع التوقيعات في كل أنحاء القطر المصري لترشيح جمال مبارك رئيساً للبلاد. ومن عجب أن الدكتور سعد الدين إبراهيم وقع لهذه الحملة، وبرر لذلك بأنه وقع لحق جمال مبارك في الترشح، وكان بذلك يناور، وكتبت مقالاً حمل عنوان: "سعد الدين إبراهيم الذي يرى حسناً ما ليس بالحسن"!

 

في ليلة 25 يناير قلت بينما أفترش أرض ميدان التحرير: لو انتهت هذه الليلة بالإطاحة بوزير الداخلية حبيب العادلي فسيكون هذا انتصاراً، لكن هذا الأمل تلاشى بعد ساعات قليلة، عندما قامت قوات الأمن باجتياح الميدان بعد منتصف الليل ومطاردة المتظاهرين بقسوة غير مسبوقة، ولمسافات بعيدة، واقتحمت عليهم البيوت التي اختبأوا فيها، فلم تكتف فقط بإخلاء ميدان التحرير!

 

وفي يوم 28 كانون الثاني/ يناير، وبعد أن أديت صلاة الجمعة بوسط القاهرة، ونظرت حولي فلم أجد سوى رجال الأمن منتشرين في كل مكان، ويحضر معهم الشبيحة والمسجلون خطر، قلت إنها النهاية، لكن بعد قليل كانت البداية!

 

من رحم اليأس خرجت الثورة، ومن رحم اليأس والإحباط الآن، فإن الثورة مستمرة، فاليأس حر والرجاء عبد.

أضف تعليقك