• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: قطب العربي

هي إذن حرب جواري الإعلام في بلاط السيسي تلك التي تدور رحاها حاليا بين أسامة هيكل وزير الدولة للإعلام وبيادق الإعلام السيساوي الذين يعملون بكبسة زر.

بدأت الحرب على خلفية تصريحات لهيكل عن انصراف أكثر من 65% من المصريين عن متابعة القنوات التلفزيونية أو قراءة الصحف، ورغم أن الوزير كان مجاملا إلى حد كبير في هذه الأرقام التي تقل عن الواقع كثيرا إلا أن الضابط المكلف بالملف الإعلامي لم يطق صبرا، فقد اعتبر هذا الكلام موجها لإدارته للملف، فأطلق بيادقه الإعلامية في حملة مسعورة ضد هيكل الذي لم يجد سندا حتى من التلفزيون الرسمي حيث انضمت القناة الأولى لهذه الحرب ضد الوزير، ومن خلال برنامجها الرئيسي ومذيعه وائل الإبراشي الذي سارع ببث تسريب صوتي لرئيس حزب الوفد السابق (السيد البدوي الهارب من أحكام قضائية حاليا) متحدثا في التسريب مع أسامة هيكل الذي كان في ذلك الوقت رئيسا لتحرير صحيفة الوفد، مطالبا إياه بشن حملة صحفية ضد الذين استبعدوا الوفد من حوار وطني دعا له المجلس العسكري عقب ثورة يناير، وهو ما قدمه الإبراشي باعتباره أمرا مشينا لهيكل الذي يتلقى التعليمات لشن حروب ضد خصومه، وكان ذلك ردا على اتهام هيكل للإعلاميين الذين هاجموه في الآونة الأخيرة أنهم تلقوا جميعا تعليمات ( نشرة موزعة) لمهاجمته دون أن يكشف عن الجهة صاحبة التعليمات، التي هي معروفة بطبيعة الحال للجميع الآن.

رئيس مصر التنفيذي
هي معركة داخل البيت الواحد، أو صراع الجواري في بلاط السيسي تلك التي يديرها المقدم أحمد شعبان المسئول عن ملف الإعلام في مكتب السيسي أو كما وصفته الصحفية دعاء خليفة إحدى قيادات حركة تمرد (المحبوسة حاليا) بالمدير التنفيذي لمصر ضد أسامة هيكل وهو الرجل الذي كان محل ثقة المجلس العسكري عقب ثورة يناير حيث أعاد العسكر وزارة الإعلام الملغاة ليتم تعيينه وزيرا لها وليبقى فيها 150 يوما، ثم أنشأ السيسي له مجددا وزارة دولة للإعلام بعد انتهاء دور الوزارة عقب تشكيل الهيئات الإعلامية المستقلة التي تضمنها الدستور (المجلس الأعلى للإعلام- الهيئة الوطنية للإعلام-الهيئة الوطنية للصحافة) ، وكانت إعادة الوزارة وتعيين هيكل على رأسها بهدف ضبط إيقاع الإعلام الذي توزعت مسئولية متابعته على عدة جهات مستقلة(نظريا)، فظهرت خلافات بين قادة تلك الهيئات وتنازع للاختصاصات، ومحاولة كل واحد التكويش على أكبر قدر ممكن منها بكل الطرق الممكنة.

كانت فكرة الهيئات المستقلة للإعلام من ثمار ثورة 25 يناير كانون ثاني وقد تضمنها دستورها الصادر عام 2012،وانتقلت إلى دستور 2014 وكانت تستهدف قتل المركزية في الإعلام ، التي كانت من مخلفات العهد الشمولي، وتوزيع مسئوليات الإعلام على أكثر من هيئة لخلق تنافسية، وشفافية، وتحقيق استقلال حقيقي للإعلام، وحين ورث نظام السيسي هذا النص الدستوري فإنه سعى لتفريغه من مضمونه كغيره من النصوص الموروثة عن يناير كاونون ثاني، فتم تشكيل هذه الهيئات بطريقة سلطوية بقرار من السيسي جعل الغلبة في تشكيلاتها للسلطة التنفيذية مما أفقدها استقلالها الدستوري، ولم يكتف السيسي بذلك بل أتى بوزير ليكون فوق هذه الهيئات، وليكون ضابط الإيقاع بينها، وليكون ممثله الشخصي العلني في الإعلام، وممثل الإعلام في مجلس الوزراء، أي إعادة الإعلام ليكون ضمن السلطة التنفيذية مجددا، وليس سلطة مستقلة كما نص الدستور.

حاول هيكل أن يقوم بدوره المكلف به، لكنه تصادم لاحقا مع المسئول الفعلي عن الإعلام المقدم أحمد شعبان، الذي شن حربا خفية عليه حاصرته في مكتبه، ومنعته أن يكون متحدثا باسم مجلس الوزراء كما فعل في أيامه الأولى، وانتقلت الحرب من السر إلى العلن عقب تصريحات هيكل الأخيرة عن انصراف المصريين عن متابعة القنوات والصحف المصرية. وهو ما اعتبره شعبان قدحا في إدارته لهذا الملف، فأطلق صَفَارَة الهجوم الكاسح الذي لم يقتصر على القنوات الفضائية الخاصة بل تعداها إلى التلفزيون الرسمي، ولم يتوقف عند الصحف الخاصة بل تجاوزها إلى الصحف الحكومية، ليجد هيكل نفسه محاصرا من كل النواحي فيعمد إلى الاستنجاد بالسيسي بنشر صورته معه لحظة أدائه القسم الدستوري غلافا لصفحته على الفيس بوك، وهي الصفحة التي أصبحت منبره الوحيد للدفاع عن نفسه في مواجهة القنوات والصحف والمواقع الخاصة والحكومية، كما عمد هيكل إلى توجيه دعوة متلفزة لمهاجميه لزيارته في مكتبه لتوضيح الصورة لهم.

والميت كلب
"الجنازة حارة والميت كلب" مثل معروف ينطبق على المعركة الحالية بين الأذرع الإعلامية لنظام السيسي، فعلى الرغم من سخونة المعركة بين الأطراف المختلفة إلا أنه لا يوجد إعلام الآن في مصر، بل مجرد أبواق دعاية وتسويق ممجوج، وهو مالم يعد مقبولا من المشاهد أو القارئ فحدث الانصراف عن هذه الأبواق إلى قنوات المعارضة التي تبث من الخارج، والتي كشفت تقارير علمية (إبسوس مثالا) عن ارتفاع كبير في نسب مشاهداتها، ووصولها إلى فئات لم تكن تصل إليها من قبل، ولعل الوزير أسامة هيكل قد نكأ هذا الجرح بتصريحه عن انهيار نسب المشاهدة للإعلام المصري حاليا فتحرك المتسببون في هذا الوضع للدفاع عن أنفسهم بشن حرب على الوزير.

لا يعود فشل الإعلام المصري الداخلي إلى ضعف الإمكانيات المادية أو البشرية بل إلى غياب الحرية التي هي الوقود المحرك للمنافسة، والجدار الحامي من العصف بالصحفيين والإعلاميين، وحين تغيب الحرية فلن تفلح أي منشطات أخرى في إنقاذ الموقف، لقد حلم السيسي بإعلام يشابه إعلام عبد الناصر، وحقق حلمه في الهيمنة الكاملة على الإعلام سواء بالتملك المباشر، أو بتكوين مجالس إعلامية تنفذ رؤيته، ولكن الفارق أن عبد الناصر كان صاحب مشروع مهما اختلفنا معه، وكان الإعلام داعما لهذا المشروع أما السيسي فهو بدون مشروع ليتبناه الإعلام، اللهم إلا مشروع الخيانة والتفريط والإفقار وقتل المصريين، وهو مشروع كريه وليس جاذبا للمتابعة بطبيعة الحال.

المعركة الحالية ليست الأولى في حروب جواري الإعلام في بلاط السيسي، إذ لم يختف بعد غبار معركة هيكل ومكرم محمد أحمد، التي حسمها النظام في النهاية لصالح هيكل بإبعاد مكرم من موقع رئيس للمجلس الأعلى للإعلام وهو المنصب الذي كان يعتبره مكرم بمثابة وزارة الإعلام الفعلية بحكم الاختصاصات الدستورية، وقد شجعت تلك النتيجة هيكل على التحرك لانتزاع اختصاصات من المدير الفعلي للملف الإعلامي (المقدم أحمد شعبان) فوجد نفسه مصطدما بعامود خرساني أسال دمه، وعلى الأرجح سيخرجه من الوزارة ليأتي بذيل ذليل آخر يكون أكثر ولاء وانضباطا وسمعا وطاعة.

أضف تعليقك