أكدت جماعة الإخوان المسلمين في رسالة لها بمناسبة ذكرى ميلاد النبي -صلى الله عليه وسلم– أنه لا بد للمسلم الحق والداعي إليه من وقفة صادقة يرنو فيها ببصره ويتطلع بقلبه إلى منبع الأسوة الحسنة وموطن القدوة الطيبة، سيد الخلق ,وحبيب الحق محمد عليه الصلاة والسلام .
وقالت الجماعة فى رسالتها أن التغيير سنة حتمية من سنن الحياة، وواقع يجب أن نعيشه ونتقبله، بل ونسعى إليه في مختلف مجالات الحياة، ونعمل على الاستفادة منه في الانتقال من الواقع الحالي إلى مستقبل أكثر إشراقًا وتميزًا .
نص الرسالة
ميلاد النبي ميلاد أمة (1)
في ذكرى ميلاد النبي -صلى الله عليه وسلم– لا بد للمسلم الحق والداعي إليه من وقفة صادقة يرنو فيها ببصره ويتطلع بقلبه وفؤاده إلى منبع الأسوة الحسنة وموطن القدوة الطيبة، سيد الخلق وحبيب الحق محمد -صلى الله عليه وسلم-، ليتأسى بمنهجه في التغيير ويقتدي بطريقته في الإصلاح، فإن الزمان قد استدار كهيئته يوم ولد وبعث المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وإن الأوضاع الفاسدة والأعراف الباطلة التي واجهها لا تختلف كثيرا عن الأعراف والقيم التي تعيشها البشرية في الفترة الراهنة، غاية الأمر أن الجاهليةَ الحديثة قد أخذت شكلًا مغايرا حينما تسربلت بسربال التقدم العلمي وتزينت بزخارف المدنية الحديثة.
التغيير سنة كونية
إن التغيير سنة حتمية من سنن الحياة، وواقع يجب أن نعيشه ونتقبله، بل ونسعى إليه في مختلف مجالات الحياة، ونعمل على الاستفادة منه في الانتقال من الواقع الحالي إلى مستقبل أكثر إشراقًا وتميزًا، وقد خلق الله تعالى الكون وجعل التغيير واحدًا من القوانين التي تحكمه، و﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ (آل عمران 140)، فهذه السنة ثابتة لا تتخلف أبدا، فالله يرفع أقوامًا ويضع آخرين، ويغني قومًا، ويًفقر آخرين، ويقوّي أناسًا، ويُضعف آخرين، وهكذا.. ولا بد أن نعلم أنه لا يمكن الانتقال من وضع إلى وضع إلا بسبب، وقانون الله لا يحابي أحدًا، فإذا غيّر المجتمع حاله، غير الله حالهم، ونفذت سنته فيهم، فحدوث التغيير من الله مترتب على حدوثه من البشر، إن حسنًا فحسن، وإن سوءًا فسوء، وقد ذكرت الآية تغييرين: التغيير الأول: يُحدثه الله، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ﴾ (الرعد: 11). والتغير الثاني: يحدثه الناس: ﴿حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد: 11).
وهو في الحقيقة يكون إلى الأحسن ويكون إلى الأسوأ، فالله يغير ما بقوم من الهزيمة والضعف إلى نصر وتمكين إذا غيروا ما بأنفسهم من بعد عن دينه، إلى تمسك بدينه، والعكس بالعكس، فهم الذين يختارون لأنفسهم، ويتحملون النتيجة والمسؤولية، فالنعم والنقم، والخيرات والويلات، لا تتأتى هكذا مصادفة عفوية دون سبب، وإنما هي منوطة بأسباب، وأحوال معنية.
هدي الرسول في التغيير
وقد سلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- طريق التغيير بالسنن الكونية والاجتماعية والنفسية والعقلية، واعتمد على ذلك في كثير من الأمور منها:
أولا: استعمل كل المَلَكات وكل الحواس والإمكانات والأساليب في دعوة الناس ونقلهم من الظلمات إلى النور، سهر الليالي، وقطع الفيافي والقفار، واستغل كل جمع وكل موسم وكل قرابة وكل صلة وكل موقف، ولم ينتصر بكلمة كن والله قادر على نصره بها والتمكين بها، ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عرف الواقع فتعامل معه، ووعى التقاليد فوعاها، وفهم العقول فأرشدها وحاجَّها، وقدَّر المصاعب، وعرف العقبات، وأعدَّ العدة، ولم يترك شيئًا للمصادفات أو الظروف. لكنه -صلى الله عليه وسلم- استغل الفرص، واستفاد من المواقف، واستثمر الزمن، وجيّش الطاقات، ووظف العقول، واستعمل الحكمة، وهدهد العواطف، وأشبع الأشواق، ولفت إلى الغايات، وقاس الأمور بمقاييسها الصحيحة في الإعداد والاستعداد، في السلم والحرب، وهو مع ذلك كان حريصا على الناس، رؤوفا رحيما، ليس بفظ ولا غليظ، ولا قاسي القلب، لم يساوم على الحق أو يلوِ فيه وإن كان يرتاد له ويسلك أفضل السبل لقبوله والإقناع به.
ثانيا: أسس التغيير تربية الرجال: سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم لإيجادهم وتجميعهم حول دعوته، بهم تنتصر الدعوات، وتفوز الأمم، وترتفع المثل والغايات. وفي اتحادهم وتآخيهم هو لب سعادتهم وعزتهم، فربّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرجال حتى كانوا أكرم الناس نفسا، وأتقاهم قلبا، وأفضلهم سريرة، وأطهرهم يدا، وأشرفهم ذيلا، وأوصلهم رحما، وأحنهم عاطفة، وأعفهم لسانا، وأصدقهم لهجة، فكانوا صورة صادقة لدعوتهم ومثلا حيا لقرآنهم ونموذجا فريدا لرسالتهم وقدوة طيبة، وشهادة واضحة على عظمة الهداية وصدق الداعي، وجلال التعاليم الربانية، وربانية المنهج.. أشاد القرآن الكريم بهم في رجولتهم وثباتهم، فقال الحق سبحانه وتعالى: ﴿مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ (الأحزاب:23) وهو يؤمن أن النصر في جميع المجاﻻت يحتاج إلى ثلاثة عناصر إيمان وصبر ووقت.
كيف حقق النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ميلاد الأمة والدولة الإسلامية؟
في البداية كانت مكة، وكانت دعوته صلى الله عليه وآله وسلم سرية لمدة ثلاث سنوات، حتى كون نواة الإسلام الأولى بعدها سارت الدعوة العلنية مسارها عشر سنوات في مكة، إعتمد فيها صلى الله عليه وسلام ثلاث استراتيجيات كبرى:
أولهما البناء الداخلي لمجتمع المسلمين: وذلك عبر وسائل وأدوات عدة، قائمة كلها على تعاليم الإسلام في ذلك الوقت، وكانت ذات طبيعة روحية مثل (قيام الليل بالصلاة، وتلاوة القرآن)، وكان دائمًا هناك تذكير بأحوال الأمم السابقة وعاقبة كل من الظالمين والمسلمين في كل أمة، وقبل ذلك ومعه كان ترسيخ مفاهيم العقيدة الإسلامية الصحيحة بصفائها ونقائها وتمايزها عن العقائد الباطلة، مع تبشير المسلمين بمستقبل مملوء بالنصر والتمكين والمجد. وقد حققت هذه الأدوات والوسائل نجاحًا منقطع النظير، في بناء الشخصية المسلمة لدى كل صحابي أو صحابية ممن تربوا في العصر المكي فكان أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وحمزة ومصعب وأبي عبيدة بن الجراح وغيرهم..
وثانيها تحقيق أكبر قدر متاح من الحماية للمسلمين داخل المجتمع المكي المعادي للإسلام والمسلمين، وفق الأعراف والفرص التي كانت سائدة آنذاك في هذا المجتمع، مثل كتمان الإيمان والإسرار بالعبادات الإسلامية بالنسبة للبعض، ومثل القبول أو طلب حماية بعض سادة قريش ممن تعاطفوا مع بعض المسلمين بسبب أواصر الدم والنسب، أو الصداقة أو بدوافع أخلاقية ذاتية، أو أسلوب الهجرة، كهجرة الحبشة الأولى الثانية إلى ملك عادل لا يظلم أحدا عنده وقد حققت هذه الأدوات كلها نجاحا ملحوظا وإن تفاوتت درجاته ولم يمنع ذلك أيضا أن حوصر المسلمين في شعب أبي طالب ثلاث سنوات وتعذيب كثير من المسلمين ومات بعض المسلمين تحت التعذيب كما تعرض الكثيرون منهم لإصابات بالغة وخطيرة، وذلك لحكمة أرادها الله تعالى.
وثالثهما سعى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لإقامة دولة الإسلام في مكة أو بلد غير مكة، وذلك عبر دعوة كبار ورؤساء العديد من قبائل الجزيرة العربية للإسلام والتعاهد على النضال من أجل حماية دعوة الإسلام، وخاصة في مواسم الحج أو ذهب بنفسه الطاهرة الشريفة للطائف حيث عرض دعوته على زعمائها فرفضوا الإسلام،..و قد أثمرت هذه الدعوات أن أمن بعض الزعماء مثل الطفيل بن عمرو وكان الفتح بإيمان بعض من الأوس والخزرج وتلاها بيعة العقبة الأولى والثانية.
قواعد مهمة في بناء الأمة
وعندما انتقل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة بأت مرحلة جديدة من تاريخ الإسلام، وميلاد أمة الإسلام وبدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- إقامة دولة وأمة الإسلام على مجموعة من القواعد المهمة منها:
التربية المتأنية للأمة وذلك على معنى مراقبة الله رب العالمين لكل أعمالنا، وأن هناك يوما حتما سيأتي، سيحاسب فيه الله عز وجل البشر أجمعين ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾(الزَّلزلة: 7-8)
وتفعيل دور المسجد ليصبح له دور في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا.
والوحدة بين المسلمين ورأينا ذلك في التوحيد بين الأوس والخزرج، ورأيناه كذلك في المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وإذابة الفوارق القبلية بين المسلمين؛ ليصبح أمر العقيدة هو الرابط الرئيسي الذي يربط بين المسلمين. إضافة إلى الروابط بين الإنسان ورحمه، وبين الإنسان وعشيرته، في أُطر شرعية محددة تفيد في بناء الأمة الإسلامية.
وأخيرا فقه الواقع وهو يعني دراسة المتغيرات الموجودة في الواقع، وتحديد طرق التعامل مع كل أزمة حسب حجمها، وحسب الظروف التي تصاحب كل أزمة، ومن ثم يضع المسلم الحل المناسب في ضوء الشرع ومن ذلك الواقع سواء الصلح بين الأوس والخزرج أو استيعاب المهاجرين في المجتمع المدني، بل تفعيلهم في بناء الأمة، فتحولوا إلى قوة فاعلة تضيف إلى خير المدينة وقوتها.و استقدام بعض المسلمين من الحبشة والإبقاء على البعض لحين استقرار الأوضاع.وبعض المسلمين في القبائل البعيدة عن المدينة، لينشروا الإسلام فيها، ولكي يوسعوا نطاق الحركة الدعوية في الجزيرة العربية.
ومع المستضعفين من المسلمين في مكة الذين لا يستطيعون الهجرة عليهم كتمان الإسلام قدر المستطاع وتجنب الصراع مع المشركين؛ لكي لا يستأصلوا إلى أن يأتي الله عزَّ وجل بأمره.ومع المشركين في المدينة أو المنافقين الدعوة بالتي هي أحسن، ومحاولة ضم العناصر الطيبة منهم إلى الأمة الإسلامية، وتجنب الصراع أو الصدام معهم، حتى لا يدخل في صراعات داخلية تضعف من بنيان الأمة الإسلاميّة الناشئة.
ومع المشركين من الأعراب حول المدينة حاول -صلى الله عليه وسلم- أن يصل بالدعوة إليهم قدر ما يستطيع، ثم أظهر لهم القوة حتى لا يفكروا في الإغارة على المدينة المنورة، أو على قوافل المسلمين حول المدينة المنورة.
ومع القبائل المشركة الكبرى حول المدينة عقد معاهدات ومحالفات تقوم في أساسها على حسن الجوار، وعدم الاعتداء، أما طائفتي مشركو مكة واليهود. فتهامل معهم حسب استراتيجيتهم التي بينها القرآن الكيم ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾(المائدة: 82) فكان الصلح معهم تارة والحرب تارة حتى فتح الله عليه ببناء وميلاد الأمة في الجزيرة العربية.
وأخيرا يجب أن تعيش الأمة رسالتها إذا رغبت أن تحيى عزيزة مهابة الجانب، وإلا عوقبت وسلط عليها طغاتها وأهواءها وأعداءها، وهذه سنة الله في المتنكبين للطريق والمتنكرين له.
فلنتواصى بـ:
قراءة سيرة وهدي الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتعليمها ونشرها لمن حولنا
تعهُّد مجموعة من سنن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وتطبيقها والدعوة إليها ونشرها
ورد ثابت يومي للصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
الأخذ بالأسباب في تطوير وتحسين النفس وتزكيتها (إيمانيًا وخلقيًا ومهنيًا….)
ولنعمل بوصية الأستاذ "الوحدة وتحسين العمل"
أضف تعليقك