بقلم.. عامر شماخ
سيموت "النذل" مثلما يموت كلُّ الناس، لكنه –لخيبته- لا يدرك هذه الحقيقة، فيعيش بائسًا ويموت ذليلًا، لا يجد من يشيعه أو يترحم عليه، حتى الأقربون إليه لا يتحمسون له وربما وجدوا فى موته راحة من اللمز والمعايرة.
"النذل" هو كل من عدم مروءته وفقد إنسانيته وصار دعمًا للباطل بوقًا للظالم، لا ينهاه دين ولا عرف وقد ذهب حياؤه وجف ماء وجهه بعدما اتبع هواه وأسلم قياده لنفسه الأمارة بالسوء.
وما أكثر هذه "الأشكال" اليوم فى زمن هو كزمن لوط، علا فيه صوت الرذيلة حتى نافست الفضيلة، وأمسك الفُسَّاق بمقود الرأى العام يشيعون الفاحشة بين الذين آمنوا ويبغونها عوجًا بضلالهم ودجلهم. رأيناهم يطلقون الشائعات، ويكذبون ويتحرون الكذب، ويرمون الناس بداءاتهم، ويكرمون اللئيم ويهينون العظيم، ولا يترددون فى إعلان الشىء ونقيضه، ويجادلون فى ذلك بالباطل، وقد اجتمعت فيهم خلال أهل العيب والمنقصة.
ولا يزال الموت يتخطف كل يوم منهم واحدًا فما وُعظ الآخرون، ولا يزال أسيادهم شياطين الإنس يلقون بهم فى غياهب السجون أو يخرجونهم من بلادهم أو يستغنون عن خدماتهم ويغضبون عليهم فما وُعظ غيرهم، بل العجيب أنهم يزيدون من جرعة نذالتهم وخستهم باتهام البرءاء وشتم الشرفاء والادعاء على أولياء الله الصالحين، مثلهم كمثل المرأة التى سقطت فى وحل البغاء فصعُب عليها الرجوع إلى شاطئ الفضيلة فازدادت فُجرًا وربما فاخرتْ بفسقها.
أطلق أحدهم يومًا جملة "نكاح الجهاد" على أطهر نساء اليوم، ولم يتردد فى التنقل بين القنوات ناشرًا هذا الإفك العظيم، فرأينا كرامة الأولياء فيه، وكان الجزاء فوريًّا ومن جنس العمل؛ إذ انتشرت "فيديوهات" لابنته وهى تمارس الزنى مع أحد الأشقياء، ثم اتُهم هو بتلقى رشوة قُدرت بأربعة ملايين جنيه، وألبسه محاموه النقاب فى جلسات المحكمة لئلا تصوره الكاميرات، وكان ادعى أيضًا أن "بديع" ضُبط لابسًا النقاب، ثم قُبض على ابنه الكبير فى قضية سطو مسلح على سيارة نقل أموال وحُكم عليه بعشر سنين، ثم انتحر ابنه الصغير الذى أدمن مشاهدة لعبة "الحوت الأزرق"، وهو يعيش الآن خارج البلاد طريدًا مطلوبًا للعدالة.. ولم ينته قدرُ الله بعدُ فى هؤلاء الأنذال.
حكى لى أحدهم، وهو قريب، وكان قد وصل إلى منصب كبير فى حزب من أحزابهم، أنه لما بدأ فى نقدهم واستنكار ما يفعلونه تكاثروا عليه، واستغلوا تلك "السقطة" منه وأكثروا الوشاية عليه، وهو وسط موبوء بمساوئ الأخلاق، فنصحه كبير على علاقة طيبة به أن يترك بلده والحزب ويرحل إلى مدينة أخرى، ولأنه يثق فى هذا "الكبير" فقد غادر بالفعل بلدته وترك بيته وأملاكه؛ ليتأكد بعدها أنهم كانوا قد أعدوا العدة لتوريطه واتهامه بأنه "عضو فى الإخوان"!
غدًا سيموت الأنذال، كل الأنذال، وسيرث أبناؤهم هذا الإرث المخزى، وسيعلمون أن آباءهم كانوا مطية لعصابات الحكم فألزموهم خدمتهم بألسنتهم، واللسان فتنة، وكم من دم أهرق بسبب كلمة، وكم من بيوت خربت بسبب هؤلاء الجهلة الذين تقمصوا أدوار سحرة فرعون غير أن الآخيرين أسلموا لله رب العالمين لما رأوا آياته، أما هؤلاء فلا عقل لهم، إنما ينظرون تحت أقدامهم وينتظرون مصلحة اللحظة؛ من ثم فإن موتهم هو أقرب لموت رأس النفاق (ابن سلول) الذى مات فلم ينعه أحد ولم يأسف عليه قريب أو بعيد.
إن الحر لا يقبل الدنية، ولا يقبل أن يكون ذنبًا تابعًا لا رأى له، ومن يفعل ذلك فهو مختلّ العقل شاذ الفكر، ومن ظن أن اتّباع المستبد قد يأتى إليه بنفع فقد باع آخرته بدنيا غيره، فإن مجرد الركون إليهم يجر على صاحبه عذاب النار، وهو من الآمال الكاذبة، والأمانى الخادعة (ألا أيها المغرور مالك تلعبُ… تؤملُ آمالًا وموتُك أقربُ)؛ فإن الأسياد لن يغنوا عنه من الله شيئًا، ولن يغنى عنه مالٌ حصله ولا شهرةٌ صنعها ولا ولدٌ أعقبه (لم تغن عن هرمز يومًا خزائنُه.. والخلدَ قد حاولت عادٌ فما خلدوا)، والموت عند الحر أهون من البقاء فى مثل هذه التبعية الذليلة (شُمُّ الأنوف يرون الموت مكرمة… حين الحياة لها بالذل إقبال).
وإن هلاك أحد الظالمين أو أحد أشياعهم، وربما لم يكن هذا الهلاك متوقعًا أو جاءهم من حيث لم يحتسبوا –إنما هو درس للمحبطين واليائسين والمستعجلين الذين لا يوقنون؛ فإن أجل هؤلاء آت آت ولو لم نره، وقدر الله فيهم وعقابه إياهم فى الدنيا نافذ نافذ وإن لم نعاينه: (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ أوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ) [الزخرف: 41، 42]، (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ) [غافر: 77]، وسوف يمنُّ الله على المؤمنين ويجعلهم هم الأعلون، الأحق بالريادة (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) [القصص: 5].
أضف تعليقك