• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

للمرة الرابعة أو الخامسة في سبع سنين، يتحدث الجنرال المصري عبد الفتاح السيسي بغضب شديد تجاه القنوات المصرية المعارضة التي تبث من خارج مصر وتحديدا من تركيا، السيسي هذه المرة اتهم قنوات الخارج بأنها تنشر الأكاذيب وتهاجم الدولة المصرية وتنشر صورا غير حقيقية عن الأوضاع في الداخل المصري.

أثناء عملي في قناة مكملين الفضائية وهي تخطو خطواتها الأولى عام 2014، كنت شاهدا على المرة الأولى التي استطاعت فيها تلك القنوات إغضاب السيسي على الهواء مباشرة.. كانت التسريبات الصوتية التي تفضح السيسي ونظامه تأتينا تباعا، وكان أبرزها وأكثرها انتشارا وتأثيرا تلك التي سب فيها السيسي دول وزعماء الخليج.

بعدها (التسريبات عن الخليج) بأيام، وتحديدا منتصف شهر شباط/ فبراير ٢٠١٥، خرج الجنرال في فيديو مسجل اسمه "حديث الرئيس" ليتحدث عن حروب الجيل الرابع، وليقسم أنه سجل أكثر من ألف ساعة ولم يتحدث بسوء عن أي من الزعماء العرب، في إشارة مباشرة لتسريب السيسي الذي يحتقر فيه الخليج والذي أذاعته قناة مكملين.

خرج السيسي بعدها بسنوات ليتحدث عن قنوات المعارضة في الخارج، ولكن في هذه المرة لم يكن يدافع عن نفسه، وإنما هدد العاملين في تلك القنوات من مذيعين وغيرهم بأنه لن يتركهم دون حساب، وبأنه سيستمر في ملاحقتهم ما دام في السلطة. وهذا ما قد حدث بعدها بأشهر قليلة.. بلاغات للإنتربول الدولي بحق الصحفيين العاملين في تلك القنوات، ثم أحكام قضائية بالسجن لفترات تتراوح ما بين خمس سنوات إلى 15 سنة، ثم إدراج أغلب المذيعين العاملين في تلك القنوات على قوائم الإرهاب ووضع أسمائهم على قوائم ترقب الوصول، ومنعهم من استخراج أو تجديد جوازات سفرهم.

منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2014، استيقظ المعسكر المعارض للانقلاب العسكري في مصر على إغلاق مفاجئ لقناة الجزيرة مباشر مصر، والتي كانت تعد المنبر الإعلامي الأبرز والأكثر تأثيرا في المشهد المصري بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، ثم تعاظم دورها الإعلامي في أحداث رابعة العدوية وما بعدها. ولكن الواقع السياسي في الخليج تغير ليتم إغلاق القناة بشكل مفاجئ، لا زلت أتذكر هذا اليوم ونحن في غرفة الأخبار الصغيرة لقناة مكملين وكلنا ينظر إلى الآخر ولسان حاله يقول: "الآن وإلا فلا".

قبلها بعشرة أيام كنا على موعد مع أول تسريب صوتي من داخل مكتب السيسي، وعرف العالم من خلاله قناة مكملين الفضائية، ثم أعقبه بأيام تسريب آخر أذاعته قناة الشرق الفضائية عن مجزرة عربة الترحيلات، لتضع حينها تلك القنوات ومعها قناة "مصر الآن" أولى لبنات النجاح ولتخترق دوائر التأثير الإعلامي لدى قطاع ليس بالقليل من الجمهور المصري في الداخل والخارج. يوما بعد الآخر كانت تلك القنوات تتوسع في كوادرها، وتبني خبرات أكبر وتوفر فرصا تدريبية للعديد من العاملين فيها، وكانت في نفس الوقت تكسب أرضا جديدا هناك في مصر، وتسحب البساط من تحت أقدام قنوات مدينة الإنتاج الإعلامي التابعة لإدارة السيسي في مصر.

في كل عام تتعالى بعض الأصوات الدخيلة على المعسكر الرافض للانقلاب العسكري في مصر، لتطالب تارة بإغلاق تلك القنوات وتارة أخرى باتهام أصحابها والقائمين عليها بتهم لا تختلف كثيرا عن تلك التي يوجهها لهم أحمد موسى ومصطفى بكري. النظام يبدو أنه لم يعد قادرا على مواجهة تأثير تلك القنوات على المواطن المصري فقرر محاربتها من الداخل، وبدأ في ترويج خطاب مفاده أنه لا قيمة لتلك القنوات؛ اللهم إلا منافع شخصية لبعض القائمين عليها، وتلك أكذوبة كبيرة.

ما الذي حققته تلك القنوات؟

باختصار شديد ومن خلال مراقبتي لتلك التجارب كوني كنت أحد مؤسسيها، أقول في أربع نقاط:

أولا: قنوات يحاربها السيسي بشكل يومي من خلال استهداف أصحابها والعاملين فيها، ومطاردة أبرز مذيعيها ومحاولات تشويهم والتضييق عليهم، واعتقال أسرهم وهدم منازلهم داخل مصر، فإن كانت تلك قنوات فاشلة وغير مؤثرة، فلماذا ينزعج منها النظام في مصر بهذا الشكل؟

ثانيا: إن قنوات فضائية باتت هدفا رئيسيا لمحور الثورة المضادة في أبو ظبي والرياض، وأصبحت في مرمى نيران الإعلام السعودي والإماراتي، وتحولت لأوراق ضغط في أزمة حصار قطر. فهذه الدولة تطالب بإغلاقها، وتلك الدولة تطالب بتسليم العاملين فيها، وهذا ما هو إلا دليل آخر على أن قنوات بإمكانات صغيرة قد أزعجت مئات المليارات الخليجية التي تدعم الديكتاتوريات في العالم العربي.

ثالثا: ماذا لو لم تكن تلك القنوات موجودة؟ الإجابة ببساطة كانت مصر لتعيش نكسة جديدة كالتي عشناها في نكسة 1967، ولكن الفارق أن في عهد عبد الناصر كانت إسرائيل تحتل أراضي سيناء بأكملها في الوقت الذي كان أحمد سعيد وإعلام السلطة يقنع المصريين بحصر أعداد الطائرات الإسرائيلية التي أسقطها الجيش المصري.

لو لم تكن مكملين والشرق وغيرهما لتنازل السيسي عن تيران وصنافير ومياه النيل وغاز مصر، ولقتل من قتل وحبس من حبس؛ ولما عرف المصريون شيئا عن تلك الجرائم.

أخيرا، وهو السبب الأهم لوجود تلك القنوات ولو لم يبق إلا هذا السبب لكفى ووفى، أنها لا زالت تمثل مصدرا للأمل لقطاع كبير من المعتقلين القابعين خلف الأسوار، لا زالت تلك القنوات تحكي عن معاناتهم وتعمل من أجلهم وتطالب بفك أسرهم، وهذا لو تعلمون عظيم على نفس كل معتقل لا يبقيه على قيد الحياة إلا الأمل بأن هناك في الخارج من لا زال يتحدث عنه.

أضف تعليقك