بقلم : عصام تليمة
ناقشت في مقالي السابق سريعا بعض أسباب خلع الحجاب، وتركت سببا مهما من الأسباب التي تؤدي لخلعه، وهو: التشدد، سواء كان التشدد مبنيا على أسس دينية، أم أسس عائلية وقبلية، فالحجاب واجب شرعي، تقوم بارتدائه المسلمة تنفيذا لأمر دينها به، وليس لعلة التقاليد والعائلة والناس.
ومن خلال عملي بالدعوة إلى الله لسنوات طويلة، رصدت عدة مواقف تبين التشدد كسبب مهم لخلع عدد من المحجباب لحجابهن، سواء كان التشدد ممن ارتدت الحجاب، أم من البيئة المحيطة بها، أم من المشايخ الذي يدعون إلى الحجاب، أم من المتدينين الذي يعبرون عن الدين بطريقة خطأ، فيؤدي ذلك إلى نفور الناس من التدين.
ولنبدأ بتشدد المحجبة نفسها.. فبعض الحالات تدخل عالم التدين، وقد كانت قبل تدينها تفعل ما تريد، وافق الشرع أم خالفه، وعلى رأس ذلك اللباس الصارخ في ثيابها، ثم يشرح الله صدرها للتدين، هذا كلام جميل، لكن عددا منهن لا يرزقن بمن يمارس معهن الدعوة بالحكمة، فتريد أن تفعل في يوم أو أسبوع ما كانت تفعل عكسه طوال حياتها، من (ميك أب)، وثياب، إلى النقيض تماما، فيحدث ذلك تشددا زائدا عن الحد، يصل للتطرف أحيانا في الرأي والعمل، فكانت متطرفة في تركها للتدين، ثم أصبحت متطرفة في التدين، ثم بعدها تصاب بحالة إحباط لأي سبب ما، فترجع كما كانت وأكثر مما كانت للأسف.
وهي حالة تحدث مع كثيرين من المتدينين الجدد، أو المتدينات كذلك، تبدأ تتدين، ثم تصلي، ثم تكثر من النوافل بما لا تطيق، ثم تذهب لحفظ القرآن بكثرة، كل ذلك خير، لكنه لن يستمر، لأن البادئ بدأ به بما لا يطيق، فما يحدث أنه يمر أسبوع أو أكثر، ثم مستوى الحفظ للقرآن يقل، وربما يفتر تماما، ولذلك اشتهر الأثر القائل: إن المنبت لا أرضا قطع، ولا ظهرا أبقى.
وكانت تشريعات الإسلام تأتي بالتوسط، وهو ما قاله صلى الله عليه وسلم حينما رأى حبلا مربوطا بين عمودين في المسجد، فسأل عن ذلك، فقالوا: إنه حبل لزينب تصلي، فإذا تعبت تعلقت به، فنهى عن ذلك، وأمر أن يصلي الإنسان ما وجد نشاطا، فإذا تعب نال قسطا من الراحة، والنبي صلى الله عليه وسلم نفسه، كان لا يكثر من المواعظ مع صحابته، وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة كراهية السآمة علينا. أي: يقول لنا موعظة قصيرة، وكل فترة، وهو من لا يمل أحد كلامه صلى الله عليه وسلم، ولكنها النفس البشرية التي يجب أن نراعيها في كل شيء.
وقد تكون حالة التشدد من البيت الذي تنشأ فيه المحجبة، فيكون كل شيء بالأمر، لا مكان للإقناع، ولا للحوار، ولو فتحت الفتاة فمها وسألت: لماذا نرتدي الحجاب؟ مثلا، لوجدت ردا قاسيا، رغم أن الفقهاء ناقشوا طويلا في كتبهم: هل أحكام التشريع معللة أم لا؟ ومال الكثيرون إلى أنها معللة، فكما علل الله عز وجل الخلق فقال: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فلا بد أن تكون أوامره كذلك لها علة وحكمة، سواء عرفنا هذه الحكمة أم لم نعرفها. وعندما تجد الفتاة فرصة تملك فيها القرار، تقوم بخلعه، لأنها لم تلبسه عن قناعة، ولا عن قرار منها.
أضف تعليقك