• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: عبدالرحمن يوسف

من الذي يضع قواعد اللعبة؟

هذا السؤال يتغافل عنه الكثيرون حين يبدأون في التحليل السياسي في وضع إقليمي ودولي بالغ التعقيد!

من يضع أو "يشارك" في وضع قواعد أي لعبة عليه مسؤولية كبرى، لأن جميع اللاعبين سيخضعون لها لفترة قصيرة أو طويلة.

الوضع السياسي الحالي ليس إلا نتاج عقود من التفاعلات، جرت فيها آلاف الأحداث، ولن نفهمه إلا بالعودة إلى الوراء لفهم التطور التاريخي الذي أدى إلى "الوضع الحالي".

من سوء حظ وطننا العربي أن الأنظمة العربية التي شاركت في وضع قواعد اللعبة هي أذناب الاستعمار.. مجموعة من الخونة، الوطن بالنسبة لهم سلطة ومال، والشعب عدوهم الحقيقي، فتجد جميع مؤسسات القوة لديهم جاهزة لقمع حريات الداخل، لا لمواجهة أطماع أعداء الخارج، لذلك شارك هؤلاء في وضع قواعد اللعبة التي تضمن تفوق الاستعمار، وبقاءهم في السلطة كخدم أو وكيل للمستعمر.

في مسألة التطبيع.. شاركت مصر في وضع قواعد اللعبة في عصر السادات بما يضمن تفوق إسرائيل، وأصبح لحاق العرب بقطار الخيانة والتطبيع مسألة وقت.

علاقات الأنظمة العربية بإسرائيل تمتد إلى ما قبل إعلان قيامها، لقد تأسست المملكة العربية السعودية – على سبيل المثال – مقابل ترتيبات كثيرة، من ضمنها الاعتراف بوعد بلفور.

قواعد اللعبة في التعامل مع إسرائيل بالحرب، ثم بعد ذلك بعلاقات سرية وضعتها الدول العربية الكبرى، واليوم تأتي بعض الدول الصغرى لتعلن علاقات السفاح.. ليصبح سفاحا على يد مأذون.. والمأذون هو أمريكا.

إعلان دولة الإمارات العربية التطبيع الكامل مع إسرائيل ليس فيه أي جديد، وليس مفاجئا، بل هو "تحصيل حاصل".. إنها علاقة سفاح مشهرة، ونتج عنها بنات وبنون.. أبناء زايد يعيشون مع الصهاينة منذ سنوات طوال "في تبات ونبات"!

ولكن.. للأمانة التاريخية.. دولة "المؤامرات" لم تضع قواعد اللعبة.. قواعد اللعبة بعضها تمت كتابته قبل تأسيسها أصلا، والبعض الآخر تم وضعه في عصور لم يكن فيها "أبو رغال" في السلطة بعد، ولكن ذلك لا يعفي تلك الدولة من المسؤولية عن الوضع الحالي، فلا يوجد أي مبرر للانتقال إلى مرحلة أكثر تقدما في العلاقات مع الصهاينة.. اللهم إلا إذا كانت قواعد اللعبة على مزاج من هم في السلطة الآن.

هل قواعد اللعبة على مزاج من في السلطة الآن؟

الحقيقة أن الأمر أسوأ من ذلك بكثير.. ذلك أن الغالبية العظمى من الجالسين على كراسي الحكم في الدول العربية.. ليسوا إلا نتاجا لقواعد اللعبة تلك.. أي أن قواعد اللعبة أنتجت قيادات لا تملك سببا للبقاء في السلطة سوى أن تعمل لحساب إسرائيل آناء الليل وأطراف النهار.

السياسي لا يحب.. ولا يكره.. ولكن هؤلاء ستجدهم يحبون إسرائيل.. إنها ولي نعمتهم، وسبب وجودهم الوحيد، وبدونها سيُسحلون في الشوارع.. ولو هربوا من ثورة الجماهير لن يجدوا مأوى لهم في الكوكب كله، بعد أن ارتكبوا الآلاف من جرائم الحروب في عشرات الدول (إرضاء لإسرائيل أيضا).

ماذا عن قطر وتركيا؟

كثير من الناس يتهرب من الإجابة عن هذا السؤال.. لأن فهمهم وتأصيلهم السياسي للأمر غير مكتمل، فتغلبهم عواطفهم!

الحقيقة أن قطر وتركيا تخضعان أيضا لإجبار "قواعد اللعبة"!

قطر في إعلام الثورة المضادة موصوفة  بكل صفات الضعف والصغر، "جزيرة سلوى"، يعيرونها بأنها دولة "صغيرة"، إلا حين يأتي الحديث عن موضوعين.. الأول: إسرائيل، والثاني: ما يسمى بالإرهاب.. ستجد حينها قطر في الوسائل الإعلامية التي تصفها دائما بالصغر أصبحت دولة عظمى، تتحكم في مفاصل الدنيا، وتُشَغِّل وسائل الإعلام في العالم كله لحسابها، وتدعم كل بنادق العالم التي تعكر "السلم العالمي"، وهي عرّابة التطبيع مع إسرائيل، وهي الدولة العربية الخائنة التي تتآمر على العروبة والإسلام (لحساب إسرائيل طبعا).

ستجد أن الإمارات تفتح سفارة لإسرائيل في أبو ظبي، فيصفونها بالخطوة التاريخية.. أما قطر التي أغلقت مكتب التمثيل التجاري احتجاجا على قصف غزة.. فهي "قطرائيل"!

تركيا.. رغم أنها دولة كبيرة، إلا أن القيادة الحالية ليست هي من وضع قواعد اللعبة في مسألة التعامل مع إسرائيل.. قواعد اللعبة وضعت في أربعينيات القرن الماضي حين تأسست إسرائيل، واستمرت العلاقات بينهما سمنا على عسل لعشرات السنين.. في جميع المجالات المدنية والعسكرية!

القيادة التركية الحالية في بداية وصولها للسلطة.. خضعت لقواعد اللعبة، ولم تكن تلك القيادة تملك إلا ذلك.. بل إن قواعد اللعبة السياسية التي كانت موجودة في الداخل التركي برغم ما فيها من ظلم.. احترمتها أيضا!

ولكن مع مرور الوقت تمكنت تلك القيادة من تعديل الكثير من قواعد اللعبة في الداخل والخارج، وتخففت من أعباء وشكليات، وأصبحت تتعامل مع كثير من الدول (ومنها الكيان الصهيوني) معاملة الندّ للندّ..

تركيا حتى اليوم لم تتخلص من العلاقات مع الكيان الصهيوني، ولا أظنها ستتخلص من هذا العبء قريبا، والسبب في ذلك أن هذا الأمر لا يمكن أن تقوم به دولة واحدة لوحدها، بل يحتاج تحركا جماعيا كبيرا، مجموعة من الدول يحمي بعضها بعضا، ويتقوى بعضها ببعض، حينها يمكن اتخاذ قرارات سياسية مدعومة بقوى شعبية وعسكرية تحميها.. أما تصرف دولة واحدة مهما بلغت من القوة فهو قفزة في المجهول.

سيسأل سائل: "كيف نفرق بين من يضع قواعد اللعبة وبين من يخضع لقواعد اللعبة مضطرا؟".

أو بمعنى آخر.. "كيف يمكن أن نعرف الدولة التي يمتثل قادتها لقواعد اللعبة مضطرين، وبين من يعشق إسرائيل عشقا حقيقيا، ويخدمها من كل قلبه؟".

هناك عشرات العلامات.. ولكن أهمها علامتان..

العلامة الأولى: تحريم العمل الخيري الذي يعين الفلسطينيين على أعباء الحياة.

قطر على سبيل المثال.. لها علاقات مع إسرائيل.. ولكنها تعتبر جمع التبرعات الخيرية للفلسطينيين عملا مباحا، فتترك المؤسسات الخيرية تفعل ذلك في وضح النهار، والمواطنون والمقيمون يتبرعون بما يشاؤون، بل إنها تترك الفرصة للحديث عن مقاومة التطبيع في وسائلها الإعلامية، بحيث يظل التطبيع "عملا مذموما" حتى لو قامت به الدولة، بل إن الدولة نفسها تدعم الفلسطينيين دعما مباشرا أمام العالم كله (برغم ما في ذلك من مخاطر على النظام).

وهناك دول أخرى تعتبر ذلك كله تمويلا للإرهاب.. وتعتبر الحديث عن رفض التطبيع رفضا "للآخر"، وتحاكم أي مواطن يتجرأ على نقد الكيان الصهيوني، أو على دعم الفلسطينيين بأي تبرع أو عمل خيري!

الإمارات تحرم العمل الخيري دعما لفلسطين، وحين أرسلت وفدا "خيريا" لغزة أثناء الحرب الأخيرة، تبيّن أنه وفد مخابراتي هدفه التجسس لمعرفة مواقع المقاومة.. وهو ما يقودنا إلى العلامة الثانية..

العلامة الثانية: التعاون المخابراتي مع إسرائيل ضد المقاومة.. ستجد مصر والإمارات والسعودية (ودولا عربية أخرى نعلمها جميعا) تعمل بتنسيق كامل مع الموساد، بل إن بعض الجرائم التي لا يستطيع الموساد ارتكابها تقوم بها أجهزة المخابرات العربية تلك بالنيابة عنها.. (بإمكانك تذكر عشرات الجرائم التي ارتكبتها المخابرات المصرية ضد المقاومة الفلسطينية منذ عصر السادات إلى اليوم.. بإمكانك تذكر اغتيال المبحوح في دبي.. بإمكانك تذكر الأستاذ محمد الخضري مسؤول حركة حماس المعتقل في سجون السعودية رغم مرضه.. الخ).

هذه الدول تمدّ إسرائيل بالمعلومات، وتمنع عن المقاومة جميع أشكال الدعم، وتعتقل (أو تقتل) قيادات حركات المقاومة التي قد يتصادف وجودها في أراضيهم لأي سبب.

هل تعتبر هذه المقالة دفاعا عن قطر وتركيا؟

الحقيقة أن إجابة هذا السؤال لا يمكن إلا أجيب عليها بكلمة طز بين قوسين.. لأن تخويفنا من إعلان تحيزاتنا، وتحالفاتنا الدولية والإقليمية أصبح أمرا مقززا، خصوصا حين يقوم به مجرمون أو مخبرون غارقون من قمة رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم في التطبيع والتطبيل.. آن للمرتزقة أن يستحوا، وآن للأحرار أن يجهروا بآرائهم.. وليرض من يرض، وليسخط من يسخط!

أضف تعليقك