على غرار مدينة أم الرشراش المصرية (إيلات الإسرائيلية حاليا) يتخوف مصريون من أن تسقط جزيرتا تيران وصنافير من ذاكرة الأجيال القادمة، خاصة في ظل ما يصفونها بسلسلة التنازلات والتفريط التي قام بها نظام الانقلاب، مثل سد النهضة وغاز شرق المتوسط.
وأذكت الذكرى الثالثة لتصديق مجلس النواب بحكومة الانقلاب على التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، مشاعر الغضب لدى كثير من المصريين الرافضين لما وصفوها بـ"الجريمة والخيانة العظمى التي تستوجب المحاكمة".
وكانت للجزيرتين أهمية إستراتيجية كبيرة لدورهما في التأمين الدفاعي الإستراتيجي للجزء الجنوبي لشبه جزيرة سيناء والمياه الإقليمية المصرية في البحر الأحمر، وتمكينهما مصر من إغلاق خليج العقبة بالكامل في حال اندلاع أي حرب مع إسرائيل.
وللمرة الأولى في التاريخ، صدق برلمان الانقلاب منتصف يونيو2017 على اتفاقية تعيين الحدود البحرية مع السعودية، والتي تتضمن التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير بالبحر الأحمر.
وفي أغسطس من العام ذاته، صدق رئيس الانقلاب على الاتفاقية التي أقرها البرلمان، ونشرت الجريدة الرسمية القرار الجمهوري رقم 607 لسنة 2016 بشأن اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين البلدين، والموقعة في أبريل 2016.
وفجرت الاتفاقية معارك قضائية بين الحكومة والمعارضين للقرار، وقضت محكمة القضاء الإداري ببطلان الاتفاقية وتبعية الجزيرتين لمصر، لكن المحكمة الدستورية العليا، أعلى محكمة بالبلاد، قضت في مارس 2018 بصحة إقرار الاتفاقية.
اندلعت مظاهرات واحتجاجات اعتراضا على الاتفاقية، أشهرها مظاهرات "جمعة الأرض"، لكن سلطات الانقلاب قمعت كل الاحتجاجات، وألقت القبض على مئات المحتجين، ولم تسمح بتنظيم أي مظاهرة أو وقفة احتجاجية ضد قرارها.
يصف المعارض المصري اليساري أبو المعاطي السندوبي، أحد المشاركين في الاحتجاجات، تعامل قوات الأمن مع المحتجين آنذاك بالوحشي، قائلا "القمع والتنكيل لكل الاحتجاجات السلمية التي قمنا بها بما فيها على سلالم وفي محيط مبنى نقابة الصحفيين بوسط البلد، كان وحشيا وغير آدمي".
وفي حديثه للجزيرة نت، قال السندوبي إن وصف نظام السيسي بالحكم العسكري غير دقيق، لأنه لا يوجد نظام عسكري في تاريخ العسكرية حرر أرضا ثم تنازل عنها طواعية لدولة ثالثة، ولنا في حكم العسكر للأرجنتين خير مثال عندما قاوموا الإنجليز بشجاعة في صراعهم على جزر فوكلاند.
ورأى المعارض المصري أن حدود التنازل عند نظام السيسي لم تنته عند تيران وصنافير، بل "امتدت إلى حقوق مصر البحرية على البحر المتوسط، والتنازل عن حقول الغاز لصالح الكيان الإسرائيلي في ترسيمه للحدود مع قبرص، وتفريطه في حقوق مصر من مياه النيل، وهذا كله من عمل العملاء والمرتزقة الذين ينهبون الثروات ويدمرون الشعوب، لكنهم يتحدثون لغتنا وشكلهم من شكلنا".
وبدوره، يعتبر المرشح الرئاسي الأسبق أيمن نور أن التفريط في جزيرتي تيران وصنافير هو تفريط في أمن مصر القومي والعربي، حيث أفقد مصر موقعين جغرافيين إستراتيجيين في المنطقة، وهما أحد مفاتيح النصر والقوة بيد مصر ضد إسرائيل، مؤكدا أن أهميتهما الجيوسياسية لا تقدر بثمن، لكن إسرائيل حصلت عليها مجانا بتحويل الممرات البحرية لممرات دولية وليست مصرية.
وفي حديثه للجزيرة نت، ندد نور بتصديق البرلمان على الاتفاقية، قائلا "نحن أمام ذكرى حزينة في تاريخ الشعب المصري، يوم أن تصدى البرلمان لهذه المهمة ضاربا بعرض الحائط أحكام القضاء الذي قطع بمصرية الجزيرتين".
وأكد أن التفريط في الجزيرتين يصل للخيانة العظمى، وسيكون له مردود في أي مواجهة عسكرية محتملة في المستقبل، وفي الوزن الإستراتيجي للقوة العسكرية الإسرائيلية بالبحر الأحمر، لكنه شدد على أن سقوط الجزيرتين من خريطة النظام الحالي لا يعني سقوطهما من ذاكرة المصريين.
ويتخوف المتحدث الرسمي السابق باسم الجبهة الوطنية للتغيير سمير عليش من تساقط ذكرى التنازل عن الجزيرتين من ذاكرة الأجيال القادمة بسبب الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تمارس عليهم.
وفي حديثه للجزيرة نت، دلل عليش على مخاوفه بسقوط أم الرشراش من ذاكرة المصريين، رغم أهميتها الإستراتيجية المصرية والعربية أيضا، مشيرا إلى أن ما فعله البرلمان المصري ينزع عنه صفة المجلس النيابي، لافتا إلى أن التنازل عن الجزيرتين هو أول جزء من الصفقة الكبرى المتعلقة بسلسلة تنازلات في القدس والجولان وغيرهما.
ووصف عليش يوم تصديق البرلمان المصري على التنازل عن الجزيرتين بأنه يوم إهانة العدالة في مصر، فكيف لنواب يصادقون على اتفاقية أبطلتها المحكمة العليا للقضاء الإداري أي يقبلوا بذلك؟ مضيفا "لكن يجب أن نحذر من أن سقوط العدالة يعني سقوط الدولة، كما أنه يغير من التاريخ المعاصر باعتبار أن مصر دولة معتدية في حرب 1967 وليست معتدى عليها".
أضف تعليقك