“عك” كلمة أعتقد أنها مصرية صميمة، وقد رأيتها مناسبة جدا لوصف الوضع الحالي في ليبيا، والكلام في هذا الموضوع يطول، ولذلك اخترت زاوية واحدة فقط للحديث عنها أراها غريبة جدا وتدخل في دنيا العجائب، ولم تحدث من قبل في تاريخ الحروب الأهلية بالوطن العربي من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر، بتعبير إذاعة صوت العرب أيام زمان.. نعم نشهد حروبا أهلية في سوريا والعراق واليمن وقبلها في الجزائر ولبنان، ولكن ما يجري في ليبيا حاليا “حاجة تانية مختلفة”!.
ولا شك أن كلامي أثار دهشتك وحضرتك تتساءل عن السبب الذي دفعني إلى القول إنها أغرب حرب شهدتها المنطقة.
وألخص قولي في كلمتين: “أبناء بلد واحد يتقاتلون في دولة أخرى تبعد عنهم آلاف الأميال”!. وبالطبع هذا الكلام يدخل في دنيا العجائب ومن حقك أن تسألني: يعني إيه؟
والإجابة باختصار أنه بعد التدخل التركي في الشئون الليبية دعما لما يعرف بحكومة الوفاق الوطني التي تسيطر على غرب ليبيا ويرأسها “فايز السراج”، وهي الحكومة المعترف بها دوليا ولها ممثل في الأمم المتحدة يمثل ليبيا وتملك الغالبية العظمى من سفارات هذا البلد حول العالم، تم نقل آلاف المقاتلين السوريين إلى هناك لدعم حكومة غرب ليبيا، وقدمت تركيا مساعدات عسكرية مهمة، وكانت النتيجة تحول سير الحرب الأهلية، ومُنيت قوات المشير “حفتر” بهزائم متتالية في الأيام الأخيرة، وتم طردها من معظم المناطق التي كانت تسيطر عليها في غرب ليبيا، وضاع أملها في السيطرة على العاصمة طرابلس.
ولم يسكت الطرف الآخر الداعم لقوات شرق ليبيا التي يرأسها المشير “حفتر”، وهذا الطرف يتكون من أربع دول أساسية وهي الإمارات والسعودية ومصر وروسيا والأخيرة دورها خطير جدا، ولها قوات من المرتزقة الروس تتبع شركة أمن روسية تحارب إلى جانب المشير “حفتر”.
المهم أن روسيا تدخلت بسرعة وأرسلت 18 طائرة مقاتلة إلى القوات التي تؤيدها، مما أثار انزعاج الولايات المتحدة الشديد، وأصدرت وزارة الدفاع الأمريكية بيانا اتهمت فيه روسيا بأنها تحاول أن يكون لها موطئ قدم في هذا البلد وتقيم قواعد عسكرية بها على غرار قواعدها في سوريا!.
وكل ما أقوله حتى هذه اللحظة لا غرابة فيه، لكن ما جعل الوضع في ليبيا “عك” بحق وحقيقي هو قيام روسيا بنقل آلاف السوريين التابعين لنفوذها في سوريا والموالين لحكومة دمشق إلى ليبيا للقتال إلى جانب قوات شرق ليبيا، ومن هؤلاء السوريين 300 من منطقة حمص يتقاضى الواحد منهم بين ألف وألفين دولار شهريا، وتتولى مهمة ترتيب التعاقد شركة “واجنر جروب” للتعاقدات العسكرية تحت إشراف الجيش الروسي، كما ذكرت وكالة رويتر للأنباء، ويتم تدريب المقاتلين السوريين في سوريا أولا قبل إرسالهم إلى ليبيا، وهكذا تجد في هذا البلد المنكوب سوريين يقاتل بعضهم بعضًا بعيدًا عن بلادهم بآلاف الأميال.. استجلبتهم إلى ليبيا تركيا وروسيا!.
وأظن أن ما قلته معلومة جديدة لحضرتك وتمثل “عكًّا” لا مثيل له في الحروب الأهلية التي وقعت من قبل، حيث كان يتقاتل فقط أبناء البلد الواحد داخل بلدهم، ولم يحدث ما نراه حاليا في هذا البلد المنكوب.. عجائب.
أضف تعليقك