بقدر ما كان لها دور في إذكاء طموح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في غزو قطر، لعبت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب دورا في وقف المذكور عند حده، ولكنها، بعد ثلاث سنوات، فشلت في إعادة الوحدة إلى مجلس التعاون الخليجي، على الرغم من المحاولات التي بذلتها. وسواء خرج ترامب من الرئاسة الأميركية أم بقي، فإن أزمات المنطقة مستمرة، لارتباطها بعوامل أكثر تعقيدا من المواقف الأميركية. وقد ظلت قطر تعمل للمصالحة كأنها تتم غدا، وكأن الحصار تعيشه أبدا. ولم تردّ أي محاولة للمصالحة بمرونةٍ تحافظ على ما أعلنته من ثوابت.
لا توجد خلافات واقعية قابلة للحل حتى تنجح الوساطات، كويتية أم أميركية، فالأسباب المعلنة لشن الحرب على قطر ليست جديدة، والسياسة الخارجية المستقلة لقطر غير مرضية للسعودية والإمارات ومصر منذ عام 1995، والخلاف الحدودي مع البحرين كذلك. على العكس، كانت العلاقات مع السعودية، قبيل الأزمة، قد تحسنت بشكل غير مسبوق، أظهرته الزيارات المتبادلة بين البلدين، ولا يُنسى مشهد الملك سلمان يرقص العرضة في الدوحة. وثمّة عوامل شخصية ساهمت في ذلك التحسن، الأمير الوالد تنازل عن الحكم للشيخ تميم، والملك عبد الله رحل عن الدنيا، وقبلها كان اتفاق الرياض. بدأ التحضير للغزو عقب القمة العربية في البحر الميت، والتي كانت كلمة الشيخ تميم فيها رسالة واضحة للمصالحة العربية الداخلية، وقال "ليس من مصلحتنا أن نحول من نختلف معهم إلى إرهابيين"، في إشارة إلى الإخوان المسلمين. بعدها وعلى غير العادة، كتبت صحيفة الحياة السعودية مقالا نابيا بحق أمير قطر، وشبّهته بالقذافي.
ويتضمن كتاب الصحافية الأميركية فيكي وارد عن مستشار الرئيس ترامب وصهره، كوشنر، توثيقا مهما لفترة الحصار، وهي من أبرز صحافيي التحقيقات في أميركا. ومن أهمه أن الغرض كان "غزوا عسكرياً" لقطر طمعا بثرواتها وكيدا لمواقفها، وليس مجرّد حصار لخلاف سياسي. وقد حظي الكتاب باهتمام من الصحافة العالمية، ولم يصدر من أي جهة نفي للمعلومات التي تضمنها. وكشفت الكاتبة أن وزير الخارجية الأميركي السابق، ريكس تيلرسون، عمل في صيف عام 2017، "بغضب لوقف ليس فقط الحصار المفروض على قطر، ولكن أيضًا لتجنب حربٍ شاملة في الخليج الفارسي"، وأنه تمكن من إقناع "ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بالتراجع عن فكرة التحايل على القوات الأميركية في قاعدة العُديد الجوية في قطر، ثم الاستيلاء على العاصمة القطرية الدوحة". ويتطابق هذا مع ما كشفته صحيفة وول ستريت جورنال المرموقة، في مقالة في 22 مايو/ أيار 2019، عن خطة الجيش السعودي للاستيلاء على "أكبر حقل غاز في العالم كجزء من غزو مخطط لتسوية خلافات أوسع بين البلدين، وفقاً لمسؤولين أميركيين وسعوديين وقطريين غير مصرح لهم بالتحدث. كانت السيطرة على الحقول القطرية ستجعل السعودية ثاني أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم بين عشية وضحاها". وقال المسؤولون "إن المسؤولين الأميركيين أقنعوا السعوديين بأن الغزو سيكون بمثابة خرق كبير للنظام الدولي. وبدلاً من ذلك، أطلقت المملكة العربية السعودية والعديد من الحلفاء مقاطعة اقتصادية لمعاقبة قطر".
بدون تلك المعلومات التي كشفها الأميركيون، أعلن أمير الكويت في البيت الأبيض "أننا نجحنا في منع الغزو العسكري". وكل من تابع حساب المستشار الأقرب لمحمد بن سلمان، سعود القحطاني، على "تويتر"، كان يشاهد مارشات عسكرية تحرّض على الغزو. فضلا عن وعيد التجمعات القبلية التي تم حشدها بحضور شيخ منشقّ عن الأسرة الحاكمة الذي وعدها باللقاء في الدوحة.
من المفارقات أن قيادات دول الحصار التي استقوت بترامب، لم تعد قادرة على دخول واشنطن بعد فضائح جورج نادر وجريمة اغتيال جمال خاشقجي، في الوقت الذي تُستقبل فيه القيادة القطرية بحفاوة، ويشاد بدورها في محاربة الإرهاب! وبعد كل محاولات ضرب الاقتصاد القطري، حققت قطر تفوقا اقتصاديا على كل دول الخليج، في النمو والميزانية، وفي اكتشافات الغاز وتطوير صناعته، فقبل أيام، كُشف عن توقيع قطر اتفاقية بعشرين مليار دولار مع كوريا الجنوبية لشراء سفن لتصدير الغاز المسال.
.. باختصار، ليس لقطر أنبوب نفط في الصحراء التي أدارت لها ظهرها قبل الحصار، وعينها على البحر، وفي البحر منأى للكريم عن الأذى.
أضف تعليقك