من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حسن الخاتمة، فمن سعد بها فقد تمت عليه النعمة. لقد صمت رمضان.. هل جاهدت معنوياتك قبل أن تجاهد مادياتك.
ألم يشاتمك أحد فقلت اللهم إني صائم، فانتصرت على ثورة الغضب وأخزيت الشيطان الذي حرضه عليك؟، فضيع وادخرت؟ ألم تشتد بك مغصة الجوع، وحرقة الظمأ، فذكرت قدرة الجبار، فهان عليك ما تلقى إذا استمتعت بلذة الطاعة وبرد الإيمان فسكتت الأمعاء؟
ألم تلتزم فقمت بالعمل حتى إذا حان وقت الأجر، فزت به وافر المقدار جيد العطاء.
ألم تأخذ طريق الاستقامة، فوصلت إلى مستقر التقوى من أيسر طريق؟ أليس الخط المستقيم أقرب المسافات بين نقطتين؟.
ألم يخامرك حنان الإيمان، خلال صومك فرحت تحب الناس جميعًا، من اهتدى لأنه صاحبك، ومن ضل لأنه لم يعلم فضل الطريق، فاستحق الرأفة منك بالدعاء له كي يسعد كما سعدت، اللهم رد الحيارى إلى رحابك الرحيم فإنهم مسلمون ﴿إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ (الزمر: من الآية 53).
ألا تعلم أنه لم يعبد بالصيام إلا الله؟ ما قدر فرحتك إذ كنت من الموفقين إلى تقدير قدر هذه الفريضة فأعطيتها حقها امتثالاً وإخباتًا؟
أحببت دعوة الله وعملت من أجلها وقاسيت في سبيلها، بلا حول منك ولا قوة، ولكن لوقوفك إلى جانب الله فاحتملت في صومك، وهل من سبيل إلى النصر إلا الوقوف عند أوامر الله فيما اشتد وفيما هان؟.
المغريات جمة والصراع بين الحق والباطل، بين الأثرة والإيثار، بين الظلم والعدل، بين الانحراف والاعتدال، بين الحرية والاستبداد، بين التفرق والوحدة، بين الفوارق والمساواة، بين التوحيد وعبادة الأصنام، بين كل خير وشر، وكل تلك مواقف بدت منذ بدء الخليقة ولم ينتصر فيها إلا الطائعون، وقد كنت بصومك طائعًا.
ألم تصم لأنك أردت أن تقيم من نفسك إنسانًا سويًا يعالج كل مشاكل الحياة بتعاليم السماء؟ أن تقيم من نفسك بصومك طبيبًا تقدم التوحيد لتمحو به الشرك؟
وتزرع الحب لتقتلع الحفيظة، وتفضل الأخوة على العصبية، وتشيع العزة فتذهب بالذلة، وتأمر بالمعروف فتقضي على إشاعة الفاحشة؟ وتنهى عن المنكر فتسد السبيل على الانسياب إليه، وتروي أغصان الطيب فتذبل أوراق الخبيث؟
ألم تصم تطهيرًا لكل جارحة بمنك، وقد كان في مقدور العلي الكبير أن يطهرك بلا اختبار، ولكنه أراد لحكمة لا يعلمها سواه أن يكون طريق الدعوات وعر المسالك شائك الجنبات (ولنبلونكم؟).
ولما صمت ألم تشعر بأنك قوي بالله.. وأنك قد ارتفعت فوق مستوى الشبهات والنزوات ولا يعلم ذلك إلا من كان الصوم له وهو يجزي به؟
ألم تصم لأن الله سبحانه ربى نبيه صلى الله عليه وسلم بمقومات زاخرة من بينها الصيام وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم ربى به الصحابة؟ وأن الصحابة ربوا المسلمين فكانوا وكنت أساتذة العالم وهداته؟
ألم تصم فالتزمت كتاب الله قراءةً وتدبرًا؟ فهل علمت أن القراءة في الإسلام محددة المنهاج وليست مطلقة التناول ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)﴾ (العلق)، لا باسم دجال ولا متحرف ولا مخرف ولا متحلل ولا خوان كفور؟ ألم تصم لأن الصوم عبادة، ولكل فريضة حكمة، تبينها آية فرضيتها، ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: من الآية 183).
ألم يكن هذا حالك طوال شهر رمضان؟ فهل رأيت كيف انصب عليك الخير انصبابًا؟ وها أنت في العيد تجني ثمار ما زرعت، وتحصد طيبات ما غرست؟.
أنت في العيد تقف على باب من عملت من أجله، تنتظر الأجر والثواب، وممن؟، من كريم جواد، الحسنة عنده بآلاف آلاف أضعافها، ولن تضيع، والسيئة بمثلها وقد تمحى ويعفو عنها؟ ما ظنك برب محسن هذا شأنه مع عباده المتقين؟
ما ظنك برب يجزل العطاء في مظهر جميل نبيل فيطلب رسوله عليه الصلاة والسلام منا أن نتجمل في يوم العيد مظهرًا ومخبرًا وأن نتزاور وأن نتبادل التهاني والتحيات، وأن تشيع فيما بيننا والبسمات. حي عيدك بالابتسام، فالبسمة لا تقتضيك ثمنًا ولا عناء ولكنها تعود بالخير الوفير.
حي عيدك بالابتسام..
فالبسمة ومضة وكم دامت هذه الومضات من زمن طويل.
حي عيدك بالابتسام..
فالبسمة نور عهد المحبة بين الأحبة والصحاب.
حي عيدك بالابتسام..
فالبسمة طريقك الهين إلى القلوب ومعوان على الوصول إلى تحقيق ما تطلب.
حي عيدك بالابتسام..
فالبسمة جواز المرور إلى الوجوه العابسة وإشارة الأمان إلى الخطوات المضطربة الخائفة.
حي عيدك بالابتسام..
فالبسمة براعة الاستهلال عند اللقاء، ومسك الختام عند الانصراف.
حي عيدك بالابتسام
فالبسمة سمة الخلق الحسن ودلالة القلب الطيب.
حي عيدك بالابتسام
فالبسمة سبيل كل خير وكفاية كل شر.
حي عيدك بالابتسام
فالبسمة مانحة الهناء ومانعة الشقاء.
حي عيدك بالابتسام
فالبسمة هي الدواء إذا أحببت الحياة، وهي الرواء إذا جفت الطرقات.
حي عيدك بالابتسام..
فالبسمة صمام الأمن إذا حمي وطيس الجدل واحمرت حدق النقاش.
تعالوا جميعًا نبتسم في يوم العيد، فكلنا أجراء منتظرون الأجر من صاحب النهي والأمر، تعالوا جميعًا نفرح أن وفقنا الله إلى صوم رمضان على وجه يرضيه، تعالوا نسعد بأن صمنا لأننا مسلمون، ﴿هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ﴾ (الحج: من الآية 78).
تعالوا نتيه على الدنيا بإخواننا في عيدنا ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ (الحجرات: من الآية 10).
تعالوا نشكر الله من كل قلوبنا أن حملنا رسالته وهدانا إليها، ﴿وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾ (الأعراف: من الآية 43).
تعالوا نقول للدنيا جميعًا.. لكل الناس: كل عام وأنتم بخير.. نقولها مخلصين صادقين سائلين الله أن يجعل المسلمين كل عام.. كل شهر.. كل أسبوع.. كل يوم.. كل ساعة.. كل طرفة عين بخير وعافية ورشد وسداد.
تعالوا نتصافح ونتسامح ونتعاهد ونعمل بالكلمة الطيبة والدعوة الصالحة والجهد الخالص والنية الطاهرة.. لكل الناس، ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ (البقرة: من الآية 83).
هذا هو العيد.. أعاده الله على المسلمين باليمن والنصر والفتح والرضا والقبول والإسعاد، ﴿رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾ (الكهف: من الآية 10).
-------
المصدر: مجلة الدعوة: العدد (16)، شوال 1397هـ / سبتمبر 1977م.
أضف تعليقك