الخديعة الكبرى التى جرت فى الحقبة الناصرية، يحاول "العسكر" استنساخها بحذافيرها منذ سطوهم على السلطة فى منتصف عام (2013م)، لكنهم لم يدركوا إلى الآن أن الزمن غير الزمن، والعالم غير العالم، وأن ستين أو سبعين سنة من تطور العلم والاتصالات كفيلة بسحق تلك الأفكار الشمولية المتغطرسة.
ولم يدركوا بعدُ أن تأميم الإعلام لا يفيد؛ لتنوع وسائله، ولتجاوزها رقابة الأنظمة والحكومات، وللإتاحة الهائلة لمصادر المعلومات، ورغم ذلك ينفذون "سيناريو الستينيات"، فيحتكرون الإذاعة والتلفزيون والصحف، ويفرضون الحصار الصارم على مواقع الإنترنت، ويعتقلون ويصادرون؛ فهل نجحوا فى السيطرة على الإعلام كما نجح أسلافهم فيما مضى؟ لم يحدث هذا؛ حيث يهدم الإعلام الموازى فى لحظة ما بنوه فى عام، ولعل "فيديو" واحدًا يأتى على جهد "جهاز سيادى" بكامله فى أول ساعة من نشره على يد أحد المغمورين.
إن من المؤكد أن الكذب لم يعد يفيد، والانتقاء يفضح صاحبه، خصوصًا أن وسائل "العسّ" والبحث عن الحقيقة صار يملكها الجميع ولم تعد قاصرة على الدول، وبالتقنيات المتوافرة للكافة يمكن كشف مواد الزيف التى كانت تخيل على المتلقين فيما مضى. كما لم يعد هناك مجال لـ"الاستخفاف" بالعقول، لقد هلك "العبد الخاسر" فى مطلع السبعينيات فكانت جنازته مضرب المثل، وفداه الغوغاء والمغيبون، وهم كُثر، بالأم والأب، وسُمى المواليد باسمه تيمنًا بوطنيته وشجاعته وزهده، ثم تأتى وسائل العصر فتفضح زيفه، وتكشف قبح من قال يوم موته (فقدناك يا آخر الأنبياء)؛ إذ ظهر بالبحث المتاح، استبداده وأنانيته وتضخم ذاته، فضلًا عن فشله وهزائمه وفساده.
وإذا كان قد أُتيح للقدامى منهم أن يدّعوا النزاهة وأن يحتكروا الوطنية كما احتكروا السلطة، فهذا مما لا يكون الآن، إنهم يحاولون، لكنهم يصطدمون بمن يعرِّى حقيقتهم، فالذى ادَّعى الشرف كشفته الصور و"الفيديوهات" والتسريبات، كما كذَّبت ادعاءه الوطنية بكشف المستور فيما قدم من تنازلات، هنا وهناك، وقد ظنوا أنها تبقى فى السر لا يعلم بها أحد، فإذا بالمواقع والحسابات تنشر أدق التفاصيل، وتفضح الواهم الذى يتدثر بالوطنية وهو من باعها وقبض ثمنها.
وكانوا قديمًا يصدرون لنا الانتصارات الوهمية، ويتبعون لذلك طريقة "الصوت العالى" معتمدين على الشخصيات "الحنجورية"، واليوم يحاكون "السيناريو" نفسه، لكنهم أشبه بمن يصارع طواحين الهواء، فكل ما يقولونه يتم فحصه ثم نقده ونقضه، أما مواهب التمثيل وحركات الجسد و"الكاريزما" فلم تعد ممرًّا لترويج مخدراتهم كما مضى، فى زمن لم يعد يخفى شىء على "الميديا"، وأن اللغة الوحيدة المقبولة هى لغة الصدق والنجاح الحقيقى.
ويفرِّق المتلقى الآن بين عهدين؛ عهد "دولة الخوف" القائم على الاستبداد والفساد وشق الصف الوطنى، والعيش فى "ملهاة مأساوية" لا تنتهى، وعهد يتطلع فيه إلى العيش فى أجواء الحقيقة، وإرساء نهضة تقدمية شاملة، وغلق مصادر الدعاية الكاذبة؛ إذ لم يعد على الأرض موضع قدم للمستبدين أو المستخفين بشعوبهم أو من يبغون "الزعامة التافهة"، وإن وُجدوا فلسنوات معدودات، يعيشونها تحت ضغط الرأى العام، وفى صراع لا يدعهم يستريحون.
أضف تعليقك