بقلم: ممدوح الولي
في مجتمع تزيد به معدلات الفقر، حسب البيانات الرسمية قليلة المصداقية، عن ثلث السكان، قبل تداعيات تحرير سعر الصرف وقبل جائحة كورونا التي زادت من معدلات البطالة، سواء بين العمالة المنتظمة بالقطاع الخاص أو العمالة غير المنتظمة والموسمية التي تضررت بالإغلاق التام لبعض الأنشطة والجزئي للباقي، وبينما غالبية الأسر تكافح لتدبير نفقات الطعام ويقتصر إنفاقها على الأساسيات منه، تتوسع الحكومة المصرية في فرض أنواع الجباية على المصريين، فتقر رسما جديدا على استهلاك البنزين والسولار، رغم خضوعهما وباقي المنتجات البترولية لضريبة القيمة المضافة، كما ترفع قيمة الرسوم على العديد من الخدمات الحكومية، وترفع الحد الأقصى لنسبة الضرائب على الدخل إلى 25 في المئة، بعد أن كان 20 في المئة في عام 2005.
ووافق البرلمان الصوري مؤخرا على إجراء تعديل برسوم تنمية الموارد للدولة، ليضيف ثمانية أنشطة خدمية جديدة للخضوع للرسوم، بعد إضافة ثلاثة خدمات لتلك الرسوم في عام 2018، إلى جانب 16 نوعا من الخدمات موجودة مسبقا، ليصبح مجمل الأنشطة الخاصة لرسوم التنمية 28 نشاطا تتصل معظمها بحياة المواطنين اليومية.
ضرائب مزدوجة على سلع عديدة
وكان أبرز الرسوم الجديدة فرض رسم تنمية بقيمة 30 قرشا على لتر البنزين، ورسم تنمية بقيمة 25 قرشا على لتر السولار، رغم خضوع أنواع المنتجات البترولية لضريبة القيمة المضافة في أيلول/ سبتمبر 2016، والتي بلغت 48 قرشا على لتر البنزين 92 أوكتين إذا كان منتجا داخل البلاد، وتزيد القيمة على اللتر من نفس النوع إلى 65 قرشا إذا كان مستوردا.
كما يخضع السولار لضريبة قيمة مضافة بواقع 36 قرشا للتر، وهكذا يصبح لتر البنزين 92 أوكتين الذي يمثل غالب الاستهلاك (بعد خلو غالب محطات الوقود من نوع 80 أوكتين الأقل سعرا) محملا بضريبة قيمة مضافة، تتراوح بين 48 إلى 65 قرشا، بالإضافة إلى 30 قرشا رسم تنمية موارد، كما يصبح لتر السولار محملا بضريبة قيمة مضافة 36 قرشا، بالإضافة إلى 25 قرشا كرسم تنمية.
ويمثل السولار أهمية أكبر لدى عموم المصريين، حيث أنه الوقود الغالب لسيارات الميكروباص، التي تنقل غالب السكان داخل المدن وما بين القرى والمدن وما بين المدن، مما ينعكس على تعريفة الركوب بسيارات الميكروباص، والتي يتحايل عليها السائقون بتقطيع المسافات لتفادي الأسعار المحددة من قبل المحليات.
كما أن السولار يمثل الوقود الرئيس لسيارات النقل على اختلاف أحجامها، الأمر الذي ينعكس على قيمة نقل البضائع المختلفة، خاصة الخضر والفاكهة كغذاء يومي، وكذلك استخدامه في ماكينات الري الزراعي وعمليات الحصاد.
والغريب أن رسم التنمية على البنزين كان بقيمة موحدة رغم اختلاف نوعيات استهلاكه محليا، بينما تدرجت قيمة ضريبة القيمة المضافة حسب نوعياته، من ثلاثة قروش إلى 18 قرشا للتر لبنزين 80 أوكتين الشعبي الاستخدام، وما بين 48 إلى 65 قرشا للتر بنزين 92 أوكتين، وما بين 103 قروش إلى 120 قرشا للتر بنزين 95 أوكتين القاصر استخدامه على الطبقة الموسرة غالبا.
كما يأتي في وقت شهدت فيه أسعار النفط عالميا تراجعا حادا، كذلك انخفاض معدلات استهلاك المنتجات البترولية بمصر مؤخرا، بسبب الحظر الجزئي وتقليل ساعات حركة السيارات. كما أقرت وزارة البترول بانخفاض مخصصات دعم الوقود بنسبة 65 في المئة خلال الشهور التسعة من حزيران/ يونيو الماضي وحتى نهاية آذار/ مارس.
توقيت زيادة الرسم وقرض الصندوق
ولهذا يصبح التفسير المنطقى لما حدث هو الاستجابة لمطلب صندوق النقد الدولي بفرض ضريبة على استهلاك المنتجات البترولية، والذي يأتي قبيل أيام من بحث إدارة الصندوق منح مصر قرضا عاجلا لتلافي تداعيات كورونا، وهو ما ينفي عمليا تصريح رئيس الوزراء المصري بعدم ارتباط القرض الجديد للصندوق بفرض أعباء جديدة على المصريين.
ومن بين السلع التي تم فرض رسم تنمية جديد عليها، أجهزة التلفون المحمول وأجزؤاها وجميع الإكسسوارات الخاصة بها، بنسبة 5 في المئة، رغم وجود رسم تنمية تم فرضه عام 2018 بقيمة 50 جنيها عند شراء خط محمول جديد، وعشر جنيهات رسم شهري عند سداد فاتورة خطوط المحمول، وخضوع الاتصالات بالمحمول لضريبة قيمة مضافة بنسبة 22 في المئة.
ومن بين ألوان الجباية الجديدة فرض رسم تنمية بقيمة جنيهين على المحررات وباقي الأوعية الخاصة لضريبة الدمغة النوعية، وهي الأوعية التي تشمل الشهادات الدراسية وغيرها والإقرارات، والعقود وما في حكمها، ووثائق الأحوال الشخصية من زواج وطلاق، والمحررات القضائية وخدمات نقل الأفراد والبضائع، والتصاريح والرخص الإدارية، وتوريد المياه والكهرباء والغاز والبوتوجاز واستهلاكها المنزلي والتجاري والاشتراكات التلفونية.
وهو ما يشير إلى اتساع نطاق فرض تلك الرسوم الجديدة ووصولها لكل بيت مع قيمة الاستهلاك الشهري للمياه والكهرباء والغاز الطبيعي، إلى جانب ازدواجها مع ضريبة الدمغة وغيرها على تلك الخدمات. فللحصول على وثيقة الطلاق على سبيل المثال مطلوب دفع 30 جنيها كضريبة دمغة، بالإضافة إلى جنيهين كرسم تنمية، بخلاف ما تفرضه جهات أخرى مثل الشرطة لصالح صندوقها، ورسم استخراج صورة القيد الطلاق المميكن الذي يبلغ 14.85 جنيه، والذي يرتفع إلى 50 جنيها في حالة الخدمات العاجلة.
الحجز على أموال 126 ألف ممول
وربما يقول البعض إن وزارة المالية لديها مبررها حيث خصصت مئة مليار جنيه لمواجهة تداعيات كرونا، وها هو وزير المالية بعد مرور ثلاثة أشهر على ذلك التخصيص، يصرح قبل أيام قليلة بأنه تم تخصيص 40 مليار من المئة مليار جنيه لمواجهة تداعيات الفيروس، لكنه عندما استعرض مكونات المبلغ ذكر أن منها 5.1 مليار جنيه للصحة، وخمسة مليارات جنيه لتأمين احتياجات السلع الاستراتيجية، و10 مليارات جنيه لصندوق دعم الصادرات، و10 مليار جنيه لدعم السياحة والطيران وقطاعات أخرى قريبا.
وهو ما يشير إلى أن ما تم يكاد يقتصر على وزارة الصحة فقط، بينما ما يخص التموين هو مخزون كان سيتم استيراده من الموازنة العادية، وما يخص دعم الصادرات هي مبالغ مستحقة له متأخر سدادها منذ سنوات، وما سيتم تخصصيه لقطاعات أخرى مثل السياحة والطيران لم يتم بعد. وما شهدناه هو مجرد منح إعانات من صندوق الطوارئ بوزارة القوى العاملة تقل عن المئة مليون جنيه، سبق اقتطاعها من أجور الجهات المستفيدة لصالح الصندوق، مما يعني إجمالا قلة ما تم إنفاقه.
أما ما يخص قطاع الأعمال الذي يقوم بتشغيل الجانب الأكبر من العمالة، والذي يعاني من ركود النشاط عدا قطاعات الغذاء الأساسي والمطهرات والمنظفات والدواء والاتصالات، فها هو مسؤول في البنك المركزي المصري يشير لوجود حجز ضريبي على أموال 126 ألف ممول من الأفراد والشركات والمنشآت، لعدم سداد المستحقات الضريبية عليهم، الخاصة بالضريبة على الدخل أو ضريبة القيمة المضافة، حتى بلغت قيمة الأموال المحجوز عليها والخاصة بهم 65 مليار جنيه. ولم يذكر أحد شيئا عن الحجز الإدارى على العقارات والمنقولات لهولاء.
وفي ظل تلك الظروف تقوم الحكومة قبل أيام بزيادة أعلى سعر لضريبة الدخل إلى 25 في المئة، رغم تعثر الآلاف في السداد بسبب الركود في الأسواق، بينما المنافس الأكبر في السوق والمتمثل في الجيش لا يدفع ضرائب، مما يجعل ظروف المنافسة غير طبيعية.
وربما يقول البعض: ولكن وزارة المالية خسرت إيرادات كانت ستاتى من قطاعات مثل السياحة والطيران بعد توقفها.. وفي هذا السياق فقد حققت وزارة المالية وفورات نتيجة انخفاض سعر الفائدة، وانخفاض سعر النفط، كما أن إجراءات التيسير لقطاع الأعمال في دفع مستحقات الضرائب والتأمينات، كانت عبارة عن تأجيل للسداد للمستحقات أو تقسيط لها، وليس إسقاط أي منها، ما عدا الضريبة العقارية على السياحة فقط.
كما كان أمامها بدائل أخرى لزيادة الموارد، أبرزها التهرب الضريبي الكبير، خاصة من أصحاب المهن الحرة، والمتأخرات الضريبية التي تتجاوز 80 مليار جنيه. وإذا كانت الحكومة متعثرة ماليا، فكيف قامت بخفض ضربية الدمغة على التعامل في البورصة، وأعفت الأجانب في البورصة من ضريبة الأرباح الرأسمالية، وقللت من رسوم الخدمات في البورصة التي تحصلها الجهات الحكومية؟
كما دفعت البنك المركزي لتخصيص 20 مليار جنيه لمساندة البورصة، وكذلك تخصيص كل من البنك الأهلي وبنك مصر ثلاثة مليارات جنيه لمساندة البورصة، رغم أنها استثمار مالي لا يضيف لإنتاج السلع والخدمات ولا يوظف عمالة جديدة، بينما تزيد من الأعباء على القطاعات الإنتاجية التي تشغل غالب العمالة، وعلى عموم المصريين الذين يمثلون العنصر الاستهلاكي المحرك للنشاط الاقتصادي.
أضف تعليقك