بقلم أسامة جاويش
عزيزي القارئ أدعوك لهذه التجربة الجميلة عبر حسابك على موقع التواصل الاجتماعي تويتر أو فيسبوك، ما عليك إلا أن تكتب أي منشور تتحدث فيه بشكل ناقد عن مسلسل مصري يعرض حاليا في شهر رمضان المبارك مع هاشتاج #الاختيار.. التجربة ستخبرك فورا إن كانت اللجان الالكترونية في حالة تيقظ واستنفار دائم أم لا، كما ستكتشف فورا مدى متابعة تلك اللجان لحساباتك الشخصية.
شخصيا قمت بتلك التجربة فوجدت وابلا من السباب والتجاوزات والاتهامات بالتخوين والعمالة، وبأني مدفوع من دول أجنبية وأسعى لإسقاط هيبة الجيش والشرطة والدولة لحساب أجهزة استخبارات غربية تخدم جماعة الإخوان المسلمين.
الاختيار يحكي لنا قصة قديمة حديثة بين الخير والشر، يجسد فيها صراع الحق والباطل، ويشرح فيها معركة الوطنية والعمالة مع كثير من بهارات العاطفة بأن الجيش المصري وحوش في البر ونسور في الجو.. حكاية ضابط الجيش أحمد منسي الذي قتل نتيجة عمل إرهابي في سيناء، وحكاية هشام عشماوي ضابط الجيش المقال الذي تم إعدامه لارتكابه جرائم إرهابية في سيناء وغيرها.
من اللحظة الأولى لعرض البرومو الترويجي للمسلسل ثم الحلقات الأولى منه وأنا أشتم رائحة عباس كامل وجهاز الشؤون المعنوية، مع حضور طاغ لروح الجنرال عبد الفتاح السيسي بمصطلحاته وتعبيراته منذ انقلاب الثالث من تموز/ يوليو وحتى يومنا هذا.
يفترض من صانعي المسلسل أن يوصلوا رسالة مفادها أن معاني وقيما مثل الحق والخير والوطنية والشرف وحتى الالتزام والحفاظ على الدين؛ كلها تتواجد فقط داخل الجيش المصري وأفراده، وأن الجماعات خلقت لإفساد الدين وأن الإرهابيين خلقوا منذ نعومة أظفارهم هكذا، لا يسلمون على النصارى ولا يختلطون بالنساء، متطرفون بالوراثة، ولكنهم نسوا أو تناسوا في الحقيقة أهم اختيار في تلك القصة، وهو الاختيار الذي قامت به القوات المسلحة المصرية بقبول هشام عشماوي كضابط في الصاعقة المصرية قبل إقالته بعد ذلك في 2011، وكيف تم اختياره وهو كما وصفوه وعائلته قد عاشوا بأفكار يروج المسلسل لها بانها أفكار متطرفة؟ ومن المسؤول إذا عن هذا الاختيار؟ وكم هشام عشماوي موجود داخل الجيش المصري بنفس الطريقة؟
النظام يريد أن يدفعنا لمتلازمة الاختيار بين الجيش والفوضى، بين السيسي والإخوان، بين الدولة والإرهاب، بين أن تكون معنا أو معهم.. يعودون بنا إلى أيام التفويض الدامية، فهناك شعبان وفئتان وجبهتان والحرب مستمرة والاختيار واضح.. ولكن مهلا، فلنعد للوراء قليلا ولنتساءل عن اختيارات أخرى في أماكن أخرى قام بها جنود وضباط وقيادات هذا الجيش العظيم، في ماسبيرو عندما داست المدرعات على أقباط مصر المتظاهرين؛ هل كان هذا الإجرام من اختيار قائد المدرعة أم قائده العقيد، أم كان اختيار قيادات المجلس العسكري آنذاك؟ وعندما تم سحل فتاة مجلس الوزراء وتعريتها، وتم قتل الشيخ عماد عفت بالرصاص؛ هل كان ذلك اختيار الطرف الثالث أم العسكري الغلبان، أم كان اختيارا من قائد المخابرات الحربية آنذاك؟ يوم كشفوا عن عذرية البنات في ميدان التحرير وقتلوا المتظاهرين في ميدان العباسية؛ هل كانوا وقتها أيضا في جبهة الخير والحق والوطنية، أم كانوا يمارسون إرهابا وقتلا للمدنيين لا يقل جرما عن هذا الذي يتهمون به هشام عشماوي؟
يحدثنا البعض عن الوقوف مع الدولة ضد التطرف والدواعش، وأن رواية الدولة عن أحمد منسي تساهم في رفع الوعي الشعبي والجمعي ومساعدة المصريين في الاختيار الصحيح، ولكن هناك في يوم المذبحة كان هناك 800 أب وأم وبنت وشاب وطفل (على أقل تقدير) قد أعلنوا عن اختيارهم للاعتصام في ميدان رابعة العدوية دون سلاح أو استخدام للعنف، لم يكونوا من الدواعش ولم يعتنقوا أي أفكار تدعو إلى العنف، فكان الرد هو اختيار الدم والقتل والسحل من قبل قوات الجيش والشرطة. نفس المشهد تكرر في تسريب سيناء الذي بثته فضائية مكملين وكتبت عنه نيويورك تايمز الأمريكية، عندما أقدمت قوات الجيش على قتل مدنيين من المسافة صفر دون رحمة أو شفقة.
سبع سنوات مرت منذ هذا الانقلاب الدامي ولا زال السيسي بإعلامه وأجهزته يصرون على نفس الاختيار، وهو وضع الجميع في خانة واحدة وهي الانتماء للإخوان المسلمين، ثم القضاء عليهم جميعا إما حبسا أو قتلا أو إخفاء قسريا. وعلى الجانب الآخر، لم يكن أبدا من اختيارات إسماعيل الاسكندراني وأحمد دومة وعلاء عبد الفتاح أن يرافقوا محمد البلتاجي وصفوت حجازي وباسم عودة في سجون واحدة.
بقى أن أقول إن فئة واحدة يحق لها أن تفخر بنفسها بعد مرور كل هذه الأحداث والتقلبات، هي تلك الفئة القليلة القابضة على جمر الثورة منذ اليوم الأول من يناير 2011، وكان الاختيار بالنسبة إليها واضحا جليا ضد حكم العسكر، فلم يبدلوا ولم يهادنوا ولم يتغيروا، وثبتوا على قناعتهم بأن العسكر إذا دخلوا قرية أفسدوها ودمروا ثورتها وسجنوا رموزها وقتلوا مدنييها ثم أنتجوا مسلسلا يمجد في الأفارول والبيادة.
فتحية لأصحاب الاختيار الاول.
أضف تعليقك