كشفت الحملة العسكرية الشاملة التى شنتها قوات حكومة الوفاق (الشرعية) والتى أُطلق عليها (عاصفة السلام) عن حجم الصراع داخل القضية الليبية. كان معلومًا أن الحكومة المعترف بها دوليًّا تواجه مجرم حرب منشقًا تدعمه بالأساس دولتان عربيتان إضافة إلى دول أخرى غربية، وتداولت وسائل إعلام، ليبية وغير ليبية، بعضًا من أشكال هذا الدعم –لكن هذه المرة انكشف الكثير من الأوراق، وجرى الحديث من قبل مسئولين فى (الوفاق) بصراحة غير معهودة حول هذا الأمر. من ثمَّ أرى أن المعركة الحقيقية قد بدأت فى البلد الشقيق، وتحديدًا عقب استرداد مدن الساحل الغربى.
لأول مرة يتحدث السيد «فايز السراج» -رئيس المجلس الرئاسى- بهذا الوضوح، وبهذه اللغة التى لا تخلو من تهديد للدول الداعمة للمدعو «حفتر»، وقد كان متهمًا فيما مضى بالليونة فى التعامل معها، وهذه اللغة تعنى امتلاكه أدلة دامغة تدينها؛ حيث قال نصًّا: (سنعيد إليكم جثث المرتزقة مع أوراق ثبوتيتهم من أجل أن تعرفوا ما فعلته أيديكم). وما أعلنته وسائل الإعلام الموالية لـحكومة «السراج»، بل بيانات متحدثيه الرسميين قد أعلنت عن اغتنام الجيش لآليات إماراتية، إضافة إلى أسلحة خفيفة وذخائر مصرية، وأن المرتزقة الذين أشار إليهم «السراج» من دول عربية وغير عربية.
عاملان أساسان ألحقا الهزيمة بقوات «حفتر» حتى استطاع الجيش تحرير المحور الغربى فى وقت قياسى، واسترد قرًى ومدنًا إستراتيجية، على رأسها: صرمان، صبراتة، العجيلان، راقدلين، الجميل، العسة، زلطن بما يقدر بنحو 3000 كيلو متر مربع –أولهما؛ ظروف الجائحة التى ألمّت بالعالم فصرفت النظر عن الصراع الليبى؛ فالكبار الداعمون قد أجهدهم الوباء، وحتى مصر والإمارات عجزتا –فى ظل الأزمة- عن توفيق أوضاعهما الداخلية بعد نضوب المدخلات النقدية ومصادر العملة وقد بدأ السحب من الاحتياطى القومى [مصر] أو الاقتراض من البنوك لسد العجز [الإمارات]. أما العامل الثانى فهو التدخل التركى -حسب اتفاق سابق مع الحكومة- إما بالتدريب العسكرى، أو المجهود الاستخباراتى، أو الأسلحة المتطورة، وعلى رأسها الطائرات المسيَّرة.
ولا يزال أمام حكومة الوفاق عدد من التحديات، تحتاج إلى قيادة رشيدة خلال الفترة المقبلة، كما تحتاج إلى جهوزية وإعداد عسكرى تامَّين؛ فإن ما جرى سوف يدفع الكبار والصغار إلى التحرك السريع، سوف تتحرك أمريكا وروسيا وإيطاليا وفرنسا، أما الصين فقد تحركت بالفعل حيث شاركت طائراتها المسيرة وذخائرها وطياروها فى معركة (بوقرين) قبل عدة أيام، والتى حُسمت لصالح الجيش الليبى. أما تحرك هذه الدول فهو لحماية مصالحها فى ليبيا؛ باعتبارها منبعًا للنفط، وبوابة عظيمة من بوابات إفريقيا؛ ولما للدول الأوربية من إرث تاريخى وارتباط بها، والأهم: منع قيام نظام (إسلامى) متوقع عقب استقرار الأوضاع.
وإذا ما اجتمعت هذه الدول وقدمت الدعم لـ(ميليشيات حفتر) قبل أن ينفك الحصار بالكامل عن «طرابلس»؛ فقد تعقَّد الصراع ودام أمده، وتحول البلد الشقيق –لا سمح الله- إلى صومال آخر، وهذه رغبة الكبار، فكونه بلدًا مهلهلًا لا نظام له أفضل بالنسبة لهم من انتهاء القضية لصالح نظام ديمقراطى يدير البلاد. أما فك الحصار عن طرابلس، فيقتضى تحرير البلدات التى فى قبضة الميليشيات ولا زالت تخنق العاصمة، مثل الجفرة والزاوية وترهونة والوُطية، والأخيرة هى الأخطر؛ ولذا تأتيها الحشود الآن وبكثافة لتأمينها ومنع الجيش من الوصول إليها؛ باعتبارها كما يقول الخبراء: (الرئة الوحيدة فى غرب وجنوب البلاد لقوات حفتر، وهى مركز استقبال العتاد، ووضع الخطط، ويقال إن بها ممثلين وخبراء كبار من كل الدول الداعمة، وبها قدرات عسكرية ضخمة، فضلًا عن تحصيناتها الجغرافية الفريدة).
إذًا؛ بدأت المعركة الحقيقية، أو معركة (عض الأصابع)، وكل طرف من الطرفين يحشد أنصاره. لن يُعدم «حفتر» -كما ذكرت- النصير، كما لم تُعدم حكومة الوفاق (الشرعية) النصير كذلك؛ فهم أهل الحق، والله معهم، وقد انضافت إليهم بعد الانتصارات الأخيرة عوامل دعم جديدة؛ أهمها: الروح المعنوية العالية، انضمام مجاهدين جدد من أبناء المدن والقرى المحررة، وانفساح الطرق المؤدية إلى الأهداف المرصودة.
ثمة تحد آخر؛ هو قبول حكومة الوفاق بـ(الهدنة)؛ فإن أول ما سيفعله داعمو «حفتر» هو طلب الهدنة، وهذا يعنى إعطاءه قبلة حياة كى يستعدوا للحشد. وإذا كان مسئولون فى الحكومة قد تحدثوا فى هذا الأمر محاولين قطع الطريق على مؤيدى هذه الخدعة؛ إذ صرح وزير الداخلية السيد «فتحى باشاغا» أنه: (لا يوجد حل سياسى مع من وُصف بمجرم حرب)، وقد حثَّ الدول الداعمة للميليشيات بإعادة حساباتها. غير أنى أتوقع أن الضغوط ستكون كبيرة لقبول هذا الاقتراح.
أما التحدى الأكبر فيأتى من الشرق، من النظام المجاور، الداعم الرئيسى لـ«حفتر» والذى شنت طائراته من قبل غارات على مدن ليبية قريبة.. وسيظل هذا النظام معاديًا لأى نظام ليبى على غير هواه.. فهل يحسم الإخوة الليبيين المعركة سريعًا؟! نرجو ذلك.
أضف تعليقك