أعتقد أن وباء العسكر أخطر بكثير من وباء كورونا، بل يعتبر هو أخطر وباء يصيب البلاد منذ أن اجتاح البلاد مع انقلاب 1952، بالرغم من أن الهدف المعلن كان تخليص مصر من الاحتلال البريطاني، فإن البلاد ابتليت بطغمة العسكر التى سعت لتكريس حكم الفرد والاستبداد بالرأي ونشر الفساد، فضلاً عمّا كان يعانيه أفراد هذه الطغمة من أمراض نفسية وفساد وانحطاط أخلاقي وصراع على السلطة.
فأضاعوا ثروات البلاد وأذلوا العباد، ودخلوا حروبًا لا ناقة لنا فيها ولا جمل، واستبيحت دماء والمصريين وأعراضهم وأموالهم بشعارات جوفاء، مثل حماية الثورة من أعداء الثورة. ولم يجن الشعب من وراء هذا العبث إلا الهزائم المتكررة في الداخل والخارج، والجوع والفقر والجهل، وتفشي الأمراض والأوبئة.
وانتهى الأمر بضياع قيمة مصر ومكانتها الإقليمية، وتراكمت الديون، وزادت أعداد البطالة، مما حدا بالشباب لركوب قوارب الموت، للوصول إلى بعض بلدان أوروبا للبحث عن فرص للرزق.
وقبل هذا وذاك سقطت آخر أوراق التوت، التي كانت تستر عورة العسكر؛ فلم يعد الصهاينة هم الأعداء المتربصون بالبلاد، بل صاروا أبناء عمومة وسلام دافئ.
وبعد أن سيطر طغمة العسكر على مقدرات البلاد، بعد انقلاب يوليو 1952، جاء انقلاب يوليو 2013، الذى حوّل البلاد لتكية للعسكر، يديرونها بمنطق “عزبة الباشا”، فقسم الشعب إلى شعبين، وجعل التحريض على القتل من خلال أبواقه وأذرعه الإعلامية أمرا مشروعا، بل صار القتل خارج إطار القانون، لا يعاقب عليه القانون.
ففي الوقت الذى كانت دبابات العسكر تسحق آلاف المعتصمين السلميين بميداني رابعة والنهضة، كان هناك من يعزف ويغني على دماء هؤلاء الأبرياء بألحانه النشاز، “نحن شعب وهم شعب”، كما كان هناك شيخ ضالٌ مضل يصف القتلى الأبرياء بأنهم أوباش، ورائحتهم نتنة.
وبينما كانت آلاف الأسر من الإخوان، ومن غير الإخوان، يعتصر قلوبها الحزن والألم، كان أحد مرتزقة الإمارات، ينعق “تسلم الأيادي” التى أعدت لتمجيد القتلة وسفاكى الدماء، وكارهي الإنسانية.
ولم يكتف بذلك، بل استقطب كل أراجوزات الفضائيات، الذين يروجون للأكاذيب والتفاهات، لإشغال الرأى العام بقضايا تافهة؛ لصرف الأنظار عن القضايا المصيرية.
كما قام هؤلاء المرتزقة باحتكار الوطنية، وتوزيعها حسب تصوراتهم المريضة، حتى أصبحت الوطنية تمنح لكل مطبل يكيل المديح لعسكر كامب ديفيد، حتى صار “مصطفى بكرى”، مطبل كل العصور، أكثر وطنية من مصطفى كامل رحمه الله.
وهؤلاء لا يسبحون إلا بحمد حكام البيادة والطواغيت الذين يسحقون وينتهكون الحريات. وتراهم يسبون أمريكا وإسرائيل، بزعم أنهما يدعمان الإخوان، رغم اعتراف الصهاينة بدعمهم للانقلاب على الرئيس المنتخب، بل “ينامون مع الصهاينة في فراش واحد”.
كما قال قائلهم: إن العلاقة مع الولايات المتحدة حيوية، وأنها “تشبه علاقة الزواج وليست مجرد نزوة عابرة.” وكما قال “إيلى كوهين” على قناة “فرانس 24 عربي”: “المصريون يكرهون حركة حماس ويحاصرونها أكثر منا، لأن حركة حماس جزء من الإخوان المسلمين، والسيسي عدو الإخوان ويكره حماس”. وأضاف: “السيسي لم يهدّد إسرائيل في شهر أكتوبر، بل هدد الإخوان المسلمين، السيسي صهيوني أكثر مني، كيف يهدد إسرائيل؟”.
صهيوني آخر هو معلّق الشئون السياسية في صحيفة هآرتس، “آرييه شافيت”، كتب يقول: “إن الجنرال عبد الفتاح السيسي هو بطل إسرائيل، فلا يحتاج المرء أن تكون لديه عين ثاقبة بشكل خاص، حتى يكتشف حجم التشجيع العميق والإعجاب الخفي الذي تكنّه النخبة الإسرائيلية تجاه قائد قوات الجارة الكبرى من الجنوب، الذي قام للتو بسجن الرئيس المنتخب الذي قام بتعيينه في منصبه”.
وفي كتابه “المنذر”، يروي الجنرال الصهيوني “عاموس جلعاد”، مسئول ملف العلاقة مع مصر، يقول: إن السيسي أطلعه قبيل الانقلاب على مخطط التخلص من حكم الرئيس مرسى، وتحدث عن دور نتنياهو في توفير شرعية دولية للانقلاب بعدما تم.
وفى موضع آخر، يقول “إن كابوس الرعب الذي سيطر على إسرائيل بعد ثورة 25 يناير، أن تمهد الثورة لقيام تحالف بين مصر وتركيا، على اعتبار أن هذا كان سيحدث انقلابا على البيئة الاستراتيجية والإقليمية لإسرائيل.
وبعد كل هذه الفضائح الموثقة، هناك من السذج وآكلات العشب من لا يزال يردد سخافات أراجوزات “الإعلام العكاشى”، من أن الرئيس مرسى– رحمه الله- “سيبيع سيناء للفلسطينيين، وسيبيع قناة السويس لقطر، وسيبيع حلايب وشلاتين للسودان”.
أما ثالثة الأثافى، وأم الأكاذيب، فهى اتهام الرئيس محمد مرسي- رحمه الله- بالتخابر مع حماس، بما يشى بأن حماس– المدافعة عن عرض الأمة بمنطق الإعلام العكاشى- عدوة للنظام الانقلابى، وأن حماس من مهددات الأمن القومى المصرى، لكن التخابر مع نتنياهو والليكود وكديما، يعد من باب صلة الرحم!.
وقد تحولت قنوات التحريض إلى متحدث إعلامي وناطق رسمي باسم النظام الانقلابى، تتلقى أوامرها من الشئون المعنوية، التى لا تكف عن بث الشائعات والأكاذيب السمجة الممجوجة التى تثير الاستهزاء والسخرية.
بمنطق من ليس معى فهو ضدى، وأن هناك مؤامرة كونية، تدبرها قطر وتركيا وإيران والإخوان، ووصف كل من يعترض على سياسات النظام الفاشلة، بأنه عميل وخائن، حتى ولو كان من لاعقى البيادة، ومن الذين هتفوا يوما: يسقط حكم المرشد، وقاموا بمباركة العسكر، ولم يعلم هؤلاء أنهم أدوات يتم استخدامها، ثم يلقى بها ويتم التخلص منها بعد أن تؤدي دورها.
أضف تعليقك