"أيها الأخوة المواطنون، جائنا البيان التالي.. أقدم العدو في تمام الساعة التاسعة و 20 دقيقة من صباح اليوم على جريمة جديدة تفوق حد التصور، عندما أغار بطائراته الفانتوم على مدرسة بحر البقر الإبتدائية المشتركة بمحافظة الشرقية وسقط الأطفال بين سن السادسة والثانية عشر تحت جحيم من النيران".
هكذا كان بيان الإذاعة المصرية منذ 50 عامًا، في صباح يوم 8 أبريل 1970.
تعد مجزرة بحر البقر واحدة من عشرات الجرائم الإنسانية التي ارتكبها الصهاينة بحق مدنيين عزل ، إذ قتل في هذه المذبحة نحو ثلاثين طفلا وبلغ عدد المصابين أكثر من 50 بهم حالات حرجة وخطيرة.
ففي مثل هذا اليوم في الساعة التاسعة والثلث من صباح يوم الأربعاء الموافق 8 أبريل 1970، قصفت طائرات الفانتوم الصهيونية مدرسة بحر البقر الابتدائية التي تقع بمركز الحسينية-محافظة الشرقية (شمال شرق القاهرة، جنوب بورسعيد).
كانت تداعيات الهجوم نتيجة الغارات والعمليات القتالية التي قامت بها فيما يسمى بحرب الاستنزاف، وذلك عقب احتلال الصهاينة لشبه جزيرة سيناء في حرب 1967.
فلقد أدت العمليات القتالية المصرية إلى تغيير جذري في خطط العدو لمجابهة الاستنزاف المصري وبالتالي التصعيد بالاستنزاف المضاد وهو بإدخال الطيران الإسرائيلي ذراع إسرائيل الطويلة حينذاك، وقد قال في ذلك المحلل الصهيوني زئيف شيف في كتابه عن حرب الاستنزاف “أن عملية لسان بور توفيق هى التي أنهت الجدل داخل أروقة القيادة الإسرائيلية حول حتمية تدخل الطيران في المعركة”.
كما ذكرت صحيفة معاريف الصهيونية في ذلك الوقت نقلا عن المتحدث العسكري الصهيوني "أمام الضغط الهائل الذي مارسه المصريون في الجبهة، والحياة التي أصبحت لا تطاق على الضفة الشرقية للقناة، أقدمت القيادة الإسرائيلية على استخدام سلاح الطيران، الذي كانت كل الآراء تصر على الاحتفاظ به للمستقبل".
كما يذكر حسب مصادر الإعلام المصرية، أنه أثناء حرب أكتوبر 1973، بعد أن أسقطت قوات الدفاع الجوي المصري طائرة فانتوم صهيونية فوق بور سعيد، كان من بين الأسرى كابتن طيار تدعى “آمي حاييم” اعترفت أنها شاركت في قصف مدرسة بحر البقر ، وجاء في أقوالها أيضا “بأنهم قصفوا المدرسة عن عمد وأنهم كانوا يعرفون أنهم يستهدفون بقنابلهم وصواريخهم مجرد مدرسة ابتدائية".
شهادات للتاريخ
تقول الحاجة "نبيلة على محمد حسن"- 75 سنة، والدة أحد التلاميذ شهداء المذبحة "ممدوح حسن" 6 سنوات، والتى تقيم على بعد أمتار من مدرسة بحر البقر بمنزل من طابق واحد مبنى من الطوب اللبن، إن زوجها توفي قبل المذبحة بـ4 سنوات، وكان يعمل سائقا وترك لها 4 أبناء ومنزلا من الطين تقيم فيه حتى الآن: إن صوت طائرات الفانتوم ما زال يردد بأذنيها حتى الآن..
كانت فى "وسط الدار" وفجأة سمعت صوت غارة قوية، فهرعت من المنزل بعد تهشم النوافذ من صوت الانفجار، وخرجت وحضنت أطفالها وحمدت الله أنهم بخير، ولكنها تذكرت فى لحظات أن ممدوح كان بالمدرسة، فهرعت حافية إليه وجدته جثة وأحد الأهالى يحتضنه .
تضيف: إن "الدولة كانت تكرمهم كل عام من خلال وزارة التربية والتعليم، ولكنها قطعت معاش الشهداء منذ 5 سنوات، وهى فى حاجة إليه لشراء الأدوية وخاصة أنها أصيبت بالعديد من الأمراض، مع تقدمها فى العمر، وتطلب من المسؤولين تعيين أحد أبنائها" .
الحاج محمد محجوب ،أحد المزارعين الذين نقلوا التلاميذ فى جرار زراعى إلى المستشفى، يتذكر تلك اللحظات بقوله: لن يمحى من ذاكرتي هذا اليوم الأسود، ولا صوت طائرات الفانتوم ودماء الأطفال وأشلاءهم التى جمعها..عمري وقتها كان 22 عاما وكنت اجلس مع أهالى قريتي بحر البقر 1، وفجأة سمع صوت انفجار مروع، من ناحية بحر البقر "2" التى تبعد عن بحر البقر "1" كيلو متر، وتوجهت مع الفلاحين والمزارعين بالحقول إلى القرية، وشاهدت مدرسة بحر البقر الابتدائية المشتركة وقد تم قصفها، وشاركت مع الأهالى فى نقل المصابين بالجرارات الزراعية إلى مستشفى الحسينية العام.
خدمات معدومة
يؤكد بعض الأهالى أن العديد من أهالى الشهداء والمصابين قاموا فى عام 2013 بعد مرور 43 عاما على المذبحة، برفع دعوى قضائية مطالبة "إسرائيل" بتعويض أسر شهداء ومصابى المجزرة ماديًا ومعنويًا، لكن لم يحصلوا على شىء حتى الآن.
وعن مشاكل القرية يشير عبد العزيز الخليلي، إلى أن القرية معدومة الخدمات، رغم توجه المحافظين والمسؤولين والقنوات الفضائية إليها كل عام للاحتفال بالذكرى السنوية، حيث وصلت نسبة الاصابة بالفشل الكلوي إلى 60 % بسبب مياه الشرب غير الصالحة وري الأراضي الزراعية بمياه الصرف الصحي الوافدة عن طريق بحر البقر، مضيفا: أقرب مستشفى للقرية يبعد عنها حوالي 20 كيلو متر.
ويكشف محمد عيسي خاطر، من أهالي القرية أن محافظة الشرقية كانت تضع متعلقات التلاميذ الشهداء بدمائهم داخل متحف "قرية رزنة" بالزقازيق، ولكن تم إلغاؤه في عهد مبارك ، ونقلت المتعلقات إلى أحد الفصول بالمدرسة وتحويله إلى متحف صغير لا يتم فتحه للطلاب إلا مرة واحدة في العام، كما أشار عيسي إلى أن المسؤولين اكتفوا بنصب تذكاري مدون عليه أسماء التلاميذ الشهداء على مساحة لا تتعدى عشرة أمتار.
ويضيف أحمد الدميري ، سكرتير بمدرسة عثمان ابن عفان الاعدادية بالقرية، وهو أحد المصابين في الاعتداء الصهيوني على المدرسة: "كنت طالبا بالصف الثاني الابتدائي وحينما قامت الطائرة بضرب المدرسة وجدت أجزاء من أجساد زملائي تتناثر هنا وهناك، والدماء تسيل وأصبحت كفيضان يجري.
ويتابع: رغم ما قدمته القرية من شهداء إلا أن المسؤولين تناسونا، حيث إننا نعاني من مياه الشرب التي تم توصيلها للقرية منذ عام 2005، وهي غير صالحة للاستخدام الآدمي لارتفاع نسبة الملوحة بها، حيث إن المحطة تأخذ المياه من ترعة فرعية ومياهها مالحة.
بعض أسماء شهداء مدرسة بحر البقر:
حسن محمد السيد الشرقاوي.
محسن سالم عبد الجليل محمد.
إيمان الشبراوي طاهر.
بركات سلامة حماد.
فاروق إبراهيم الدسوقي هلال.
خالد محمد عبد العزيز .
محمود محمد عطية عبد الله.
جبر عبد المجيد فايد نابل .
عوض محمد متولي الجوهري .
محمد أحمد محرم .
نجاة محمد حسن خليل .
صلاح محمد إمام قاسم .
أحمد عبد العال السيد .
محمد حسن محمد إمام .
زينب السيد إبراهيم عوض .
محمد السيد إبراهيم عوض .
محمد صبري محمد الباهي .
عادل جودة رياض كرواية .
ممدوح حسني الصادق محمد.
أضف تعليقك