• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانيتين

قبل أسبوعين، أو أكثر قليلًا، كان كل من يطالب بتعليق الدراسة وإعلان حظر التجول الجزئي، متهمًا بأنه خلية إرهابية إخوانية، أو على أقل تقدير يسيء إلى سمعة مصر، ويهدّد أمنها القومي. وصل سعار السلطة، في ذلك الوقت، إلى اعتقال أمهات يتبادلن رسائل على تطبيقات التواصل الاجتماعي، تطالب بتعطيل الدراسة وإغلاق المدارس والجامعات.

بعدها، بدأت الحكومة المصرية تمنّ على المواطن بأنها أغلقت المدارس والجامعات والأندية الرياضية والمرافق العامة، والمصانع والشركات، وتلوّح بحظر تجول شامل، وليس جزئيًا، فيهتف الإعلام ذاته الذي اتهم الأمهات بالإرهاب والأخونة، بحياة السلطة، ويرى في إجراءاتها عين العقل ومنتهى الحكمة والنبوغ والإنسانية.
الآن تمهد الحكومة، مدفوعةً برغبات الرؤوس الكبيرة من صفوة رجال الأعمال الذين يجسّدون الأوليغاركية في أشد أطوارها انحطاطًا، لاستثناء العمال من قرارات الحظر والحجْر الصحي، وذلك لإعادة تشغيل المصانع بكامل طاقتها، حتى لا يحدُث الكساد ويتعطّل الاستثمار. وفي الأثناء، يتم تسريب أنباء عن مشروعات قوانين لفرض تبرّعات إجبارية على المواطنين، بخلاف ما يدفعونه من ضرائب تقصم الظهر، لصالح صندوق عبد الفتاح السيسي السري الخاص "تحيا مصر " للتصدّي لوباء كورونا.
في الأثناء، عرفت السلطة في مصر كيف تحوّل جائحة كورونا إلى عاصفةٍ للابتزاز، بتشغيل كل أساطيلها الإعلامية لقصف كل أشكال المعارضة بعبواتٍ حارقة من التخوين والتكفير والاتهامات بالشماتة والاستثمار في الأزمة، ما جعل هذه المعارضات في وضعية ارتباك، وكأنها المسؤولة عن صناعة الوباء ونشره، وسوء الأداء في التصدّي له.
مضمون الرسالة واحد، وإن اختلفت الصياغات تبعًا لاختلاف النوافذ، من صحيفةٍ خاصة كانت رصينةً، إلى فضائية مرتضى منصور الرياضية المستجدّة، وهو أن مصر تخوض حربًا ضد كورونا والإخوان المسلمين وكل أطياف المعارضة في الخارج، وتعليق الفشل والارتباك والبلادة في إدارة الأزمة على شمّاعة الخارج، وهذا أمر منطقي ومكرّر حد الملل، منذ اختطف هذا النظام الحكم بعملية إجرامية أسال فيها الدماء.. أو تحميل المواطن تبعات كل هذا التخبط والعجز والعوار في الإدارة، من واقع التصريحات التي تنسكب يوميًا من أفواه المسؤولين الحكوميين.
أما غير المنطقي بالمرّة، فهو الخضوع الكامل والاستجابة المطلقة من قوى المعارضة لهذا الابتزاز المنهجي المدروس بعناية والموجّه بدقة فائقة، فتسلك بذهنية من يدفع عن نفسه اتهاماتٍ شديدة التهافت والضحالة، ممن بيدهم كل السلطات، التشريع والتنفيذ والفصل، وباليد الأخرى كل الإمكانات والميزانيات.
على أن الأمر على وجه آخر يمكن أن يقرأ بعيدًا عن كونه خضوعًا واستجابةً ساذجةً للابتزاز، على أنه نوعٌ من التهافت أو الهرولة غير المبرّرة في اتجاه نظامٍ، لم يقم بدعوة أحد من الأساس للانخراط في مشروع قومي للحرب على كورونا، ذلك أن النظام، في بنيته السياسية والأخلاقية، ضد فكرة المشروع الوطني الجامع أصلًا، ولا يستطيع أن يحيا من دون صناعة تلك الفوالق الاجتماعية الضخمة، لكي يضمن، طوال الوقت، انقسامًا بين مكوناته، يضعف كل فرصة للقاء وطني، كما جرى في لحظة الخامس والعشرين من يناير/ كانون ثاني 2011.
المدهش أن الذين كانوا يمضغون طوال السنوات الماضية مقولات الاصطفاف الوطني لمواجهة توحش السلطة وبلادتها وتفريطها في الدماء والتراب والمياه، هم الذين يتمحكّون في هذه السلطة الآن، من دون دعوةٍ أو حتى ضوء أخضر للاقتراب، والأكثر مدعاةً للدهشة أن تصير رغبة الاصطفاف خلف النظام مادة للمزايدة وتصفية الخلافات وإدارة الصراعات الصغيرة بين مكونات الكتلة الأكبر حجمًا لمعارضة النظام، وأعني جماعة الإخوان المسلمين التي أصدرت إشارات وتلميحات برغبة في الاقتراب من النظام العسكري الحاكم، لمناسبة "لا صوت يعلو على صوت معركة كورونا"، وكأن شيئًا لم يكن، أو أن الخلاف مع هذا النظام على الأداء، لا على الدماء، أو كأن شرعية مستمدّة من كورونا اكتست هذا النظام الفاقد أية شرعية أخلاقية أو سياسية منذ اللحظة الأولى.
في ذلك، ما طرحه القيادي الإخواني، حلمي الجزار، في تدوينة نشرت في موقع "العربي الجديد"، ثم ذلك المؤتمر الذي عقدته الجماعة لتنسيق الجهود بمواجهة كورونا، ليس سوى أحد أشكال القابلية والخضوع للابتزاز، الصادر عن دوائر النظام، أو المنبعث من أحد أركان البيت الإخواني المتصارع مع نفسه، على نحو يثير الأسى ويدفعك إلى التساؤل: ما الذي اختلف في عبد الفتاح السيسي (ونظامه) بعد كورونا، عما كان عليه قبل كورونا، حتى تهرول الجماعة، وجروبات اصطفاف أخرى غيرها، نحو النظام الذي ينشب مخالبه في معارضيه داخل السجون، غير عابئ بكل الدعوات والصرخات التي تطالب بإخراج المسجونين، قبل أن يفترسهم الوباء؟ ما الذي تغير حتى تُبدي المعارضة استجابة مجانية صريحة، من غير دعوة، أو إشارة، أو حتى نظرة، بهذا الشكل المبتذل؟
والحديث موصول..

أضف تعليقك