واصلت ميليشيا الحوثي تحدي الدفاعات السعودية بإطلاق صاروخين مجددا على جازان والرياض، قبل أن يعترضهما الدفاع الجوي السعودي.
وأعلنت السعودية، الأحد 29 مارس، إصابة مواطنين اثنين بجروح طفيفة في الرياض، وقال المتحدث الإعلامي باسم الدفاع المدني السعودي في منطقة الرياض المقدم "محمد الحمادي" إن فرق الدفاع المدني "باشرت السبت 28 مارس 2020، حادث سقوط شظايا صاروخ باليستي بعد اعتراضه وتدميره، تم إطلاقه باتجاه العاصمة الرياض".
وأضاف: "تناثرت شظايا الصاروخ على أحياء سكنية في مواقع متفرقة؛ وهو ما تسبب في سقوط إحدى الشظايا وإصابة مدنيين اثنين إصابات طفيفة".
تبرير الحوثيين
وعلى الجانب الأخر، برر الحوثيون هجماتهم، باعتداء مسبق من قبل قوات التحالف، حيث أكد الناطق العسكري بإسم الحوثيين أن الدفاعات الجوية تصدت لطائرات معادية بمحيط سماء صنعاء بعد تنفيذها هجمات.
وتوعد الحوثيون "النظام السعودي" بعمليات موجعة ومؤلمة "إذا استمر في عدوانه وحصاره"، مؤكدين أنه سيتم الكشف عن تفاصيل "العملية العسكرية النوعية" خلال الأيام المقبلة.
أهداف التصعيد الحوثي
وعلى ما يبدو فإن رهان الحوثيين من وراء اطلاق الصاروخين، هو استغلال لحالة الأزمة التي يعايشها النظام السعودي، على صعيد بيت الحكم الموتور بتحركات محمد بن سلمان ضد أمراء ومسئولين كبار في النظام السعودي مؤخرا.
كما أن إحراج النظام السعودي المأزوم بمكافحة وباء كورونا، بدا وكأنه هدفا للحوثيين والإيرانيين في آن واحد، ولتخفيف الضغوط عن النظام الإيراني الذي يواجه أزمات اقتصادية وصحية كبيرة حاليا.
مغزى التوقيت
ووقع هجوم السبت بعد يومين من دعوة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في اليمن مارتن غريفيث الأطراف المتحاربة لاجتماع عاجل للاتفاق على الهدنة.
وهو ما يتوقع معه ، اختلافات داخل البيت الحوثي، وتشظي المواقف السياسية التي باتت تتقاسم فصائل مسلحة عديدة القرار في اليمن، بين تيار يرى التهدئة والاستفادة من الخلافات السعودية الإماراتية، وتيار أخر يرى استمرار التصعيد العسكري على الأرض ضد السعودية، وهو ما قد يتقاطع مع أهداف استخباراتية إماراتية.
5 سنوات من الخسائر
وللعام السادس، يشهد اليمن حرباً ضارية أوجدت إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث بات 80% من السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، ودفع الصراع الملايين إلى حافة المجاعة.
وبعد خمس سنوات مرت على انطلاق ما سميت بـ"عاصفة الحزم" باليمن، ولم يتغير ميزان المعركة ولم يتحقق الهدف المعلن من العملية التي أطلقتها السعودية والإمارات، المتمثل في إنهاء انقلاب جماعة الحوثي وإعادة الشرعية إلى السلطة في البلاد.
ولعل ما كان بارزاً خلال السنوات الخمس أن البلد الذي كان يواجه انقلاباً واحداً في عام 2015 صار اليوم أمام انقلابين، خاصة مع تناسل الجماعات المسلحة الخارجة عن سيطرة الشرعية.
كما أن السعودية التي تدخلت لأول مرة في 26 مارس 2015، بضربات جوية، باتت تسعى للتراجع، إلا أنها لا تجد استراتيجية للخروج، وفق ما يراه مراقبون.
أما الإمارات التي كانت جزءاً رئيسياً في التحالف، فأعلنت سحب وحداتها من اليمن، لكنها تواصل شراء خدمات القبائل والمليشيات التي تقاتل من أجل مصالح أبوظبي.
وفي الوقت الذي تقبع الحكومة اليمنية في الرياض تحت الإقامة الجبرية، وسط انكماش الأراضي التي تسيطر عليها، تدفع الإمارات لتحويل جنوب اليمن إلى دولة مستقلة عن الشمال، في وقتٍ لا تزال مليشيا الحوثي تسيطر على الشمال وسط توسع لها، في مقابل فشل أممي لإنهاء هذه الحرب على الرغم من كل الاتفاقات والمفاوضات التي عقدت سابقًا.
تحديات الاقتصاد السعودي وتأثيراته على الملف اليمني
وبالنظر إلى مجموعة من المخاطر التي تتهدد الاقتصاد السعودي جراء انخراط نظام الحكم السعودي في عدة ملفات معقدة تخص الإقليم والعالم وعدم مقدرته على الصمود في وجه أعاصير تداعيات هذه الملفات على اقتصاده الذي يتحمل أعباءً كثيرة منها الملف اليمني.
وبالتالي فإن استمرار إنفاق السعودية على الملف اليمني سينخفض كثيرًا مقارنة بالسابق، تماشيًا مع قدرة الاقتصاد السعودي وإدارته لالتزاماته الأخرى، ولأن السعودية ترى في استمرار مشاركتها بحرب اليمن كلفة ليست هينة على اقتصادها، لا سيما مع إدراك صعوبة تحقيق أهداف التحالف المعلنة منذ بداية عاصفة الحزم، فإنها قد تلجأ إلى الاستماع إلى مقترحات للتوصل إلى حلول سياسية قد لا تكون في صالح الحكومة الشرعية، وقد تعقِد تفاهمات منفردة مع الحوثيين في الشمال والمجلس الانتقالي في الجنوب، وتثبيت الوضع الراهن مع تلقي ضمانات تحمي حدودها ومصالحها.
تبدو الحكومة الشرعية هنا الحلقة الأضعف في هذه المعادلة لارتباط مركز قرارها وتبعيته للقرار السعودي، وعدم استطاعة القيادة اليمنية استعادة السيادة على قرارها، فيما يخص معركتها ضد الحوثيين شمالًا وخلافاتها مع الكيانات المتمردة جنوبًا.
وفي الوقت الذي تبدو فيه خيارات خصوم الحكومة الشرعية متعددة، فإن الحكومة تعتمد بشكل شبه كلي على السعودية وتحركاتها ودعمها وتدخلاتها في الوساطات أحيانًا حتى وهي مثقلة بعدة قضايا تخص المملكة داخليًا وخارجيًا تتعامل معها في ذات التوقيت، ومن ضمنها حالة اللااستقرار داخل الأسرة الحاكمة، وبالتالي فإن الجهد السعودي المخصص للملف اليمني تضاءل أكثر من ذي قبل، مما سيحصر الشرعية في زاوية ضيقة لا تستطيع معها التحرك بحرية كما يتحرك خصومها.
كما أن وعود الإعمار والاهتمام بالبنية التحتية للقطاعات اليمنية المختلفة كما أعلن تبينها البرنامج السعودي قد تتلاشي، في ظل مواجهة السعودية لعدة التزامات وعدم مقدرتها على تمويل مشاريعها في اليمن، تماشيًا مع خطط التقشف التي باتت تمضي عليها بعد التدهور الأخير لأسعار النفط.
أضف تعليقك