بنظر إعلام نظام عبد الفتاح السيسي الذي تعلمون كيف يدار، فإن كل الأمهات في مصر الآن مصدر خطر على الأمن القومي والاستقرار السياسي والاقتصادي والسياحي، حيث يمارسن قلقًا على صغارهن في المدارس من احتمالية الإصابة بفيروس كورونا.
في ظل الازدهار الهائل لمحصول الفاشية الذي لا تزرع مصر ولا تحصد سواه منذ العام 2013، صارت عاطفة الأمومة خطرًا على البلاد، إلى الحد الذي تكرّرت فيه المطالبات بإنقاذ مصر من "مجموعات الماميز"، في معظم أعمدة الصحف وبرامج التوك شو، تتردّد مكتوبة ومغناة وراقصة، على أوسع نطاق.
يحاول المطالبون بردع الماميز تغطية فاشيتهم بإضافة الإخوان المسلمين إلى القصة، وهي رشّة الملح التي لا تخلو منها وجبة إعلامية مسمومة هذه الأيام، للإيحاء، أو بالأحرى الإبلاغ، عن تنظيم" الماميز الإرهابيات" اللاتي يتناقلن النصائح، ورسائل التحذير لمواجهة خطورة انتشار الفيروس المرعب، في ظل حالةٍ من الإنكار والكذب، عاشت فيها الحكومة المصرية منذ بداية الأزمة، مرددًة خطابًا لا يصدّقه عاقل، ولا يعترف به عالم، عن أن كورونا وإن غزا الكون كله فإنه لا يجرؤ على الاقتراب من مصر.
كل جريمة الماميز أنهن يسلكن وفقًا لما تفرضه طبيعة الأمومة، حين يكون هناك وباء يعربد في كل مكان في العالم، وتصدر بشأنه التحذيرات من دولٍ تتمتع بعلاقات جيدة مع النظام المصري، مثل فرنسا وأميركا والكويت والسعودية ولبنان، تقول إن حالات الإصابة لديهم قادمة من مصر.. ليس هذا فحسب، بل أن الحكومة المصرية التي أقسمت أيمانًا مغلظة بأنه لا يوجد كورونا، عادت وأعلنت عن عشرات الإصابات تباعًا.
الوضع الطبيعي هنا أن تحاول كل أم الوصول إلى معلومةٍ تبدد القلق، أو تحمي من الخطر المحتمل، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي (مرة أخرى التواصل الاجتماعي) الذي يبدو أنه سيصنف ضمن الجرائم الإرهابية قريبًا، مع تصاعد جنوني لمعدلات الفاشية لدى السلطة وأذرعها.
تواصلت "الماميز" عبر رسائل واتساب رد فعلٍ منطقيًا بمواجهة خطر داهم، وسعيًا إلى توفيرحماية للأبناء والبنات، ما دام العالم كله يؤكد أن كورونا موجود في مصر، فما هي الجريمة هنا؟
النظام نفسه يتواصل مع أذرعه في الإعلام والبرلمان من خلال رسائل واتساب، بل إنه يدير العملية برمتها من خلال هذا النوع من الرسائل، فهل حرام على الماميز حلال على السلطة؟.
تقول تجارب الأمم المحبة للحياة، الحريصة على سلامة العمران البشري، إنه حين يداهم المجتمع خطر مجهول، فإن الروابط الإنسانية والاجتماعية تقوى وتتعمق، فتصير المجتمعات أكثر رقّة وتحضرًا وابتعادًا عن العنصرية والطبقية، حتى تستطيع المواجهة والتصدّي بكامل عددها وعتادها، كما يتخلى المجتمع في هذه الظروف عن الرغبة في التصنيف الأيديولوجي والسياسي، ويتوقف، طوعًا أو كرهًا، عن نزعةٍ إقصائيةٍ تهيمن على قطاعاتٍ منه، غير أن الأمر مختلفٌ في مصر مع نظامٍ يؤسس بنيانه، منذ اللحظة الأولى، على تقسيم الجماهير إلى أخيار، هم كل الذين يؤيدون قمعه وبطشه وفساده السياسي والإداري، وأشرار هم كل الذين لا يستطيعون ابتلاع أكاذيبه عليهم، وهضم استبداده وطغيانه وتوحشه، بل ويرتكبون الجرم الأكبر، وهو محاولة مناقشته ومساءلته فيما يقود الجميع إلى الهلاك.
الشاهد هنا أن الذين يحرضون على "تنظيم الأمهات القلقات" إنما ينطلقون، في دعوتهم، من فوائض فاشية يعيشون بها ويتعيشون عليها، حتى كادوا لا يتصوّرون البقاء على قيد الحياة من دون تناولها بشراهة، وليس من دوافع الخوف على المجتمع والأمن القومي للبلاد، ذلك أن ألف باء الحماية المجتمعية تقول إن البداية تكون بتغليب الجوانب الإنسانية، فتسعى السلطة، بكل أدواتها، إلى طمأنة الجماهير بأن الكل في قارب واحد، من دون تصنيف أو استقطاب أو استعداء الناس على بعضهم بعضا، لأن الوباء لا يفرّق بين مؤيد ومعارض.
هنا أيضًا من أبجديات المواجهة أن الأمم في مثل هذه الأزمات تترك الكلمة للعلم والطب، فيما يتوارى الخطاب الأمني الكريه، وتتراجع حملات المداهمة لعقول الناس ومطاردة الأفكار وصرخات الهلع على الصغار.
لقد تركوا كل شيء ينبغي فعله ولجأوا، كالعادة، لاستثمار الكارثة في تشديد القبضة الأمنية وزيادة حصتهم من محصول الفاشية والاستبداد.
حسنًا، فلترفعوا منسوب الفاشية، ولتعدموا كل الأمهات في مناسبة عيد الأم، كي تستقر البلاد وتنتعش السياحة، ويفيض النيل ويتحول الفيروس إلى مصدر من مصادر الدخل القومي.
أضف تعليقك