بقلم: الدكتور الشيخ عكرمة صبري- خطيب المسجد الأقصى المبارك
يصادف اليوم الثامن من شهر آذار “مارس” يوم المرأة العالمي، لتكريم المرأة من جهة، وللاحتفاء بحصول المرأة الغربية لبعض حقوقها بعد ان كانت مضطهدة ومظلومة في المجتمع الاوروبي بشكل عام ولدى الشركات والمصانع ومناجم الفحم بشكل خاص ، فقد كانت المرأة تحصل على اجرة زهيدة أقل مما كان يأخذ الرجل في مناجم الفحم وفي الاعمال الشاقة، فثارت المرأة ضد الظلم والتمييز وحصلت على بعض الحقوق العمالية بالنسبة للاجور وساعات العمل.
أما في المجتمع الاسلامي فلم يقع الظلم اصلاً على المرأة ؛ لان الاسلام أعطاها حقوقها سلفاً دون اجحاف ولا تمييز وخصص لها سورة باسمها في القرآن الكريم، وهي سورة النساء لذا لم تقم المرأة بمظاهرات ولا ثورات ضد المجتمع وضد اصحاب رؤوس الاموال، كما حصل في اوروبا وامريكا.
وبهذه المناسبة أُهدي المرأة (المسلمة وغير المسلمة) حديثاً نبوياً شريفاً لترى نساء اليوم كيف يحرص الاسلام على المرأة وكيف يكرمها ويرفع منزلتها، فيقول رسولنا الاكرم محمد –صلى الله عليه وسلم- : “ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل خيراً له من زوجة صالحة، إن امرها أطاعته، وان نظر اليها اسرته، وان اقسم عليها ابرته، وان غاب عنها حفظته في نفسها وماله”. أخرجه ابن ماجه والنسائي عن الصحابي الجليل ابي امامة الباهلي –رضي الله عنه-.
لقد اهتم ديننا الاسلامي العظيم بالاسرة ووضع لها الاحكام الشرعية الكفيلة ببقائها وصلاحها في المجتمع، وركز اهتمامه على الزوجة؛ فصلاحها صلاح الاسرة، وقد حث رسولنا الاكرم محمد –صلى الله عليه وسلم- على الزواج من الفتاة التي تتصف بالتدين حيث يقول: “تنكح المرأة لأربع: لمالها وحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك”. أخرجه البخاري ومسلم عن الصحابي الجليل أبي هريرة –رضي الله عنه-، وقد عبر الرسول –صلى الله عليه وسلم- بلفظ “تربت يداك” للحث والترغب في اختيار الفتاة المتدينة، ولهذه العبارة تفسير آخر: هو أن الشاب اذا لم يتقيد بما امر به الرسول –صلى الله عليه وسلم-، واذا لم يقصد في زواجه الفتاة المتدينة فانه يعود عليه بالفقر والهلاك… وبالمقابل فان الفتاة عليها ان تحرص على الزواج من الشاب المتدين فيقول عليه الصلاة والسلام في هذا المقام: ” اذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، ألا تفعلوا تكن فتنة في الارض وفساد كبير” أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه عن الصحابي الجليل أبي حاتم المزني –رضي الله عنه-.
لذا فان رسولنا الاكرم محمد –صلى الله عليه وسلم- قد اخبرنا بأن خير مكسب للانسان في حياته بعد تقوى الله عز وجل هي ان تكون زوجته صالحة وتتصف باربع صفات وهي: الطاعة للزوج، والتجمّل له، والابرار في القسم، وحفظها له في نفسها وماله.
طاعة الزوج
ذلك ان تطيع زوجها في كل امر لا يخالف شرع الله عز وجل، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق للحديث النبوي الشريف”لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق”
وفي هذا المجال نشير إلى موضوع القوامة في الآية الكريمة: “الرجال قوامون على النساء”- سورة النساء- الآية 33، فليست القوامة دليل على الافضلية والتميز، وانما تدل على المسؤولية، فكل عمل يقتضي وجود مسؤول يشرف عليه ولا يمكن ان نتصور شخصين يترأسان عملاً واحداً، فرئاسة الرجل للبيت أمر طبيعي وتقره اشد الامم تطرفاً في حقوق المرأة، فها هو القانون الفرنسي يقول في المادة (237) من قانون الاحوال الشخصية (الزوج رئيس الاسرة) وليس هنا منقصة في حق المرأة، وانما لها مجالاتها المهمة والخطيرة، فهي ليست خالية من المسؤولية ففي عنقها تربية الاولاد وادارة البيت وحماة ظهر زوجها فيقول رسولنا الاكرم محمد –صلى الله عليه وسلم-: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالامام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم راع وهو مسؤول عن رعيته”- أخرجه البخاري ، وأحمد، والترمذي والبيهقي عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- وعليه فان شخصية المرأة في الاسرة هي المحافظة عليها، ولها حريتها في تصرفاتها الحقوقية ، فلها الحق في البيع والشراء والتصرف في مالها كيفما شاءت دون تدخل الزوج، كما انها تحتفظ بالنسب إلى ابيها وعائلتها بعد الزواج، فالاسلام قد قرر الاهلية الكاملة لها، فاذا تحققت الطاعة من قبل الزوجة فان السعادة والانسجام والتفاهم يخيم على بيت الزوجية، وتتمكن الزوجة المطيعة من تحقيق مطالبها الشرعية من زوجها.
التجمل للزوج
من واجبات المرأة التجمل لزوجها فلا يقع نظره عليها إلا وهي في احسن حال، كما لا يقع نظره في البيت إلا على نظافة وترتيب، كما يتوجب عليها ان تنظر اليه بعطف وتشجيع لما يبذله من مجهود، وتظهر اعجابها بما يناله من نجاح وتوفيق وهذا مما يدخل السرور في قلبه ويخفف عنه اتعابه، بخلاف الزوجة التي لا تتجمل ولا تتزين إلا حين خروجها من البيت! فتكون الزوجة في هذه الحالة قد خالفت الصورة التي طلبها الرسول –صلى الله عليه وسلم- من الزوجة.
الابرار في القسم
ان الزوجة الصالحة تتقيد بيمين زوجها حين يحلف، فينبغي ان تطيعه ولا تخالفه لئلا يحنث في يمينه، فاذا حلف على عمل للقيام به او الكف عنه فانها تلتزم يمين زوجها مالم يخالف الشرع، حتى لو كان المحلوف عليه غير راغبة فيه.
حفظها له في نفسه وماله
ان المرأة الصالحة هي التي تكتم اسرار زوجها وبيتها وتصون عرضها وتبتعد عن كل ما يناله من سمعته وسمعتها، كما تحافظ على ماله فلا تنفق منه إلا ما تراه مفيداً ومناسباً، وان تعتني بتربية الابناء والبنات طيلة غيابه عن البيت وأثناء عمله أو في أسفاره.
فهذه الصفات الاربعة لا تتحقق عملياً إلا من الزوجة الصالحة الملتزمة دينياً والتي تدرك حقيقة الحياة الزوجية بالمفهوم الشرعي.
فقه الحديث الشريف:
1- وجوب تقوى الله، فالتقوى هي فوق كل اعتبار، وهي المكسب الاول للمسلم.
2- الزوجة الصالحة هي سعادة للمسلم، وهي المكسب الثاني له.
3- تتصف الزوجة الصالحة بوجوب طاعة زوجها، والتزين والتجمل له، والابرار في اليمين، والمحافظة على نفسها وماله مدة غيابه عن البيت.
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
“والله يقول الحق وهو يهدي السبيل” سورة الأحزاب-الآية 4.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أضف تعليقك