لا أظن أن طاغيةً يحكم بلدًا بالحديد والنار، ويتنفس كراهيةً لمبدأ حق الجماهير في الاحتجاج والغضب والسعي إلى التغيير، يمكن ألا يكون مرتاحًا للغاية مع التنامي غير الطبيعي في معدلات الهلع من انتشار فيروس كورونا.
حياة الفرد، كما حياة المجموع، لا تمثل شيئًا للطاغية العربي، بل ربما يراها خطرًا عليه، وبالنظر إلى أن هؤلاء الطغاة يقتلون أكثر من كورونا، وبشكل أشرس وأعنف وأكثر وحشية منه، كما في ميدان رابعة العدوية في القاهرة وحلب والغوطة السوريتين والقنصلية السعودية في إسطنبول والأراضي اليمنية، فلا شك عندي في أن كل طغاة العرب وصهاينتهم سعداء للغاية بانتشار كورونا.
لسان حال بعضهم يكاد يهتف: مزيد من الشعب يموت هذا جيد جدًا .. ألم يعلن أحدهم ذات يوم أنه لا يهم أن نضحي بجيل أو جيلين من الشعب، حتى تستقر البلاد وتحارب الإرهاب؟
أنظر إلى التظاهرة الحاشدة لآلاف المصريين أمام المعامل المركزية لوزارة الصحة، طلبًا لتحليل فيروس كورونا، وقارن بين الحفاوة الأمنية والإعلامية الرسمية بها، حتى ظننت أن جهةً نظمتها دعمًا لفيروس كورونا، ورد فعل الأجهزة الأمنية ذاتها إذا ما فكّر خمسة أشخاص في وقفة سلمية تحمل الورود، وترفع لافتةً هادئة تعبر عن مطالب من أي نوع.
هذه الصور المشينة لالتحام الآلاف بالآلاف في كتلة من الزحام المرعب تبيّن محددات العلاقة بين سلطة الطغيان والجماهير من عدة أوجه:
أولًا: من المفترض أن الدولة تعيش ما يشبه حالة طوارئ بمواجهة فيروسٍ يتجه إلى اتخاذ صفة الوباء، يتنقل بالتنفس والمصافحة ولمس الأسطح والثياب، إلى الحد الذي نفد معه مخزون الكمامات من الأسواق. ومع ذلك، لم يكلف أحد من الأجهزة المعنية نفسه مشقّة تنظيم هذه الحشود والفصل بينها، كي لا يتحول المكان إلى بحيرة فيروسات يسبح فيها الجميع، إذ أن شخصًا واحدًا قد يكون حاملًا للفيروس يمكن أن ينقله إلى كل الموجودين القادمين من مختلف محافظات مصر.. كل واحد من هؤلاء، من دون شك، سوف يستقل وسيلة مواصلات، عامة أو خاصة، عائدًا إلي بيت يضم مجموعة من الأفراد، سيصافحهم قبل أن يغادر عبر مطار أو ميناء قاصدًا الدولة التي يعمل فيها (السعودية أو الكويت) بعد حصوله على شهادة تحليل الفيروس.
ثانيًا: من المفترض أن المجتمع بأسره، سلطة ومحكومين، بصدد مواجهةٍ مع وباء خطير، ومن ثم لا مجال هنا للتربّح والاستثمار في الكارثة، وهي أشياءُ تصنف في أوقات الكوارث القومية خيانةً عظمى، غير أن السلطة لم تجد في الأمر إلا فرصةً لوضع يديها في جيوب الجماهير، لتحصل على ألف جنيه، تزيد بمقدار ضعفين ونصف للمستعجل، ثمنًا لإجراء تحليل الفيروس.
ثالثًا: فضلًا عن أن الصورة، في مجملها، تنطق بأن ثمّة احتقارًا واستهتارًا غير عاديين بأرواح الناس، فإنها، من ناحية أخرى، تقدّم شهادة موثقة على أن هذه السلطة كذبت وتكذب على شعبها، وعلى العالم كله، بإصرارها على النفي القاطع للروايات الدولية عن استقبال حالات إصابة بالفيروس قادمة من مصر، وتمسّكها، حتى أيام قلائل مضت، بأن مصر خالية من كورونا، لتبدأ فيما بعد في تأليف رواية جديدة عن ظهور حالاتٍ قفزت بمصر في غضون ساعات إلى المركز الرابع في جدول الدول العربية الأكثر إصابة بكورونا، نتمنّى ألا نصحو فنجدها في المركز الأول عربيًا وفي مراكز متقدمة عالميًا.
الثابت أن السلطات المصرية تعاملت مع الأزمة بأكاذيب كثيرة رديئة الصنع، والحركات الاستعراضية الرخيصة، الأقرب إلى الدجل والشعوذة في لحظةٍ تتطلب أقصى درجات الاحترام للعلم والتخطيط والشفافية، بدءًا من قفزة وزيرة الصحة في غابة تنّين كورونا، مرورًا بالرد على المخاوف الدولية من احتمالات خطر قادم عبر الأراضي المصرية بمزيد من الخطب والأناشيد الركيكة التي تختبئ في شعاراتٍ وطنيةٍ رخيصةٍ تنظر إلى العالم الخارجي بوصفه مؤامرة على مصر.
في ذلك، اشتغلت آلة الإعلام السفيه بوقود اعتيادي من الشتائم لحكوماتٍ أقدمت على اتخاذ تدابير وإجراءات احترازية بالنسبة للقادمين من مصر، وكانت فرصةً سانحة لمضاعفة كميات البذاءة ضد قطر بشكل أساس، على الرغم من أن السعودية والكويت وعُمان اتخذت إجراءات مماثلة تقريبًا.. والآن يعلن الكيان الصهيوني إغلاق حدود فلسطين المحتلة مع مصر درءً لخطر كورونا، فهل يجرؤ أحد على منع الصهاينة من دخول الأراضي
أضف تعليقك