هل يستطيع النظام البائس في مصر أن يقدم مبرراً معقولاً لسفر وزارة الصحة "هالة زايد" إلى الصين، بتكليف من رأس النظام؟!
المعلن على لسان الوزيرة أنها تلقت أمراً وتكليفا بالسفر إلى هناك من عبد الفتاح السيسي لتقديم "شحنة من المستلزمات الطبية"، ومد يد العون للصين في المحنة التي ألمت بها. فلماذا الصين، وليس إيران أو إيطاليا، وكلاهما من البلدان الأكثر إصابة بفيروس كورونا، وفي المرتبة التالية للصين؟!
لا نعرف على وجه الدقة ما هي المستلزمات الطبية التي تملكها مصر ولا التي تملكها الصين، لمواجهة هذا الفيروس، وإذا كانت مصر تملك شحنة من المستلزمات الطبية، فلماذا لم تستخدمها لمواجهة كورونا، والمصابون بهذا المرض في مصر بلغوا باعتراف الوزيرةنفسها ألفا و443 حالة، و"ما يحتاجه البيت يحرم على الجامع"، لا سيما وأن مصر ليست بلدا غنياً. ولم يقم أي بلد من البلاد الغنية بتقديم مساعدات أو شحنات من المستلزمات الطبية للبلدان الموبوءة، فلم تفعلها السعودية أو الإمارات على سبيل المثال، لسبب بسيط وهو أنه لم يثبت إلى الآن أن بلدا انتشر فيه الوباء إلى درجة عدم القدرة على توفير المستلزمات الطبية اللازمة، إلى حد تقديم المساعدات من بلد فقير، ضربه الفيروس كما ضرب البلد الذي قدمت له المساعدات، وإن كان بدرجة أقل. وإن كانت هذه الدولة (الصين)، لم تعلن احتياجها للمساعدات، لنعد إلى السؤالين السابقين: ما هي هذه المستلزمات الطبية؟!.. ولماذا الصين؟!
التقرب بالنوافل:
إذا استبعدنا إيران، باعتباره بلداً في عداء مباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية، ويعد مغامرة، تقديم المساعدات له، فلماذا لم تقدم مصر المساعدات إلى إيطاليا لتسافر إليها وزيرة الصحة، بتكليف من عبد الفتاح السيسي، ومنذ مقتل الباحث ريجيني والنظام يتقرب من إيطاليا بالنوافل؟ وقد سعى أهل الحكم في إيطاليا لتقديم خدمة جليلة للعسكر في مصر، تتمثل في إلقاء القبض على المعارض المصري الدكتور محمد محسوب وتسليمه، وفشلت الخطة بسبب الضغط الإعلامي.
فالعلاقة بين الحكم المصري ونظيره الإيطالي طيبة للغاية، ومصر وبعد جريمة مقتل الباحث الإيطالي تسعى للتقارب، بما يدفع لتجاوز هذه الأزمة ولا مانع لدى الحكومة الإيطالية لولا الضغط الشعبي. وكانت الفرصة مواتية، لإظهار النظام المصري الود للشعب الإيطالي، بتقديم شحنة من المستلزمات الطبية. وإيطاليا ليست في عداء مع واشنطن، بما يمنع من إبداء الود لها، كما إيران التي تقارب معها جماعة الانقلاب بمصر في البداية، لولا أنهم علموا أن فاتورة التقارب ستكون باهظة، فتوقفوا غير متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة!
لقد أمر عبد الفتاح السيسي وزيرة الصحة بالسفر إلى الصين بما يمثله هذا من مخاطرة، وبما يمثله من اإلقاء بها إلى التهلكة المنهي عنها شرعا وقانوناً، لتقديم يد العون للصينيين، وهو التكليف الغريب حد الريبة.. فماذا هناك؟!
حالة طوارئ:
لقد كان هذا التكليف بعد اجتماع للسيسي في اليوم التالي لإعلان إثيوبيا فشل مفاوضات سد النهضة، وأنها ستبدأ في ملء السد بالتوازي مع إتمام عملية البناء، وهو ما كان يستدعي اجتماع هيئة الأمن القومي، للنظر في هذه المخاطر.
كما كان هذا التكليف في اليوم الذي تم فيه الإعلان عن إصابة العدد المذكور أعلاه بالإصابة بفيروس كورونا، وهو ما يدعو لأن تكون مصر في حالة طوارئ، وأن وزيرة الصحة تشد مئزرها وتوقظ أهلها، لمواجهة هذا الطارئ الذي اضطروا للإعلان عنه بعد أسابيع من التكتم، لولا أن هذا تسبب في فضيحة، فأكثر من حالة عائدة من مصر تبينت إصابتها بالفيروس وفي أكثر من بلد، بما مثل إحساس بعض البلدان (الكويت وقطر) بأن هذه اللامبالاة من قبل السلطة الحاكمة، في مواجهة الفيروس، تجعل من الخطر استقبال قادمين من القاهرة، فكانت بعض الإجراءات الاستثنائية، التي أزعجت المصريين في هذين البلدين!
وبلد يعاني كارثة صحية، كيف يجد الفراغ اللازم ليقدم المساعدات للغير، وهو بحاجة إلى من يقدم له المساعدات، فضلاً عن أن تجد وزيرة الصحة فراغا تبدده بالسفر لتقديم يد العون للصين، ولماذا الصين؟!
إن السيسي يدرك بعقلية التاجر، أن الصين تعاني الآن حصاراً خارجياً، جعل من ظهور صينين في أي بلد عملية تواجه برد فعل قلق، ولدرجة أن متاجرهم ومطاعهم في كثير من الدول، بما فيها الدول الغربية، تعاني الكساد، فلا أحد يخاطر ويذهب إلى هناك، ناهيك عن الخصومة بين الصين وبين الولايات المتحدة الأمريكية!
والسيسي يستغل هذا الحصار، ليتقارب مع الصين، سعياً وراء تجارة في الضراء وحين البأس، تمثل "عربون محبة" تريحه في السراء، وإذا كان لا يستطيع ذلك من قبل، لأنه سيمثل تمرداً على الإرادة الأمريكية، فإنه يستغل ظرف الأزمة الإنسانية للتقارب، فيقدم على هذه المخاطرة، ويرسل وزيرة إلى بلد موبوء، وبشكل لم يقدم عليه أي بلد آخر، بل وتستمر الرحلات بين مصر والصين، في وقت أوقفت دول كثيرة رحلاتها من وإلى بكين. وهو عندما يسمح بسائحين إيطاليين بدخول مصر، فإنه يثبت أنه ليس مكترثاً بصحة المصريين، وانتقال الوباء إليهم، فلا يشغله إلا "انتهاز الفرصة" لتحقيق "المصلحة"، باعتباره رجل "سبوبة" بامتياز!
إنه يقدم للصين السبت، انتظارا ليوم الأحد الذي يُرد فيه الجميل إليه، ولو كان بالتضحية بالوزيرة والوفد المرافق لها، ولو كان بالانشغال بالمريض الصيني عن المريض المصري!
وإذا كان قد قيل قديما اطلبوا العلم ولو في الصين، فصاحبنا يطلب المصلحة ولو هناك!
يا له من تاجر مفلس!
أضف تعليقك