بقلم.. عامر شماخ
هو يوم الجمعة (11 من فبراير 2011م)، الذى مرت علينا ذكراه، كافأ فيه الله -تعالى- المصريين برحيل الطاغية، الذى أضاع البلاد والعباد، ذهب بفساده وتبعيته، فعمَّت الأفراح ربوع المحروسة، فى مظاهرات قُدرت يومها بنحو (24 مليون) مواطن، مرددين «الله وحده أسقط النظام».
ولا يقدر عظمة هذا اليوم وقيمته إلا من عاش ثلاثين عامًا تحت حكم هذا المستبد، وقد انكوى بناره، وعانى إجرامه. ولا يعرف بركته إلا عشاق الحرية، الراغبون فى التحضُّر والرقى، الذين كانوا يدركون أن كلمة السر للخروج من هذا البلاء المبين، هى إزاحة هذا الرجل الذى جثم على أنفاس 90 مليونًا لثلاثة عقود ملأها ظلمًا وجورًا، وكانوا يدركون أيضًا أن فى إزاحته قطع لسلسلة العسكر -وهو حلقة فيها- والتى امتدت لستين سنة من الفشل.
أما من يرون هذا اليوم قد فتح أبواب الشر وأجج الفتن؛ فنقول بل العكس هو الصحيح، فلولاه ما عرف الناس حجم المؤامرات على الإسلام، وما عرفوا مقدار الخيانات التى تتم على يد (الرؤساء والملوك!) وما أدركوا أن تلك الطغمة الفاسدة تعمل لصالحها وصالح أبنائها وفقط، وأن ليس فيهم رجل رشيد.
ويأسف على الطاغية الراحل كلُّ جاهل بالواقع والتاريخ والسياسة، من لا يقرأ ولا يسمع ولا يشاهد، فضلاً عن أن يحلل ويفسر، ويأسف عليه المنتفعون بحكمه، الذين انقطعت إقطاعاتهم وجف مددهم بإزاحته، ويأسف الهلعون قصار النفس، الذين يتعجلون الاستقرار ولو كان على أشلاء الآخرين، ولو انتقص عرى الدين وحدود الوطن، وهناك من يرون أن عهده كان أخف ضررًا وأبيض وجهًا من النظام الحالى، وهؤلاء كمن خُيِّر بين سيئين اثنين فاختار (أحسن الوحشين!)، والعاقل لا يفاضل بين السيئيين، بل يرفضهم جميعًا؛ لأن الله قد خلقنا أحرارًا، ونحن من يمكننا أن نظل هكذا أو نفرط فى تلك الحرية: إذا سمحنا للأقزام باستعبادنا.
ندرك أن لهذا اليوم توابع كريهة، لكنه كان دواء، والدواء لا يُستساغ فى العادة، وقد نبه العقلاء وقتها أن المقبل أصعب، وأن «الخلع» أسهل المراحل؛ لأن هناك من يضحى بكل ما يملك كى يستمر هذا الفساد، وأن بناء نظام جديد على أسس سليمة يستلزم الصبر، ويستلزم التضحية، ويستلزم التعاون، وما أتمت ثورة أشواطها كاملة إلا بعد حين، وبعد انتصارات وانكسارات، وتقدم وتراجع، غير أن انطلاقها ضرورة؛ لأنها لو لم تشتعل فلن يكون ثمة وعى، الذى إن انعدم لم يكن تغيير ولا إصلاح.
لقد تناولتُ جرائم المخلوع فى مقالات عدة سابقة تغنى عن التكرار، وأصدرت كتابًا فى عام 2012 (400 صفحة) عرضتُ فيه هذه الجرائم بالتفصيل، ولو أننا نحيا فى دولة عادلة لأُعدم هذا الرجل عشر مرات لما أفسد. وقد أصدرت كتابًا آخر فى العام نفسه بعنوان «الإخوان المسلمون فى سجون ومعتقلات مبارك» فيه نماذج من إرهاب السلطة وقصص التعذيب والإهانة ما يشيب لهولها الولدان، وأى جريمة أفظع من القتل بأيدى السلطة؟ وأى جريمة أشنع من التى قام بها وزير داخليته لما فجر كنيسة القديسين ليتهم فيها أبرياء كى يحلل لنفسه قتلهم، إضافة إلى إلصاق التهمة بتيار بكامله، وهو يدرك أن التهمة لا تلتصق بالتيار قبل التصاقها بالدين الإسلامى نفسه…
حتى لو بقى هذا اليوم ذكرى فى قلوب الأحرار؛ فإنها قد أذاقتهم طعم الحرية، ومن يذق طعمها محال أن ينساه، بل لا يقر له قرار حتى يحققها، كاملة لا شية فيها. لا نجادل فى أن النظام جدد نفسه وعاد أقوى فى الإجرام والتنكيل بالشعب عما مضى، وهذا أمر متوقع -كما ذكرت- فى الثورات، لكن هذه القوة لن تدوم؛ لأنه لا بقاء لقوة لا يحرسها عدل، والعدل عندهم منعدم، والظلم فائح الراحة، ولو دامت دولة لمجرم لكان فرعون الأمة هو الأولى باللقب، غير أنه على قدر الإجرام يكون العقاب، وعلى قدر الإمهال يكون الأخذ.. وإن أخذ ربك لشديد أليم.
أضف تعليقك