الصبر من أخلاق الدعاة:
الصبر واحتمال الأذى ومشاق الطريق دليل على الإرادة والعزيمة التي تستمد قوتها وصمودها من الله تعالى: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ (الشوري:43)، ودليل قوي على الاستحقاق الرباني لأهل الابتلاء والعزيمة بأن يكونوا روادا وقادة في مختلف شئون الحياة.. ولا نقول ذلك تنويما أو تخديرا أو دغدغة للمشاعر، ولكنها الحقائق كالشمس في رابعة السماء، وقد جاء الأمر الإلهي: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ﴾ (الأحقاف: 35) توجيه يقال لمحمد صلى الله عليه وسلم وهو الذي احتمل، وعانى من قومه ما عانى وهو الذي نشأ يتيما وجرد من الولي والحامي ومن كل أسباب الأرض: الأب والأم والجد والعم والزوج الوفية الحنون، وخلص لله ولدعوته مجردا من كل شاغل كما هو مجرد من كل سند أو ظهر وهو الذي لقي من أقاربه من المشركين أشد مما لاقى من الأبعدين، وهو الذي خرج مرة ومرة يستنصر القبائل والأفراد، فرد في كل مرة بلا نصرة (ظلال القرآن).
فالصبر خلق الوفاء للدعوة والضريبة الغالية التي لا يقدر عليها الكثيرون إلا أولو العزائم. لذلك وَفَّاهم الله بأجزل العطاء قال تعالى: ﴿إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ (الزمر: 10) عطاء من الله لأوليائه حماية ورعاية وعلوا في الدنيا والآخرة قال تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (يونس: 62) إنها سنة العقائد والدعوات أقرها القرآن الكريم: ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾(آل عمران: 186) إنها سنة لا بد منها ولا بد من أذي في الأموال والأنفس، ولا بد من صبر ومقاومة واعتزام. إنه الطريق إلى الجنة وقد حفت بالمكاره بينما حفت النار بالشهوات. ثم إنه هو الطريق الذي لا طريق غيره لإنشاء الجماعة المؤمنة التي تحمل هم الدعوة وتنهض بتكاليفها. طريق التربية لهذه الدعوة؛ وإخراج مكنوناتها من الخير والقوة والاحتمال، وهو طريق المزاولة العملية للتكاليف، والمعرفة الواقعية لحقيقة الناس وحقيقة الحياة؛ ذلك ليثبت على هذه الدعوة أصلب أصحابها عودا. فهؤلاء هم الذين يصلحون لحملها إذن والصبر عليها (ظلال القرآن).
اليقين طريق الصادقين:
لقد آمن المسلمون يوم الأحزاب يقينا بوعد الله ولم يكونوا في حالة آمان على أنفسهم أو أهليهم أو أبنائهم أو أموالهم. ولكنهم باليقين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وباليقين والصدق تخطو مرحلة الزلزلة إلى.. ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ (الأحزاب:22) يقين الصدق وإن طال الطريق، وتأخر النصر وزادت الزلزلة فنحن بشر، وهذا لا يشكك في ثقتنا في موعود الله؛ لأنه عقيدة، والعقيدة ثابتة والضعف في الأعراض. لذا جسد النبي عليه الصلاة والسلام اليقين لصاحبه أبي بكر لما شعر بالخوف على الرسول عليه الصلاة والسلام والدعوة – يا أبا بكر: ما ظنك باثنين الله ثالثهما – لا تحزن إن الله معنا – وفي الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "إن الله تعالي بقسطه وعدله جعل الروح والفرح في الرضا واليقين" (رواه الطبراني، والبيهقي).
فامتلاء القلب باليقين في النصر والتمكين ليس كلمات تردد في المجالس ولكنها سلوك نراه على الجوارح رضا وفرحا بأننا مع اختيار الله وما هو إلا اصطفاء ولهذا الاصطفاء متطلبات منها: الامتحانات والابتلاءات فالصبر والصدق واليقين كلها مقويات غرسها المولى سبحانه وتعالى في أرواح أصفيائه وأحبابه. إن الله ينزل المعونة على قدر المؤنة وينزل الصبر على قدر البلاء؛ لأنّ من صفة العَبْد الْجزع وَالصَّبْر لَا يكون إِلَّا بِاللَّه فَمن عظمت مصيبته أُفيض عَلَيْهِ الصَّبْر بِقَدرِهَا وَإِلَّا لهلك هلعا (التيسير بشرح الجامع الصغير).
فكل الحادثات وإن تناهت ... فموصول بها الفرج القريب
بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين:
من يقول هذا؟ الله عز وجل... قال تعالى في سورة السجدة: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾(السجدة:24)، هذا إيحاء للقلة المسلمة يومذاك في مكة أن تصبر كما صبر المختارون من بني إسرائيل، وتوقن كما أيقنوا؛ ليكون منهم أئمة للمسلمين كما كان أولئك لبني إسرائيل، ولتقرير طريق الإمامة والقيادة، وهو الصبر واليقين (ظلال القرآن) وليس نموذج الرسل والأنبياء فحسب بل صحبه الكرام ومن سار على الدرب .. فقد تعرضوا لأفظع أنواع الابتلاء فصبروا وأيقنوا أن الله ناصر دينه ومعز أوليائه. فانظر لحال رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو مهاجر وصاحبه من الخوف والترقب، إلا أنه ما لبث أن عاد فاتحا مكة في مشهد مهيب من العزة والعدد وأبهة النصر بتواضعه صلى الله عليه وسلم فطأطأ رأسه وانحنى على دابته إجلالا لمولاه الذي نصر عبده وأعز جنده وأذل عدوه.. ولم يكن ذلك لنبيه فحسب بل كان لأهل الصبر واليقين ممن ساروا على الدرب نصيب من الكرامة والإمامة بصبرهم من أمثال: بلال بن رباح الذي صبر يقينًا فنال وسام أشرف لقب "مؤذن الرسول" ومن المبشرين بالجنة، وهذا الإمام أحمد بن حنبل الذي خرج من المحنة عالي الرأس وصار إمام أهل السنة والجماعة وقد بلغت شهرته الآفاق، وستذكره الأمة إلى يوم القيامة بإذن الله.. وغيرهم الكثير ممن يكتب في صمودهم وصبرهم وريادتهم كتب.
واجبات عملية:
- تكلف الصبر في تقبل الآخر واحتمال ما يصبك منه.
- احتمال ما يصبك من إخوانك حسبة لله وقم بتعميق صلتك بهم.
- سماع قصص أهل الابتلاء والصبر والاقتداء بهم.
- استحضار ثواب الله عز وجل للصابرين.
- التخلي عن صفة تنافي خلق الصبر خلال الشهر.
- التحلي بصفة من صفات الصابر ين خلال الشهر.
- محاربة روح اليأس ونشر قيمة اليقين والثقة بالله عز وجل بين من حولك خلال الشهر.
أضف تعليقك