انتهت الضربة الصاروخية الإيرانية للأهداف الأميركية في العراق، فخرج الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في الصباح مختالًا فخورًا، ومن خلفه الجنرالات، ليعلن النهاية السعيدة، ويهنئ الشعب الأميركي والعالم، ويكاد يهنئ طهران ذاتها على ما جرى.
قبل أن يدلي ترامب ببيانه المقتضب، والذي ظهر خلاله، وهذا من النادر أن يحدُث، متحدثًا لبقًا ورجل دولة حقيقيًا، أطل الرئيس الأميركي بتغريدةٍ قبل النوم، بعد متابعة القصف الإيراني، معلنًا All is well أو بالعربية: كل شيء على ما يرام، ليظهر لاحقًا أن كل شيء على ما يُرام بالفعل، بالنسبة له وللإيرانيين.
نعم، كل شيء على ما يرام: فقد ضمن ترامب خروجًا آمنًا وفاخرًا من كل الأفخاخ المنصوبة له بالداخل، لعزله، أو من جهة إحراق الأرض تحت قدميه، كي لا يعبر إلى أربع سنوات أخرى داخل البيت الأبيض.
كما أن بشار الأسد باقٍ في مكانه آمنًا مطمئنًا، لا يتذكّره أو يذكر جرائمه أحد، في صخب اغتيال داعمه الأول، وحامي جرائمه وفظاعاته ضد الشعب السوري، الجنرال قاسم سليماني.. وعبد الملك الحوثي كذلك مستقر في موضعه، فارضًا نفسه أحد اللاعبين على الساحة، يخطب في الجماهير ضد الإمبريالية والصهيونية، وكأنه زعيم ثورة لا قائد انقلاب عليها..
لماذا لا يكون كل شيء على ما يرام بالنسبة لترامب ومشروعه، والسنة يشتمون الشيعة، والشيعة يسبّون السنة، ودخان الحريق الطائفي يطغى على دخان القنابل والصواريخ الأميركية والإيرانية، في تلك الرقصة المجنونة بينهما؟
لماذا لا يكون كل شيء على ما يرام والجمهور العربي منقسم في اشتباك ملتهب، بين فريق يلعن حركة حماس، ويعطيها دروسًا ويعلمها كيف تكون المقاومة والعروبة والإسلام والوطنية، وتصل به الوقاحة لينزع عنها أية جدارة لمقاومة المحتل، كونها تنعي قائدًا عسكريًا شيعيًا ترى أنه دعمها في وقتٍ حاصرها فيها الأشقاء العرب، وفريق آخر يبرّر ولا يريد كلمة نقد، بل ويخوّن المنتقدين، المحبين، ويصل به الشطط إلى إلحاقهم بالمنبطحين الذين لا يحبون المقاومة.
كيف لا يكون كل شيء رائعًا، يا سيد ترامب، وعرب يتمنّون على إيران قصف الدوحة، وآخرون يريدون منها قصف دبي والرياض، لكي يشفي الله صدور قوم مؤمنين؟
نعم كل شيء رائع وعلى ما يرام.. ماذا يعني أن نحو 180 إنسانا قتلوا في تحطم طائرة ركاب مدنية قادها حظها العاثر للتحليق بمسافرين في ذروة لحظة تبادل رشقات العتاب والترضية بالقصف الصاروخي بين ترامب وروحاني؟ لا يهم هنا فالقتلى مدنيون، مثلهم مثل أكثر من خمسين نفسًا بشرية قتلها التدافع في أثناء تشييع قاتل المدنيين في سورية، ولم يخدش عسكري واحد من الأميركيين والإيرانيين، فلا خسائر إذن.
والأهم من ذلك كله هذه ثورة شعبية عربية في العراق أجهضت ويفكرون الآن كيف يوارونها الثرى، بعد أن نجحت عملية تدميرها، على الأقل في اهتمامات الرأي العام، الذي جرى اختطافه ببهرجة العرض المثير: الفعل الأميركي والرد الإيراني؟
وقبل ذلك وبعده، ها هي"إسرائيل" تستلقي على أريكتها المرفهة في أمانٍ تستمتع بالمشاهدة، صحيح أنها باتت تشعر بالملل من تكرار مشاهد الشجار العربي - العربي والسني - الشيعي من أجل راحتها. لكن، لا بأس من تدفئة ليل الشتاء بمزيد من هذه المشاهد الساخنة، فلماذا لا يصبح كل شيء جميلًا، وعلى ما يرام وأكثر؟
نعم، تمت العملية الأميركية بنجاح، وتم التخلص من الرقم الأصعب والأهم في معادلات السياسة الإيرانية، الصاعد بقوة الصاروخ من العسكرية إلى الحياة السياسية، حتى صار سلطًة وحده، ربما تسبق سلطة روحاني السياسية، وتأتي مباشرة بعد سلطة المرجعية الروحية.. والأخطر من ذلك أنه كان الصندوق الأسود لمسيرة العلاقات الأميركية الإيرانية، منذ الحرب في أفغانستان وحتى الآن.
والأمر كذلك، لماذا لا تكون كل الأشياء رائعة وعلى ما يرام، بالنسبة لترامب ومستقبل العلاقة بينه وبين العدو الذي لا يمكن الاستغناء عنه؟
أضف تعليقك