في الذكرى الـ16 على وفاته في الخميس 8 يناير 2004
مقدمة
لقد رحل عنا المستشار المأمون الهضيبى وقلوبنا معلقة به للحب الذى كان يشمل به إخوانه، ولا نقول فى ذلك إلا ما يرضى ربنا: إنا لله وإنا اليه راجعون، وصدق الله العظيم إذ يقول:(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا)[الأحزاب: 23-24].
النشأة والتكوين
ولد المستشار محمد المأمون حسن إسماعيل الهضيبى فى قرية الشواولة بمحافظة سوهاج بصعيد مصر فى 28 مايو 1924 م، حيث كان الأستاذ حسن الهضيبي –عليه رحمة الله- يعمل محاميا بمحافظة سوهاج فور تخرجه في كليه الحقوق، فولد له خلال فترة عمله بسوهاج أكبر أبنائه المستشار محمد المأمون، وكانت الأسرة أصلها من قرية عرب الصوالحة –مركز شبين القناطر– محافظة القليوبية ، وتنقلت أسرته فى أماكن متعددة حيث عمل والده قاضيًا بوزارة العدل المصرية، حتى استقال من منصبه القضائى ليتفرغ للدعوة عام 1951.
وأصبح المرشد الثاني لجماعة الإخوان المسلمين في الفترة من 1951 حتى وفاته في الثالث عشر من نوفمبر عام 1973 م.
ويقول المستشار المأمون عن البيت الذى نشأ فيه: ".. البيت كان في غاية الانضباط.. ولكن في الوقت نفسه في غاية الرحمة والأدب والشورى.. وكان الأب يسمح لكل واحد أن يدلي برأيه، والأم كانت مثالاً للأدب والأخلاق وكان الوالد يحترمها احترامًا كبيرًا أورثنا أن نكون دائماً تحت أرجلها.. كانت العلاقة بينهما متينة جداً.
ولم تكن قد أكملت تعليمها رحمها الله.. فحصلت على التعليم الأولي، ولكنها أكملت تعليم نفسها بل تعلمت اللغة الفرنسية.. ووالدها يرحمه الله هو الشيخ محمد خطاب أحد علماء الأزهر.. لقد ارتقت بنفسها كثيراً.. كانت تتحدث الفرنسية.. وفي الوقت ذاته تقرأ القرطبي وابن حزم وكتب التفسير".
التحق المستشار المأمون الهضيبى بمراحل التعليم المختلفة حتى تخرج في كلية الحقوق جامعة الإسكندرية ، وكان ترتيبه العاشر على دفعته، وعين وكيلا للنيابة وتدرج فى سلمه الوظيفى فى القضاء حتى أصبح رئيسا لمحكمة استئناف القاهرة .
شارك المستشار المأمون فى أعمال المقاومة الشعبية خلال العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 م، وكان ذلك أثناء عمله مستشارًا لمحكمة غزة – حيث تولى محكمة غزة عام 1954 م، وقد نصحه أحد رجال المخابرات بعدم النزول للقاهرة حتى لا يعتقل، وكان له موقفه المشرف وقد اعتقله جيش الاحتلال الإسرائيلي حيث رفض الخضوع والخنوع للمحتل الصهيونى، بخلاف ما قام به الفريق الدجوى –وقع فى الأسر أيضا فكان يبكى كالأطفال- الذى أرشد المحتل على البنية التحتية للدولة والجيش وسب مصر وقادتها وقد علم عبد الناصر بذلك فكافأ المستشار الهضيبى باعتقال فى محنة 1965 م وكافأ الدجوى بأن ولاه رئاسة المحكمة التى حكمت على سيد قطب وإخوانه بالإعدام، وظل بالمعتقل حتى عام 1971 م حين أفرج عنه السادات بعد وفاة عبد الناصر.
سافر للعمل بالسعودية وظل بها حتى عاد وتفرغ للعمل الدعوى داخل جماعة الإخوان المسلمين .
في قافلة الإخوان
ولد المستشار المأمون فى بيت ملىء بالإيمان، حيث اعتنى والده المستشار حسن الهضيبي بتربية أبنائه تربية إسلامية، والتحق المستشار المأمون بدعوة الإخوان بعد العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 م - حيث كان من المشاركين فى التصدى لهذا العدوان - وشارك أهله المحنة حتى كان أحد ضحاياها عام 1965 م فاعتقل وقد أقيل إثر ذلك من منصبه القضائي. وقدم إلى المحاكمة العسكرية وحكم عليه بالحبس ثلاث سنوات. وجدد اعتقاله .
وتم الإفراج عنه أول يوليو عام 1971 م. ويقول فى كيفية اعتقاله : "حدث أمر جعل الأمن يشتبه في أنني أخفي شيئاً في بيتي والذي حدث هو أن زوجتي عندما علمت من الإذاعة بقضية الشهيد سيد قطب قامت بإخفاء كتبه التي كانت بمكتبتي أخفتها في حوش المنزل، في تلك الآونة كان الأمن يرصد البيت فاشتبهوا في أن "أسلحة" كان يتم إخفاؤها فداهموا البيت وفتشوه أكثر من مرة، وعسكروا في البيت أكثر من يوم فلم يجدوا إلا الكتب اقتادوني إلى إدارة المباحث ثم نقلوني إلى سجن أبي زعبل، وهناك مارسوا عملياتهم التي كانوا يمارسونها مع المعتقلين: التعليق.. الضرب والمحمصة وغيره ثم نقلوني إلى طرة ثم السجن الحربي حتى أنهوا التحقيقات، وأصدروا الحكم بالسجن ثم نقلوني مرة أخرى إلى سجن أبي زعبل حتى عام 1967 م، ثم نقلونا إلى سجن طرة ومكثنا به حتى مات جمال عبد الناصر ، وفي عهد السادات بدأت الإفراجات وخرجت مع الدفعات التي خرجت من طرة".
وبعد اعتقاله طلب منه تقديم استقالته من القضاء فقدمها مكرها، وبعد خروجه سافر الى السعودية للحج حيث التحق بالعمل في قسم الحقوق العامة وقسم الحقوق الخاصة بوزارة الداخلية السعودية ، والعمل فيهما عمل قضائي بحت وفيه جانب شرعي، ولم يكن له أية علاقة بأية إدارة أخرى بالوزارة. وفى ذلك يقول المستشار المأمون الهضيبى: "وظل هذا الوضع فترة طويلة حتى قضت محكمة النقض ببطلان الاستقالة وعودتي للعمل، وكانت درجتي قد وصلت إلى نائب رئيس محكمة استئناف، وبعد صدور الحكم عدت إلى مصر واستكملت عملي لفترة بسيطة، ولم تكن السلطات مرحبة بعملي في القاهرة فصدرت تعليمات بانتدابي إلى السعودية حيث عدت مرة أخرى إلى هناك حتى أوشك سني على بلوغ الستين وجاء دوري لأكون رئيس محكمة استئناف القاهرة .. وقبلها أصبحت خلال السفر في درجة رئيس محكمة استئناف الإسكندرية.
وصدر قرار جمهوري بالفعل من الرئيس مبارك بتعييني رئيساً لمحكمة استئناف القاهرة بناءً على قرار مجلس القضاء الأعلى، وعلى اعتبار أنني منتدب في الخارج، فقطعت سفري وعدت وتسلمت عملي لأيام ثم صدر قرار إحالتي للتقاعد.. لكن وزير العدل في ذلك الوقت أراد أن يعبر عن أحاسيسه فحاول أن يكتب في قرار الإحالة بأنني رئيس محكمة استئناف الإسكندرية بدرجة رئيس محكمة استئناف القاهرة (استئناف القاهرة أعلى درجات محاكم الاستئناف) لكن عندما قدمت القرار الجمهوري اضطروا لتعديل البيانات، عدت مرة أخرى إلى السعودية لمواصلة عملي حتى زار الأستاذ عمر التلمساني مرشد الإخوان في ذلك الوقت السعودية للحج في منتصف الثمانينيات وقابلته وطلب مني النزول إلى القاهرة ".
خاض انتخابات مجلس الشعب عام 1987 م على قائمة حزب العمل وفاز بالمقعد فى دائرة الدقى وأصبح رئيسا للكتلة البرلمانية للإخوان داخل مجلس الشعب ، ولقد شهدت هذه الدورة نشاطا ملحوظا بسبب الاستجوابات التى تقدم بها الإخوان للمجلس، ولقد فاز الإخوان بما يقرب من 38 مقعدًا، ولقد ركز الإخوان على قضايا الحريات السياسية وما يمس مصلحة الشعب والشريعة.
وفى يناير 1996 م نفى أن يكون الإخوان قد خططوا لإنشاء حزب لاستغلاله كواجهة، وكان ذلك فيما أثير من ضجة أثناء تشكيل حزب الوسط.
شغل منصب المتحدث الرسمى لجماعة الإخوان المسلمين فى فترة الأستاذ محمد حامد أبو النصر –المرشد الرابع للإخوان المسلمين والذى تولى من 1986 – 1996 م– ثم اختير نائبا للمرشد العام بعد وفاة الدكتور أحمد الملط فى يونيو 1995 م، وظل نائبا للمرشد العام الأستاذ مصطفى مشهور- والذى تولى من 1996 م – 2002 م – بالإضافة لكونه المتحدث الرسمى للجماعة ، وبعد وفاة الأستاذ مصطفى مشهور فى 14 نوفمبر 2002 م ، 10رمضان 1423هـ اختير المستشار الهضيبى لأن يكون مرشدًا للإخوان المسلمين فى مساء يوم الأربعاء 22 من رمضان 1423هـ الموافق 27 من نوفمبر 2002 م .
وللمستشار المأمون كتابات عدة منها: الإخوان المسلمون 60 قضية ساخنة الصادر عن دار التوزيع والنشر الإسلامية 1998 م يوضح فيه: ما هو موقف الإخوان المسلمين من القوى والتيارات الإسلامية الموجودة على الساحة سواء تلك التى تتبنى العنف أم تلك التى لا تتبنى السياسة. وماذا عن تجربة النقابات المهنية؟ وماذا عن شعار ((الإسلام هو الحل)) ؟ وما هى رؤية الإخوان المسلمين حول الأقباط وقضايا العالم الإسلامى؟ وماذا عن الانشقاقات التى حدثت داخل الجماعة؟
أضف تعليقك